صحيفة المثقف

رواد الادب والشعر الاسباني الحديث

khadom shamhod21 - رافائيل البرتي / Rafael Alberti

يعتبر البرتي من اكبر اعمدة الادب والشعر الحديث الاسباني ويوصنف من جيل ال 1927 الذي يجمع مجموعة كبيرة من خيرة شعراء وكتاب ومسرحي اسبانيا من اواخر القرن التاسع عشر الى بدايات القرن العشرين ويسمى- الجيل الفضي - . ولد البرتي في بويرتو دي سانتا مارية في قاديش الاندلسية Cadíz عام 1902 وتوفى فيها عام 1999 . وفي عام 1917 انتقلت عائلته الى مدريد ولم يكمل دراسته الثانوية وكان يحب الحرية وعدم الالتزام بالضوبط التي تفرضها الدراسة .. فقرر ان يتعلم الرسم، وكان اول معرض له اقامه في مكتبة آتنيو في مدريد Atneo ، وفي عام 1920 كانت اول محاولاته لكتابة الشعر . وفي عام 1933 انتمى الى الحزب الشيوعي الاسباني، ولما سقطت الجمهورية على يد فرانكو خرج الى المنفى الى باريس ثم الى الارجنتين . وهناك تعرف على بابلو نيرودا وتعاونا في اخراج مجلة – الحصان الاخضر للشعر – وكان يناضل في اشعاره وكتاباته وهو في المنفى من اجل حرية الشعب الاسباني وخلاصه من الدكتاتورية .

و بعد موت فرانكو عاد البرتي الى اسبانيا عام 1977 وكرم من قبل جامعة قاديش بشهادة دكتوراة شرف كما اعطي لقب ابن الاندلس البار . ترك البرتي عشرات المؤلفات في الشعر والرواية و النثر والمسرح . ومن اعماله – بحار في اليابسة 1925– الحبيبة – 1925.. كما نشر مذكراته تحت عنوان – الشجرة الضائعة – كما اصبح عضوا في البرلمان الاسباني عام 1978 .

وبقى البرتي اندلسيا متوسطيا في كل ما كتبه ونشره، فهو شاعر الشمس والبحر والغناء والموسيقى، وهو ابن الحضارة المتوسطية ويحمل ارث الاندلسيين والايبيريين، دون تناقض ..

و لازالت كتبه واشعارة في ذاكرة الاسبان والانسانية . و تأثر البرتي بشعراء العصر الذهب الاسباني في القرن السابع عشر امثال لوبي دي بيغا و غونغورا في اختيار الشعر الشعبي .

اتذكر في يوم من الايام كان هناك معرضا للحفر في مدريد وكنت واحدا من المشتركين، وقد قدم البرتي لافتتاحه ثم صعد على المنصة ليلقي بعض اشعاره، فوقف ينظر الى الجميع ثم اخرج مشطا واخذ يمشط شعره الابيض الطويل، والحضور في دهشة لهذا المشهد الغير مألوف .. بعد ذلك اخذ يلقي شعره عن بيكاسو . وكان البرتي صديقا حميما لبيكاسو حيث عاش معه فترة طويلة في مقر سكناه جنوب فرنسا في مدينة موخينس Mougines . وهناك تحول المكان الى حركة ندوات ثقافية وفنية .

 2 - غارثيا لوركا / Garcia Lorca

ولد لوركا في فوينتي فاكيروس في غرناطة عام 1898 واعدم عام 1936 من قبل جماعة فرانكو في احد تلال غرناطة . يعتبر لوركا من جيل ال (27) 1927 وهو الجيل الفضي الذي ذكرناه سابقا، ويعده البعض احد ابرز ادباء القرن العشرين . وكان شاعرا وكاتبا مسرحيا ورساما وعازفا على البيانو . كما يعد من رموز الشعر الحديث . في عام 1914 دخل كلية الآدب والفلسفة ولم يكملها ثم ذهب الى مدريد والتحق بالجامعة وايضا لم يستمر فتركها .. وكان يجد نفسه سعيدا في المقاهي ومع الاصدقاء ..، وكان يلتقي بجيله من الشعراء في مقهى تدعى الاميدا Alameda (العلم) وهناك تحدث الحوارات و الدردشات حول الادب والفن والشعر .        كانت اول محاولة له في كتابة النثر عام 1918 فنشر كتابه تحت عنوان – انطباعات ومناظر- impresiónes y paisajes – ثم طبع اول كتاب شعري له يدعى – كتاب الاشعار – عام 1921 . كما كتب بعد ذلك عشرات الكتب في مجال الشعر والقصة والمسرح . ومن كتبه : كانتا خوندو 1921 cante jondo وكتاب- رومانثي خيتانا 1928 romance gitana – ومسرحية -عرس الدم 1933 Boda de sangre.. وقد ترجمت اعماله الشعرية والمسرحية الى اللغات الاخرى ونال شهرة عالمية . وكان لوركا احيانا يرسم على حواشي اشعاره بعض الرسوم التعبيرية، وقد قامت بلدية مدريد في مطلع التسعينات معرضا لهذه الاعمال .

قال فيه البرتي : (كان لوركا يتدفق شحنة من الرقة الكهربائية والفتنة، ويلفت مستمعيه بجو اخاذ من السحر فيأسرهم، حين يتحث او ينشد الشعر او يرتجل مشهدا مسرحيا او يغني او يعزف البيانو ..)

3 - انتونيو غالا –Antonio Gala

 - رئيس اتحاد الادبا الاسبان -

يعتبر انتونيو غالا – 1932 ثيوداد ريال – Antonio Gala واحدا من اهم الاقلام الادبية الاسبانية المعاصرة التي اغنت واثرت الساحة الثقافية الاسبانية . ويعتبره البعض موسوعة تقافية واسعة تنفتح على عالم رحيب يكون فيه الانسان محور محبة وسلام فتزول الحجب ويسعى فيها الفرد لعبور الحدود الى ثقافة الانسان الآخر ... فقد كتب في الرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة والاوبرا والسينارية ودرس الفلسفة والسياسة والقانون والاقتصاد ... .. ويعتبر غالا نفسه اندلسيا . ويصف (حرب الاسترداد) انها حرب اهلية يعني بين الاخوة انفسهم كما هو الحال في الحرب الاهلية الاسبانية عام 1936 -39 . وان العرب ليسوا غزاة (العرب لم يغزوا الاندلس ولم يفتتحوها عسكريا، بل ثقافيا)،، ومن هنا يعلن غالا انتمائه الصريح وجذوره الاندلسية .. ومن رواياته الاخيرة - المخطوط القرمزي – و - الوله التركي - وكان المخطوط القرمزي قد ترجم الى اللغة العربية ونال شهرة كبير ترجمته احد الدور في دمشق .. وقصة المخطوط عجيبة الادوار وهي مدونة عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة وحيث كتب مذكراته على الاوراق القرمزية الخاصة بمملكة بني احمر في غرناطة بعدما نفي واستقر في فاس .. وقد كشفت هذه الاوراق عام 1931 عن طريق معماريين فرنسيين كانوا يدرسون الآثار في مدينة فاس وبالتحديد في جامع القرويين، حيث عثروا في غرفة تقع اسفل الجامع على مكتبة قديمة تحتوي على نفائس المخطوطات والكتب وكان من ضمنها مخطوط مجلد باناقة ورقة جميلة وبلون قرمزي ... المخطوط وصل الى اسبانيا عن طريق احد تاجر الكتب والذي باعه الى احد المكاتب ثم سقط بيد انتونيو غالا .. .. وقد صاغ غالا تلك المذكرات على شكل رواية جميلة ..

و يذكر النقاد بان غالا في روايته هذه اراد ان يعبر عن افلول مملكة غرناطة وبني نصر التي كانت تعبر في نمطيتها العربية والاسلامية في ذلك العصر عن التسامح والتعايش السلمي وفيها غالا يبكي ويتوجع كثيرا على ماضي كان فيه العلم والثقافة والادب عنوان وسمات ذلك المجتمع .. ..

لا اريد الاطالة في التحليل والنقد لان ذلك قد كتب عنه الكثير ولكن اريد ان اعرج قليلا الى تحف التاريخ والذاكرة المعاصرة لحياة غالا ونشاطاته الادبية النفيسة التي فيها كثير من العبر وكثير من الحنين الى الماضي المجيد .. .. خلال تتبعي المتواضع لحياة غالا وجدت ان هناك اشياء ومواقف تستحق ان نقف عليها قليلا .. منها " في مطلع الثمانينات كانت هناك اذاعة راديو في مدينة اشبيلية تسمى بيراتا pirata (القرصان) تبث برنامج ليلي ساهر ثقافي ادبي شعري يدعى el loco de la colina وكان يدير ذلك البرنامج الاديب والمذيع المتألق خسوس كينتيرو Jesus Quintero وكان هذا البرنامج كثير ما يستضيف غالا في حوارات ادبية وشعرية وتاريخة جميلة وحميمة تشم منها احيانا رائحة عطرة ترتخي لها النفوس وتجل ، و تمتد هذه الدردشات الساحرة ساعات في ليل ساكنا حتى مطلع الفجر.. ومن اقوال غالا (اذا ما ضيعت فرح القناعة لكونك حيا فهذا يعني ان الموت الحتمي يتقدم داخل روحك، فالامل يجب ان يدام حتى عتبات الموت او ربما الى ما وراءها ...) بهذا التألق الادبي ينطلق غالا من ثقافة عربية بحته (اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)

و كان غالا يصوغ جملة ببلاغة عالية وسجع وله اسلوب مميز نادرا ما تجده عند غيره من الادباء الاسبان (وقيل حتى غلب غيره من الادباء القدامل كالاديب المعروف كبيدو Quevedo ولوبي دي بيغا Lope de Vega والاخير له نبز اندلسي (Vega البقاع) وهما من ادباء القرن السابع عشر) ففي اسلوبة ابداع وجمال يطبع في الذاكرة ... وبعدما اشتهر البرنامج وصاحبه Jesus في اسبانيا ازدادت الطلبيات على صاحب البرنامج فدعي الى قناة مدريد الاولى وقدم برنامج ثقافي آخر يدعى el pero verde (الكلب الاخضر) حيث كان يلتقي مع الرموز الثقافية و الادبية واهل السينما والمسرح ..                

 ... وفي مشهد آخر من مطلع التسعينات كان غالا يوما من الايام في جامعة مدريد يلقي محاضرة عن الادب والتاريخ . وكنا هناك حاضرين وقد تخلل المحاضرة نقاش وتعليقات منها " ان احد الطلبة قام فقال انا اسباني اوتنتيكو!(اصلي ....) فرد عليه غالا " ان هذه (الاوتنتيكو) جاءت من كاما ريدوندا cama redonda بمعنى انك جئت من خليط الامم والثقافات التي امتزجت وتزاوجت ثم أنجبت هذه اسبانيا المعاصرة ...

و كان غالا يقول (بدون الثقافة العربية والاسلامية لايمكن فهم اسبانيا) كما يقول (ان اللغة الاسبانية تنحدر من لغتين هما اللاتينية والعربية لدرجة تبعث القشعريرة في الجسم) ..

و يقول ايضا في مسألة دخول العرب الى اسبانيا (ان الذي حدث في اسبانيا ليس اكتشافا او استعمارا مثلما هو عليه في امريكا، فالذي حدث يشبه المعجزة التي تبعث على الاعجاب والانبهار اللذان يغشيان المرء بعد كل معجزة ..) .. ويذكر انه قد زار سوريا والقى عدد من المحاضرات في دمشق واستقبل بحرارة وتكريم ..... هذا هو انتيونيو غالا وعطاءه وابداعاته الثقافية ومواقفه الجميلة تجاه العرب

 

د. كاظم شمهود

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم