صحيفة المثقف

ترشيد السياسة الاستثمارية الرياضية.. ملاعب كبيرة لا تفي

solayman omayratمع كبر ملاعب كرة القدم والقاعات الرياضية وانتشارها في كل البلديات والولايات، عجزت الجزائر عن احتضان كأس إفريقيا للأمم سنة 2017، ظننا أن الأمر سياسي وأن الجزائر ليس لديها نفوذ تدعمها في الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، ولو كان كذلك لأمكن الجزائر التي قدمت امتيازات كبرى لدول إفريقيا الفقيرة والتي تعيش أزمات اقتصادية، ومنها العفو عن ديون لخمسة عشرة دولة، وقلنا ماذا يفعل رئيس اتحادية كرة القدم، فهو عضو بالكونفدرالية حينها، ثم علمنا أن الجزائر تفتقد لمرافق رياضية ولواحقها تمكنها من تنظيم كأس إفريقيا للأمم وأن كل الدول الإفريقية التي احتضنته لها أفضلية على الجزائر، وهذا أمر مؤسف جدًا، إذ كنا نرى أنفسنا في أسبقية عن الدول الإفريقية أو قل أغلبها، لكن هيهات، ومع ذلك سوف أطرح المشكلة التي أراها جوهرية في تخلفنا رياضيا وفي كل المنافسات القارية والدولية، رغم الإمكانيات المتوفرة، لكن هل حقا نتوفر على امكانيات رياضية هائلة؟.

تستحوذ الجزائر على ملاعب كرة القدم كبيرة تكثر في ولايات وتقل في أخرى، مثل ملعب 5 جويلية بالعاصمة الذي يستقبل 80 ألف مشجع، وملعب تشاكر بالبليدة 35 ألف وملعب وهران 40 ألف وملعب سطيف الجديد 50 ألف والمركب الرياضي بقسنطينة 50 ألف وملعب خالف بتيزي وزو 50 ألف وغيرها من عنابة وسكيكدة وجيجل وسيدي بلعباس وتلمسان، ومن المدن من عندها ملعب واحد ومنها ملعبين فأكثر مثل الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، ويمكن وصفها بملاعب كبير أي يستقبل الملعب أكثر من 30 ألف مشجع، ومثل ذلك في عنابة التي ليس لها فريق في الدرجة الأولى حاليا ومع ذلك عندها ملعب 19 ماي الذي يتسع ل58 ألف مشجع وملعب العقيد شابو يستقبل 10 آلاف مشجع إلى جانب ملعب الحجار وملعب برحال.

كما نرى قاعات رياضية كبرى منها بحي الصفصاف وقاعة بحي المقاومة ومسبح 19 ماي لكنهم لا يستجيبون للشروط والمعايير الأولمبية، لذا استخلصت تسمية شبه أولمبية بسبب خطأ فني في الدراسة لنقص مترين عن المعايير في قاعة حي المقاومة، وكذلك القاعات الجديدة الصغيرة والمكلفة فنراها لا تستقطب الشباب إلا القليل وغابت الرياضات الجماعية مثل كرة السلة وكرة الطائرة وكرة اليد واستقطاب الفئة المعوقة بهذه القاعات، بسبب طريقة تسييرها، كما نرى ظاهرة جديدة في إيجار الملاعب الجوارية كملعب الحجار وأصبح الشباب يدفعون من أجل لعب مباراة ودية أو القيام بتدريبات أو مختلف الرياضات الفردية.

تغيب الجودة وتفتقدها الملاعب الوطنية الكبرى، كونها قديمة لم تنشأ مع الجيل الثالث أو الرابع لأرضية الملاعب، وعندما حاولت مديريات الشباب والرياضة ترميم الملاعب وتغطية الأرضية بعشب اصطناعي أم طبيعي أصبحت ملاعبنا في كارثة كبرى، خاصة أرضيتها المهترئة بسبب التربة غير الملائمة وغير قابلة لاحتضان مباريات محلية  أو دولية، كما هو الشأن بملعب 5 جويلية التي هدرت عليه أموال كثيرة تكفي لبناء ملعب جديد بكل المعايير الحديثة، ولهذا كان من بين قرارات مديريات الشباب والرياضة عدم تدريب الفرق فوق ميدانها كي لا يفسد عشبها ، وتخصيص الملعب لإجراء المباريات الرسمية.

وعليه أصبحنا نرى ملاعب شبه خاوية ولا يمكن أن نثق بها من أجل احتضان منافسة قارية أو دولية، وقد رأينا في بعض المباريات الودية بساط عشبي رديء، وأن أمر الملاعب القديمة يتعدى حلوله إمكانيات وزارة الشباب والرياضة سواء تقنيا أم تكلفتها المالية، ما لم يكن ملعب استراتيجي مثل ملعب 5 جويلية.

تملك الولايات الكثير من الملاعب الجوارية وملاحق الملاعب وقاعات الرياضة، وقد نرى ذلك على سبيل المثال في عنابة التي بها كثير من الملاعب الرياضية التي قد تصل إلى ملعب جواري  Maticoفي كل حي تقريبا،   وقاعات الرياضة الصغيرة أصبحت لا تستقطب الرياضيين ذوي الكفاءات العالية حيث تستعمل في بلدية ما لرياضة الجيدو وأمثاله، وتشهد بلدية عنابة اكتظاظ على القاعات، وليس ذلك سوى لعدم ترشيد برمجة المشاريع مسبقا والبحث الجاد عن أماكن تستقبل مركب رياضي كبير به قاعات متعددة النشاطات الرياضية وبالأخص الجماعية منها وملاعب جوارية للناشئين وملاحق ملعب كرة القدم للتدريب والتكوين، وقد أصبحت المواصلات العمومية والخاصة متوفرة، لهذا فإن بعد الملعب لم يعد عائقا، وأن رغبة التنافس والتكوين تكون مع الكثرة لا القلة، فالقاعات اليوم تسيّر دون رقابة كمية أو نوعية أو محاسبة.

 ونشرت إحدى صحفنا المحلية منذ أيام، أن ولاية عنابة ستقوم بإنشاء حوالي مئة ملعب جواري سواء في الاحياء الجديدة أو القديمة، فالبرمجة لا تكون مدروسة حسب قابلية الحي أو سكان البلدية وميولهم إلى رياضة معينة، وإنما تبرمج المرافق العمومية حسب نسبة السكان في الحي، بالإضافة إلى أن هناك ستة ملاعب ضخمة منحت لشركة صينية لإنشائها في العاصمة ووهران وقسنطينة وباتنة وسطيف، إلا أن هذه القرارات غير صائبة وكأننا لم نأخذ دروسا من ماضينا، ماذا نفعل بملعب دولي ضخم ونحن لا نملك إمكانيات بشرية ولا مادية لتسييره وترميمه مستقبلا ولا نملك مرافق المبيت والتطعيم في حالة احتضان تظاهرة دولية، وإنما سبقنا الأفارقة بملاعب تكفي لتنظيم كأس إفريقيا التي لا تزيد عن ثلاثين ألف مشجع وأحيانا عشرة آلاف فقط أو تنظيم الألعاب الإفريقية أو ألعاب البحر المتوسط أو الألعاب العربية، فإن رشدنا مشاريعنا وقسمنا التكاليف بين الملاعب والمرافق المكملة لها، فقد ننجز ملاعب متوسطة الحجم بمعايير دولية خاصة الميدان، وما بقي يمون لبناء فنادق ومرافق لهذه التظاهرات وتستعمل في أمور السياحة والصناعات التقليدية والرياضات الفردية لفئات غير تنافسية وإنما رياضات ترفيهية، لذا وجب على الهيئات المعنية في الجزائر أو كل الدول العربية خاصة غير البترولية ترشيد كل مشروع استثماري مهما كان نوعه وعدم التسرع في اتخاذ القرار لمشاريع في انجاز ضخمة بسبب المركز "الوهمي" العالمي الكبير أو في تصغير المشروع بسبب قلة الميزانية أو عدم قدرة وخبرة مكتب الدراسات على الدراسة مشروع بكل المعايير الدولية ويكون في مستوى إمكانيات الدولة دون تبذير أو شح في الميزانية، فإذا صرفنا فلنصرف كفاية على قدر الانجاز، مثلا عوض انشاء ملعب كرة قدم فخم وضخم التكاليف نتوجه بنفس الميزانية لبناء مركب رياضي به ملعب كبير نوعيا مع مرافق جوارية وقاعات رياضية تكون بمقاييس أولمبية.

 

بقلم سليمان عميرات

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم