صحيفة المثقف

أزمة المقروئية.. وضرورة النهوض بها

solayman omayratتبقى للقراءة مكانتها السامية ما بقيت سورة "اقرأ" على مر الزمان والمستقبل، وذلك بالرغم من انتشار القنوات الفضائية التلفزيونية التي تلهي المواطن الكبير والصغير والاستخدام المفرط للحاسوب والابحار المستمر في مواقع الانترنيت كالفايسبوك واستعمال الهاتف النقال في كل لحظة، إلا أنها لا تكون بديلا للقراءة والمطالعة للكتب بأنواعها.

وعليه ما تزال المقروئية عندنا تشغل تفكير شريحة الكتاب والناشرين والمكاتب ودور المطالعة والمدرسة على السواء، وقد شهدنا تدني مستوى المثقفين مهما كان مستواهم الدراسي ولاحظنا أن المتخرج الجامعي لا يتقن كتابة اسم علم متداول بصورة صحيحة، وعليه يطرح كثير من الاختصاصيين في المجال إشكالية أزمة المقروئية، هل هي أزمة وفرة الكتاب أو عزوف القارئ أو مشكل لغتنا واتقانها أم أن العائق يكون في سعر الكتاب وأولية الاستهلاك؟

تعتبر المقروئية ثقافة اجتماعية تنتشر داخل بلد ما لهذا نرى الاحصائيات تتوجه إلى نسبوية كل دولة، ولهذا كان نسبة المقروئية في الجزائر قريبة من العدم، وقد مرت بمراحل كلها ضعف ، منها ازدواجية القراءة بالفرنسية والعربية وكلاهما مفقود عند الجزائري، إذ يستعمل الجرائد سواء للاطلاع أو الترفيه.

أسباب ازدراء الشباب عن القراءة والمطالعة:

1. يعزف الشباب عن القراءة ولو كان ذلك في اختصاصه الدراسي ما لم يكن بحث مدرسي أو جامعي، ومع ذلك فقد أصبح الناشرون لا يهتمون سوى بنشر الكتب شبه المدرسية التي تروض بسرعة، كما أن المكتبات العمومية أصبحت ملجأ للدارسين من مستوى نهائي وجامعيين فقطـ، مع تحويل بعضها إلى أماكن مراجعات، فلا تستقبل إلا قليل لأن كثير من الطلبة صاروا يستنجدون بمواقع الانترنيت لتحميل الدروس والتمارين والبحوث، فهي جد قريبة وسهلة.

2. لا يوجد وقت للقراءة عند التلميذ أو الطالب الثانوي، فالبرامج المدرسية مملوءة مع كثرة الدروس وتكدسها على الطالب، وليس له وقف حتى عند التحضير للفروض والامتحانات.

3. أغلب الشباب من العائلات ذات الدخل الضعيف والمتوسط لذلك فسعر الكتاب في الجزائر يعد مرتفع بالنظر إلى القدرة الشرائية، كون طبعه وتوزيعه مكلف نوع ما للمتعاملين، فالمواطن أصبح يرى دفع قيمة مالية على شراء واشتراك الهاتف والانترنيت من الأوليات عن شراء كتاب مهما كانت حاجته وضروريتها عنده.

4. انتشار المقروئية الالكترونية وهي قراءة جزئية لا تغطي كتاب كاملا أو موضوعا شاملا لذا فهي ليست بديلا عن الكتاب، خاصة وأن مستعمليها متخصصين في الأدب مثلا بوجود نوادي ومنتديات الشعر والقصة وغيرها، لكنها لا تعطي معلومة كاملة والجزء المنشور لا يقرأه المتصفح كليا، لأن هناك سرعة التنقل من كتاب لكتاب ومن موقع لموقع آخر بمجرد الملل من جملة مبهمة.

5. مازال الجزائري مبهورا بالتلفاز الذي يشاهده لوقت طويل من اليل وبالحاسوب الذي يستعمله للترفيه أكثر من الدراسة والانتفاع العلمي، والقليل من الوقت المتبقي يؤديه سواء في المقهى إن كان من روادها أو المسجد إن كان من المحافظين عن صلواته.

6. أصبحت دور النسر تبحث عن الغائب وتخلت عن دورها وأصبحت تستنسخ كتب شبه مدرسية وكتب دينية من المشرق وكتب أخرى لا يقرأها الجزائري، منها الفرنسية التي تخلى عنها الجزائري والانكليزية التي لم يتعود عليها بعد وكتب مشرقية ومصرية بالعربية لا تعبر عن ثقافته فتركها. كما أن النشر لكتاب جزائريين مبدعين في المجال الأدبي بأنواعه تخلى عنهم الناشرون، إذ نرى دور النشر العمومية تتعامل مع أسماء ينتجون لشريحة ضيقة من المجتمع، ومن المبدعين من له مؤلفات لا تزال على رفوفهم في انتظار التفاتة ناشر، لأنهم لا يملكون مالا لطبع كتبهم على كفالتهم.

7. ينعدم الكتاب الديني الجزائري المالكي من المكتبات لقلة اجتهاد علماءها وعدم خوضهم غمار التأليف في مجالي الفقهي والشرعي، وقد انتهى عهد شراء كتب الإمامين الغزالي والقرضاوي، وصار الجزائري يبحث عن شيء خاص به لوحده ويحفظ به دينه ويتعلمه عن يقين.

8.  بسبب غياب ثقافة المقروئية وانتشارها في الجزائر وعدم خلق تنافس بين القراء، غابت المكتبات المنزلية عن المثقفين والعامة، فلم يجد الشاب الصاعد مكتبة عند والده لينتقي منها ما يلهمه، كما نرى ارتفاع نسبة التقاعد في الجزائر بسبب التقاعد المسبق، ونرى القراءة بعد التقاعد ملغاة تماما من قاموس هذه الفئة، سواء المثقفين منهم المدرسين أو الإطارات بالمؤسسات العمومية والإدارية، ما رأينا شيخا يحمل متابا في مقهى أو حديقة عامة أو في الحافلة وغيرها.

9. غياب المجلات المتخصصة في الجزائر وذات نوعية جيدة، سواء اجتماعية أو سياسية أو علمية أو دينية أو أدبية، وأصبح الجزائري لا يملك سوى مجلات بمواضيع رديئة وجرائد تتعامل مع المعلومة والخبر أكثر من اهتمامها باللغة والفكر الناضج أو الوعي الثقافية.

من هنا ينطلق التفكير في اتباع سياسة رشيدة لبعث المقروئية في الجزائر وحبذا لو تكون جهوية، فتعمل كل ولاية على تجربة خاصة بها لدفع تنمية القراءة وترقيتها، والتي تبدأ من نشر دروس القراءة السريعة بالمتوسطات والثانويات، ويبحث الاختصاصيين عن كيفية قراءة العلماء والأدباء وخاصة أساليب القراءة الحديثة، منها البرمجة العصبية اللغوية والتنمية البشرية، كما أن الطرح الفلسفي للقراءة في منهاج الثانوية والجامعة باعتبارها غذاء الروح والعقل، يعطي نفسا جديدا لثقافة المقروئية بين الطلاب ومستقبلا آباء يلقنونها لأبنائهم في سن مسبق، خاصة وأن هذا الطرح يوعي الطالب على أهدافه القراءة المتمثلة في الفهم الواسع لشتى المواضيع، وتقدير المواقف وتحليل شخصيات الأطراف المتحدثة، واكتساب سهولة المناقشة الميدانية في العمل أو الأحداث الثقافية والسياسية، والسماح باستنتاج حلول لكل المشاكل والتعرف على طبائع الناس مسبقا من قراءة الروايات، وتعلم كتابة أسماء وألقاب الأشخاص والشخصيات التي صارت عقدة عند شباب اليوم، وفي النهاية يتعلم القارئ تخطيط التقارير بلغة عربية سلسة وبأسلوب راقي.

 

بقلم: سليمان عميرات 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم