صحيفة المثقف

من اقطاب الفن العراقي المعاصر (30): سعد الكعبي

khadom shamhod2سعد الكعبي من الفنانين العراقيين المميزين في اسلوبهم وتقنياتهم ورؤآهم الفكرية، وقد خاض جولات عديدة في التنقل بين اساليب الفن الحديث بحثا عن الخصوصية في العمل، وايجاد فن ملتزم غني معبر ينفرد به . وكانت اعماله وطموحاته وافكاره الواسعة تشير الى تمرده على التقاليد الفنية القديمة واعلان احتجاجته على الموروث الثقافي والتقاليد البالية والرديئة . وقد عالج ذلك بتعبيرية تجريدية عالية ورمزية وشاعرية ساحرة .. وبالتالي يمكن القول ان سعد هو من القلة القليلة جدا من الفنانين العراقيين الذين تشير اعمالهم اليهم دون النظر الى توقيع اللوحة، وذلك بحكم تفردها وفنارها العالي الذي يتلئلئ ضياءا.. ولسعد الكعبي باع طويل في الفن والتجارب وتراكم الخبرة والابداع وصياغة العمل الفني، مما يعده البعض في الصف الاول في الفن العراقي المعاصر ...  

البدايات:

ولد سعد في النجف الاشرف عام 1937 والتحق في معهد الفنون الجميلة عام 1957حيث درس على يدي الرواد منهم شاكر حسن وجواد سليم، وبعد تخرجه من المعهد اخذ يدرس مادة الفن في المدارس الثانوية في العراق ثم سافر الى السعودية ودرس في معهد التربية الفنية . كان احد اعضاء جماعة الانطباعيين التي اسسها الفنان حافظ الدروبي عام 1953 . وشارك في جميع معارضها كما شارك في معارض جمعية الفنانين العراقيين .  وفي عام 2006 استقر في الاردن، ثم غادرها الى الولايات المتحدة عام 2008 .. اقام اكثر من عشرة معارض شخصية داخل وخارج العراق وكان آخرها عام 2010 في كالري الاورفلي في الاردن تحت عنوان – حوار الذاكرة – عرض فيه اكثر من عشرين لوحة ..

التقنية والاسلوب:

كانت بدايات سعد الفنية في الخمسينات والستينات مع الاسلوب الانطباعي في مناظره ومواضيعه الاجتماعية حيث ينطلق من الريف والمناخ العراقي وتقاليده . ويمكن ان نشاهد في بعض اعماله الاولية حرية في اللون والتخطيط وحركة الفرشة وتعبيرية كبيرة والوان صارخة، تذكرنا باعمال الفنان النرويجي ادوار مونخ 1863 – ومن اعماله القديمة امراة تحمل طفلا لها عين واسعة جدا تأخذ ربع مساحة الوجة تذكرنا بشكل عيون المنحوتات السومرية التي تأخذ شكل امامي رغم ان الوجه مرسوم جانبي . كما قدم لوحات اخرى عن الصيادين والفلاحين وعن خيام البدو في الصحراء وغيرها.. ثم اخذ سعد يتدرج في اسلوبه ويخرج من الواقعية التعبيرية الى التعبيرية التجريدية حيث اعتمد على التبسيط والاختزال في الاشكال والالوان وقد ابتعد عن الرواية الواقعية والتجأ الى الرمز والتغييم اللوني في جو رومانسي، بينما نجد الخط يشكل عنصرا اساسيا في الحركة وكذلك في ربط عناصر اللوحة بعضها الى بعض، كما هو عند ماتيس 1869 حيث استخدم الخط كاساس في ربط الالوان المتنافرة والاشكال المسطحة ..

وكان سعد يعمل بعقلية هندسية كاملة في مسألة التكوين والانشاء والشفافية اللونية ويحاول اعطاء عناصر اللوح انسجاما وايقاعا مميزا ونغمة موسيقية شاعرية تستوقف المتلقي او المشاهد ليتأمل في مغزى ورموز تلك الاشكال .. ولم يكن سعد في ذلك العمل ينطلق ليطرح تقريرا وثائقيا سطحيا وانما مضمونا دفينا خارج من اعماق الوجدان .. ولكن سعد مهما تغرب عن الواقعية فان الشكل الشخوصي يبقى ماثلا وظاهرا في كل اعماله وقد اكد سعد في معرضه عام 2010 في الاورفلي في الاردن ان الانسان كان ولازال جوهر العمل الفني في لوحاته .

يرسم سعد عادة الانسان براس واكتاف عريضة خالية من التفاصيل وكأنه يرسم خيال الانسان او ظله واحيانا نرى خيال خلف خيال تذكرنا بعملية الرسوم المتحركة في صناعة افلام كارتون هذه الخيالات محددة بخطوط خارجية يتكي عليها الفنان في التعبير عن مضمون اللوحة .. هذه الاشكال الرمزية تنسجم مع خلفية مملوءة بالرموز الهندسية والتراثية القادمة من اعماق التاريخ العراقي من سومرية واسلامية .

و قد لفت نظري شكل الرأس او خياله الغامض المبهم والذي لا نرى له اي هوية او تفاصيل فتذكرت اعمال الفنان الايطالي السريالي - جورجيو دي شيريكو 1888- الذي كان يستخدم في اعماله الفنية دمية تستخدم في عرض الازياء ولازالت الى اليوم تستخدم في المحلات التجارية. هذه الدمية هي عبارة عن شكل بيضوي معمول من الخشب او مادة اخرى يمثل رأس الانسان بدون تفاصيل، وتسمى في  الاسباني المانيكا maniquei..

من جانب آخر كانت حركة شاكر حسن آل سعيد في استلهام الحرف العربي في مطلع السبعينات في العمل الفني قد اخذت طريقها الى اعمال سعد الكعبي حيث استخدم الكتابة والحرف ووجد فيها ينبوعا رائعا ينسجم مع فنه وتطلعاته للتجديد . حيث ظهرت هذه الخطوط على شكل افاريز او دوائر كما هي موجودة وظاهرة في المساجد وكانت مليئة بالزخارف المتنوعةو الجميلة وكان يهدف بها الفنان الى اعطاء عمله الفني نوع من الغنائية والصبغة التراثية ..

جدارية سعد الكعبي:

كلف سعد بعمل جدارية في فندق بابل في بغداد عام 1986 . وقد عملها باسلوب تجريدي تعبيري وقد هندس لهذا العمل بعقل واعي في مسألة توزيع الكتل والاشكال والفضائأت والفراغات، وقد حورت الاشكال واختزلت حسب رؤية الفنان واعتقاده بانها ستوصل رسالته الى المتلقي او على الاقل التمتع بحسن جمالها . وقد استخدم سعد مواد مختلفة واعطى للعمل ملمسا او بروزا خشنا وذلك لتعميق الفكرة وتعبيرية العمل..

حضرت له عدة محاضرات في جمعية الفنانين العراقيين في مطلع السبعينات في بغداد  وكان يشرح عن اعماله وموجة الفن الحديث وعن تجاربه ومشاهداته في الخارج كما كان يعرض عدد من الاسلايدات عن الفن العالمي والتعليق عليها ... . .. تحياتي

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم