صحيفة المثقف

قراءة في تجربة الإسلاميين في الجزائر

يرى بعض الناقدين للإسلاميين في الجزائر، من أنهم لم يكونوا يفكرون أبدا في الأجيال اللاحقة وهذا مع استثناء أبناء دوائرهم المغلقة والخاصة بهم . ولا هم لا في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل على استعداد للتضحية، وهذا كما فعل غاليلي وديكارت وسبينوزا وسان سيمون لأجل الجزائر وشعبها . وإنما وكما يقول معارضوهم دوما، فهم كانوا يريدون فقط قلب نظام الحكم، وهذا لتحصيل امتيازات يستحوذ عليها غيرهم والوصول إلى منابع الثروة ولا شيء غير هذا .

وهي أحكام على الإسلاميين في الجزائر الرد عليها بالأفعال لا بالأقوال، وعطفا على ما سبق فهناك من يرى بأنهم ككل سياسي تحكمهم ثنائية المغانم والمكاسب، ولهذا فهم يشتركون مع غيرهم في التسابق لأجل المصلحة الذاتية المحضة وإن غلفوها برداء ديني لتكسب المهابة والمصداقية، وليحققوا هم السكينة النفسية لذواتهم، ذلك أن ما يفعلوه  لهو مبرر دينيا . ولهذا فقد خسروا الجولات الانتخابية السابقة، وهذا لكونهم كانوا يريدون أن يجعلوا من الناخبين مجرد جسر للوصول إلى غايتهم المذكورة آنفا .

وربما يكون هذا الأمر هو سبب تفوق الآخر عليهم الآخر، لمَا يمتلكه من تجارب وأوراق جيدة يستطيع توظيفها، ولعل أبرزها هو أنه يمتلك مقاليد التوظيف والمال . وكلنا نعلم بأن البشر وكما يقال مع من يوزع عليهم المال والوظائف والهدايا، وهذه الأمور يتحكم فيها خصومهم، وهذا لتحكمهم في مفاصل الدولة .

كما يرى منتقدوهم بأنهم لا يمتلكون الجرأة على كشف فساد خصومهم السياسيين، وهذا انطلاقا من سياسة النيء بالنفس، وهم هنا يمارسون تقية سياسية هي أقرب إلى الجبن، منها إلى احترام مقتضيات العمل السياسي، هذا إذا لم يكونوا هم جزء من منظومة الفساد التي تنخر في مفاصل الدولة والمجتمع، وهذا عبر المتسلقين الذين يتواجدون بينهم . ولكل ما سبق فالشعب الجزائري لم يعد يرى فيهم مخلصا له من معاناته اليومية، وإنما هم قادم جديد يحل محل القائم القديم .

والأحزاب الإسلامية وكما يقول منتقدوها دوما، ليس لديها شخصية واحدة يمكن الثقة فيها، فأنصار الفيس المحظور مثلا، ما هم إلا أناس سطحيون وغوغائيون وفوضويين، وبائعي أوهام وأحلام، يعادون الفرد والمرأة والمجتمع على حد سواء ويعاندون التاريخ والجغرافيا ويمقتون العلوم والفنون، وجل أنصاره محدودي البضاعة وقصيري النظر والبصيرة . أمّا تيار الإخوان المسلمين، فهو تيار يتوجس منه البعض، وهذا نظرا لارتباطاته الخارجية، وهو عند البعض كما لو كان مؤامرة تحاك ضد الدولة القطرية . ولذلك فمن الصعب الانخراط في مشروعه، وهذا بسبب الضبابية التي تحيط به .

ثم إن الفرصة قد أعطيت لرجاله ولنسائه ولشبابه، أي للتيار الإسلامي، وهذا منذ العام 1990، ولكنهم لم يكونوا سوى النسخة المشوهة لمن هم في السلطة . إذ لم تكن غاياتهم سوى الحسابات البنكية والامتيازات الشخصية، فهم كغيرهم من الطامحين واللاهثين وراء المصالح، يريدون أن يموت غيرهم لأجل أن يعيشوا هم وهذا حسب نقادهم دوما، فهم يقفون على النقيض مع كل من فولتير وديكارت وسان سيمون .

أمّا ما يدعيه الإسلاميون في الجزائر، من أن حل جميع معضلات الجزائر بيدهم، لهو هراء يقول معارضوهم، لأن المشكلة في الجزائر ليست مشكلة أشخاص، وإنما هي مشكلة برامج تستطيع اخراج البلاد من أمراضها المزمنة والتي أسرتها في دائرة التخلف المغلقة . والاسلاميون ما هم إلا جزء من المشكلة وليسوا هم الحل، لأن الكل يفكر بعقلية العالم الثالث، وهم أناس غارقون في لاهوت العصور الوسطى، والذي تجاوزته الفتوحات الفكرية في يومنا هذا، ولهذا فمن المحال أن يكون الترياق الشافي لمعضلات الجزائر بيدهم .

أمّا أحزاب السلطة في الجزائر، فهي لم تنجح لأن هناك غرام وهيام شعبي وجماهيري بها، أو لأن الجماهير البسيطة هاضمة لمشاريعها ومقتنعة بها ومنخرطة فيها . وإنما كل ما في الأمر هو ما قاله غاندي من أن هناك كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن، وكلنا نعلم ما يرجع على الفرد، لما يكون قريبا حول السلطة من منافع يعرفها العام والخاص .

كما أن هناك من ينضم لأحزاب السلطة، ليهرب من سبة الانتماء للتيار الإسلامي، ومن مخلفات العشرية السوداء . وتطهير الذات من شبهة الانتماء إلى التيارات الإسلامية، وخاصة من شبهة الانتماء للتيار السلفي، والذي هو اليوم يعنى الرجعية والتخلف، والبداوة الفجة في أبشع صورها، وبظلم المرأة والسطو على حقوقها والترويج لثقافة القطيع، ولمَا يسمى بفكرة المستبد العادل .

كما أن الإسلاميين وحسب نقادهم دوما ينظرون إلى الماضي فقط، ويريدون جرّ المجتمع إليه وبالقوة . في حين أن الجزائريين عيونهم ترنو إلى المستقبل الواعد، وتطوق ككل شعوب العالم إلى النهل من مباهج الحياة . أي أنها تريد العيش، والاسلاميون يريدون لها أن تموت بقائمة الممنوعات والمحظورات التي وضعوها ليقطعوا عليهم طرق العيش الكريم .

كما أن جل الجزائريين اليوم، عيونهم تنشد أوروبا الغربية وشمال أمريكا، لا منطقة الشرق الأوسط وتخلفها والأمويين والعباسيين والفاطميين، فالكل بالنسبة لهم منظومات فكرية منقرضة وبائدة، ولا هم ينشدون حتى دولة الصحابة . فكلها نماذج لم تعد تغرى بالعيش على منوالها، وهذا من بعد أن شوهها أنصار التيار الإسلامي بجهلهم، وجعلوا منها نماذج معادية للحياة .

كما أن المشكلة في الإسلام السياسي في الجزائر، لهي في ازدواجية الخطاب، فهم مع الديمقراطية ومع حرية التعبير . ولكن وما أن تبرز أصوات تنتقد الإسلام التاريخي، حتى تبعث أصوات التكفير من مرقدها، وتنصّب محاكم التفتيش دواوينها . ويحاكم كل صوت معارض بتهمة التجديف والهرطقة، وهو سلاح حاد يشهر لإسكات كل معارض لهم واقباره . ومن سيجرأ من رجال السياسة على الوقوف إلى جانب معادي للدين، فهو حتما سيحترق معه وبصورة أبدية .

كما أن المعضلة الأخرى مع التيار الإسلامي في الجزائر، وهذا حسب نقاده، هي في كونه تيار يشنع ويضخم أخطاء الطرف الآخر . وفي مقابل هذا فهم قد قدموا أنفسهم على أنهم نموذج الإنسان الفاضل . فإذا بالجزائريين يكتشفون أناس بسطاء وسذج وبعضهم معاق فكريا، كما يمكن القول بأنهم يتميزون بالسطحية في الطرح المعرفي، فالعمامة لا تصنع العالم أو الفقيه بتعبير ابن رشد، وهم أناس يلهثون وراء المناصب ومتعطشون للسلطة لا لخدمة المجتمع، ولهذا فقد حدثت القطيعة بينهم وبين الناخب  وبصورة شبه مطلقة .

كما أنهم ينظرون إلى الجزائري، نظرة الرعية، وليس نظرة المواطن السيد صاحب الواجبات والحقوق، يريدون تبعية عمياء لا مشاركة ندية يقرع فيها المشروع بالمشروع والبقاء للأفضل منهما . ولذلك فهم  إن أرادوا أن ينجحوا، فعليهم أن يتخلصوا من فكرة الرعية، والتي تعني مواطنا قاصرا ومن الدرجة الثانية لصالح فكرة المواطنة وقيمها .

ولهذا فأكثر ما يتخوف منه المواطن الجزائري هو أن يدمر الاسلاميون مفهوم المواطنة، وهذا لكونهم لا يزالون يعيشون في لاهوت العصور الوسطى، ونحن نستخدم هذا المصطلح على علاته . وهذا لكونهم لا يزالون يحلمون بزمن ماض تحول فيهم أسلافهم وكما يقولون، من رعاة إبل إلى رعاة أمم . وهذا هو همهم اليوم، أن يضحوا بفكرة المواطن لصالح فكرة الرعية، لا لشيء سوى لكونهم يعيشون في عصر غير عصرهم، ويدعون امتلاك منظومة قيم صالحة لكل زمان ومكان وفيها سعادة البشرية جمعاء .

كما أن الناخبين يتخوفون من القضاء على التنوع داخل المجتمع الجزائري، كما أنهم خائفون على حرياتهم الشخصية من أن يفقدوها، وهذا متى وصل الإسلاميون إلى السلطة في الجزائر . ولعل أكبر فئة متضررة من وصول الإسلاميين إلى السلطة لهي الفئة المثقفة والنخبة المنتجة للثقافة . وهذا الخوف  لهو خوف مبرر، فالمثقف من طبعه التمرد، وله فلسفته الخاصة في الحياة . وهو على عكس الإنسان العادي، فهو صعب الترويض، حتى أنه مستعد للموت في سبيل معتقداته . مستعد لأن يعانق الفقر والحرمان، كما هو حال سان سيمون، والتشرد كما هو حال ديكارت، والاقصاء والنبذ كما هو الحال مع سبينوزا لأجل أفكاره . ولهذا فهو حتما سيدخل في صراع مع السلطة الدينية، والتي لا يروق لها إلا من اصطف ضمن القطيع . ولن يجد المثقف أمامه، ومتى وصل الإسلاميون إلى السلطة في الجزائر، سوي حياة المنفى أو التشرد أو السجن . والقارئ المعرب وكما يقول الروائي، أمين الزاوى يمارس دور الرقيب الديني، فما بالك بالإسلامي المؤدلج، إن هو وصل إلى السلطة، فماذا سيفعل بالمثقف الناقد لمشروعه، والثائر عليه والكاشف لزيوفه .

أما تشنيعهم على العلمانيين، فقد تجاوزه الزمن، وإلا أين نجد الأمانة والصدق واحترام حقوق الإنسان، أفي المجتمعات الغربية التي يكفرونها ويلعنونها؟ أم بين الحكومات الإسلامية التي هي نموذج لهم؟ . لا يمكن لهم أن يفصلوا أنفسهم عن بقية أبناء المجتمع الجزائري فهم جزء من معضلته، وليسوا أبدا الحل . وما مناداتهم بشعار الإسلام هو الحل، فما هو إلا ردة فعل منهم على عدم القدرة على مجاراة هذا الصرح الحضاري والعلمي المعجز، والذي يخطف الأنظار والذي أقامه الغرب وتوابعه في أسيا .

ولهذا فهم لم يستطيعوا أن يقنعوا غيرهم بفكرة التماهي معهم والسير في مشروعهم، والانخراط فيه، ولا تقديم برنامج بديل . ولهذا فقد عادوا إلى الماضي، علهم يجدون فيه حلا لورطتهم، ونسوا بأن الماضي لهو استجابة لتحدي لمَا هو ابن عصره، وتحدي الماضي لم يعد تحدي اليوم، كما أنه استجابة لظروف لم تعد ظروفنا . ذلك أن اللحظة التاريخية ليست هي نفسها، ولهذا فما داموا يرفضون الحداثة، فسوف يبقون خارج أسوار التاريخ، ولن يكونوا رافدا من روافد الحضارة الإنسانية أبدا، وهذا كما يقول معارضوهم .

كما يؤاخذهم منتقدوهم دوما، من أنهم لا يحرصون على سمعتهم الشخصية، بقدر ما يحرصون على الولائم و " الزرد " بتعبير الجزائريين، ولذلك وكما يقال فمن انتفخت بطنه فلا فائدة ترجى منه، ومن كانت قبلته الملاعق لا المحابر، فلا خير يرجى منه لا لنفسه ولا لغيره، وهذا هو حال جل أنصار التيار الإسلامي في الجزائر إن كنا نرفض ممارسة التعميم في حقهم كما يفعل خصومهم .

ولكل ما سبق فالجزائري اليوم لم يعد مطمئنا للإسلاميين، ولا يمكن له أن يأتمنهم . فهم كغيرهم بإمكانهم سرقته وسرقة قوت أطفاله ومستقبلهم أيضا، لصالح أبناء تيارهم، تحت حجة أن الأقربين أولى بالمعروف . والسفسطة الجوفاء وتأويل المقدس، وفق ما يخدم مصالحهم . أما ادعاؤهم تنوير الشعب، فهي خدعة لأن ما يخدم مصالحهم لهو مجتمع جاهل يتحكمون فيه، كما كانت تفعل الكنيسة في العصور الوسطى، وهذا للتغطية على فشلهم عبر الاستقواء بالغوغاء، وإلهاء المجتمع بمعارك هامشية بعيدا عن المعارك الحقيقية، معارك التنوير وبناء دولة مدنية حديثة .

أمّا ما كان ينادى به بعضهم في تسعينيات القرن الماضي، فقد تجاوزه الزمن، وبعضهم ارتكب خطيئة كبرى لا ولن تغتفر وذلك حينما رفع السلاح في وجه إخوانه وقتلهم . فكيف يمكن له اليوم الحديث باسم الجزائريين؟ وهو من قتلهم بالأمس؟ أو التباكي على مصالحهم، فما فعله لا يختلف عن جرائم داعش وبوكو حرام مطلقا . ونحن هنا لا نتحدث بلسان حالنا، ولا نحن نقصد الإسلام الحنيف أبدا، وإنما المقصود لهي القراءات الشاذة للمقدس .

كما أن المشكلة الأخرى للإسلاميين في الجزائر، لهي في كونهم كانوا يقتاتون من الدعاية الكاذبة والمظللة، والتي مفادها بأن الغرب كافر . ولذلك فإنه يتوجب على الكل معاداته، وهي فكرة مدمرة، وخطيئة يجب التوبة منها . وهم هنا يمارسون دعاية رخيصة، تقفز على الحقائق غايتها إرضاء الغوغاء لا توخي العلمية والأحكام الموضوعية . فاليوم ليس هناك دار كفر ودار إسلام، وهذا من بعد أن أصبح العالم كله قرية كونية واحدة، ولم تعد تحكمه الحدود الجغرافية كما كان الحال في العصور الوسطى . وهذه الدعاية يمكن أن تؤثر في المراهقين، ممن لا يمتلكون حصانة فكرية كافية، ولكن ما أن يشتد عودهم حتى يكتشفوا زيوفهم ، فيغادرونها ومن دون رجعة، وغير آسفين على ما سرقوه من أعمارهم، فالحياة أمامهم لا خلفهم .

والمؤسف حقا هو أن بعض الإسلاميين في الجزائر، يمارسون تعالى زائف عن المجتمع فهم الفرقة الناجية، وخير أمة أخرجت للناس، وباقي الجزائريين رعاع وأوباش . وهم ملوثون بأفكار الغرب الكافر، ولهذا فهم مقصيون بالفطرة من مدينتهم، ولا يحتاجونهم إلا في المواعيد الانتخابية كأرقام، وبعدها فمصيرهم سلة المهملات، ولهذا فهم لا يعبؤون بترقيتهم لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا ثقافيا خوفا منهم، ونسوا بأن العالم تجاوزهم بوسائل اتصالاته الحديثة والتي جعلت الجزائري يشب عن الطوق ويحطم الأغلال التي أرادوا تكبيله بها .

والشباب الجزائري ككل شباب العالم، لم تعد تهمه الوعود الأخروية كثيرا، بل هم كغيرهم من شباب باقي العالم، يريد الواحد منهم المسكن والعمل والزوجة والأولاد ودفئ العائلة . لا أحد من الجزائريين يكفر بالوعود الأخروية أو يكذبها، ولكن عيونهم على نصيبهم من الدنيا الذي سرق منهم . فماذا فعل الإسلاميون لتحقيق أحلامهم وآمالهم وهم من يغرقون في البحار، ويتشردون خارج الوطن، لأجل البحث عن حياة كريمة لم يجدوها في وطنهم .

ولهذا يجب عليهم أن يسألوا أنفسهم، حول ما إذا كانوا هم حقا نموذج الإنسان أو المواطن الصالح، والذى دعا إليه فولتير، والذي كل همه تحقيق السعادة لمن هم من حوله ولا شيء غير هذا؟ .

المشكلة الأخرى عند الإسلاميين عموما هي اعتقادهم، بأنه من حقهم أن يحكموا هم دون سواهم البلاد والعباد . وهذا لكونهم يحوزون على الشرعية الإلهية لحكم الناس، فهذا حقهم المقدس، وعلى الناس الانصياع لهم . فهم ممثلو الله في الأرض، والناطقون باسمه وبصورة حصرية، حتي وإن لم يقولوا ذلك تقية . وهذ ما يجعلهم يتعالون عن بقية مواطنيهم، وكأنهم طبقة البراهما المقدسة، وغيرهم طبقة المنبوذين .

كما أن الإسلاميين في الجزائر وحسب نقادهم دوما، قد سطحوا كل شيء، وأقبروا كل ما هو جميل . فلا اهتمامات علمية لأبناء هذا التيار، فما بالك بالفنون وبمختلف أنواعها فهي رجس من عمل الشيطان كما يدّعون . ونفس الحال مع الأدب شعرا كان أو رواية، فهي حسبهم علوم لا تنفع . وإنما كل بضاعتهم عذاب القبر والثعبان الأقرع، وكأن الله عذاب، ونسوا بأن الله رحمة ورحمته سبقت غضبه وعذابه . وهمشوا كتب الآداب العالمية الراقية لصالح كتب تخصى العقول وتصيبها بإعاقة العقم الأبدية . وهم هنا يختزلون الانسان في المأكل والمشرب، وكأنه حيوان، ونسوا بأن عظمة الحضارة الإسلامية تكمن في الجاحظ وإخوان الصفاء وابن رشد وابن الصائغ وابن طفيل وابن سينا والتوحيدي وابن مسرة وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم هنا، وكل هذه النماذج يعاديها أبناء التيار الإسلامي في الجزائر عن جهل، وعن سبق إصرار وترصد يقول منتقدوهم .

إن السيد مقري ممثل تيار الإخوان المسلمين في الجزائر، قد كان أكثر شجاعة من زميله السيد مناصرة، وهذا عندما أقرّ بأن سبب فشل الإسلاميين في الانتخابات البلدية الأخيرة . يعود إلى تهور البعض منهم، وكان الأصح أن يقول إلى ممارسة البعض منهم الاجرام في حق شعبهم خلال العشرية السوداء . وهو أمر لا يكاد المرء يصدقه، فكيف لمسلم أن يقتل مسلما مثله؟ ونحن نعلم بأن قتل أي نفس حرام ومهما كانت ديانة وملة صاحبها؟ هذا حط أحمر لا يمكن تجاوزه أبدا، وأي مبرر فهو مرفوض . وإرهابهم هذا هو من خلق بينهم وبين الجزائريين خندقا، لا يمكن ردمه أبدا .

أمّا تغني السيد مناصرة، بالوحدة بين حركة التغيير وحركة مجتمع السلم، فهذا الأمر يحسب لغير صالحهم وليس العكس أبدا . فما هي إلا وحدة فرضتها عليهم الظروف فرضا، ولم تأت من قناعات أبدا . ذلك أن كل واحد منهم، كان يدعي بأنه هو الوريث الشرعي لخط الراحل السيد نحناح . وفي كلامه هذا طعن صريح في الطرف الآخر، إن لم يكن فيه تخوين له . ولمّا صفعهم الصندوق، وتآكلت شعبيتهم، ولم يجد كل منهما مخرجا من ورطته هذه، وهنا فقط توجهوا صوب المصالحة البراغماتية، عله بها ينقذ ما يمكن إنقاذه .

ويعيد عجلة التاريخ للخلف، ولهذا فما قاله السيد كريم بن يونس رئيس الحركة الشعبية لفيه الكثير من الصواب، وهذا عندما تحدث عن نهاية الإسلام السياسي في الجزائر . فالرجل لم يجانب الحقيقة أبدا . وهذا لكون التيار الإسلامي وحسب بعض الملاحظين، فهو كبراقش من جنى على نفسه، فهو من قدّم ذاته على أنه معسكر النزاهة و الحكم الراشد، فإذا بالناخب الجزائري أمام رجل سياسي، تتقلص المسافة بينه وبين من يشنع عليهم، فكلهم سواء في بحر الفساد . مع تحفظنا على هذا المصطلح، فلا فرق بين إسلامي وعلماني، فكل منهما أصبح يتحدث نفس اللغة ويأتي نفس الممارسات على أرض الواقع .

ولهذا فلم يعد الإسلامي في الجزائر يمتلك شيئا يزايد به على العلماني، أو على خصومهم السياسيين . ولئن اصطف الإسلاميون في مواقع المعارضة، فهي حيلة منهم للبحث عن عذرية جديدة توصلهم لمراكز صنع القرار . ولهذا فالكلام والشعارات لم تعد تقنع الجزائريين، ولقد انتهت مدة صلاحيتها وإلى الأبد . أمّا الإسلام فلم يعد حكرا على أحد في الجزائر، فحتى الأحزاب العلمانية تستنجد به وتوظفه عن قناعة أو لمدارة الناخب والاحتيال عليه، وهذا من بعد أن تأكدت من عدم جدوى مناصبته العداء، وأصبحت تتودد للناخبين، وهذا عبر ترشيح محجبات وترديد نفس خطاب أبناء التيار الإسلامي، ونفس الأمر في القضايا الحساسة، كالقضية الفلسطينية مثلا .

 

خلف الله سمير بن امهيدي - الطارف الجزائر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم