صحيفة المثقف

من وحي مشروع حُلْم اليقظة: كيان شيعي مستقل للوسط والجنوب

الكثير من سكان العراق اليوم ولدوا من آباء وأجداد نزحوا إلى العراق منذ عشرات ومئات السنين من بلدان مجاورة وبعيدة وسكنوا فيه إلى جانب سكانه، المواطنين الأصليين. هؤلاء الآباء وأولئك الأجداد هم ناس مستوطنين للعراق وليسوا مواطنين من أصل البلاد. سكان العراق، المواطنين الأصليين هم الذين تمتد جذورهم عميقا في أرض العراق وتاريخه. أما آباء وأجداد الكثير من العراقيين سكان العراق اليوم فقد كانوا خليطا غير متجانس من قوميات وأصول وعنصريات وأديان وطوائف ومذاهب وفي مقدمتها الشيعية والسنية. كلهم سكنوا العراق منذ عشرات ومئات السنين بسبب الغزو المتبادل للعراق بين الفرس والعثمانيين في الأعوام 1509 إلى 1639م عندما احتله العثمانيون أخيرا، وتخلف الكثير من الجنود الفرس (الإيرانيين اليوم) والجنود العثمانيين (الأتراك اليوم،) وخاصة الجنود الإيرانيين بسبب وجود المراقد الشيعية المقدسة في كربلاء والنجف وسامراء، عن العودة إلى بلدهم بعد انسحاب الجيش الفارسي أو العثماني في كل مرة يحتل احدهما العراق ويطرد الثاني. وتزوج أولئك الجنود وغيرهم من البلدين من نساء عراقيات من الشيعة والسنة، وخاصة من الشيعة، وتناسلوا وأنجبوا الأبناء الذين بدورهم تزوجوا وتناسلوا وأنجبوا الأبناء على مدى عشرات ومئات السنين..! وبقي العراق تحت الحكم العثماني حتى عام 1917 عندما احتله الإنكليز بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى 1914/1918. الكثير من مستوطني العراق هؤلاء جذورهم ليست عميقة في أرض العراق، وهم بين فارسي (إيراني) وعثماني (تركي) وهندي وباكستاني وأفغاني وبريطاني. .. هذا هو جانب من تاريخ العراق الاجتماعي باختصار والذي يعود إلى أكثر من 600 سنة إلى اليوم. .. ولا نريد أن نتعمق كثيرا في هذا التاريخ الاجتماعي والسياسي أيضا..

.. ولهذا السبب فإن الكثير، من العراقيين الشيعة من أصول إيرانية الذين استوطنوا العراق منذ عشرات ومئات السنين بسبب ما ذُكِر أعلاه ادعوا بالأمس، في زمن النظام البعثي السابق الذي أثار فتنة (التبعية) وخص بها العراقيين من أصول إيرانية من بين كل التبعيات الأجنبية في العراق لأغراض عنصرية وطائفية خلال حربه مع إيران 1980-1988.. ويدعون اليوم، إذا ما أُثيرت مسألة الأصول والعروق، أنهم بغداديون أصليون أو عراقيون أصليون أو عرب أصليون، أو يتلقبون بلقب عائلة بغدادية أصلية قديمة أو يتلقبون بلقب قبيلة أو عشيرة عراقية أو عربية قديمة .. كل ذلك من أجل التغطية على أصولهم العرقية والتي لا يعرفون لا هم ولا آباؤهم حقيقتها البعيدة في عمق التاريخ. ومعرفة الأصل ليس عيبا أو سَّبة عند أكثر شعوب العالم إن لم يكن جميعها لأنهم لا يهتمون بها ولكنهم لا يترددون في بيان أصلهم متفاخرين به وهم يعيشون في بلد آخر هاجروا إليه وتجنسوا بجنسيته بعد أن تركوا بلدهم الأصلي. ولكن هنا في العراق يختلف الأمر كثيرا والفضل في ذلك يعود للبعثيين الذين أوجدوا (فتنة) التبعية الإيرانية ..! ولا نريد أن نستطرد في هذا التعريج لأنه موضوعه طويل ومعقد حتى لا نشيط ولا نشتط في الكلام .. ونعود إلى كلامنا الأول .. فالعراقي، إذا أراد هو أو طُلِبَ منه، لا يستطيع اليوم أن يتتبع ويعرف ويُرجِع أصله، حسبه ونسبه، إلى آباء وأجداد بعيدون في التاريخ. وأنتَ إذا سألت أكثر العراقيين اليوم عن أصل وحسب ونسب أي واحد منهم لا يستطيع أن يعرف سوى أسم جده الثاني أو الثالث على أكثر تقدير، إذا كان مهتما بالموضوع طبعا، وبعدها تجده لا يعرف من أين جاء في الأصل وما هو حسبه ولا نسبه، هل هو فارسي (إيراني،) عثماني (تركي،) أم هندي، باكستاني، أفغاني، بريطاني ..؟!

.. واليوم، يأتي من يريد أن يتبنى قضية تخص شيعة العراق ويسميها (قضية شيعة منطقة العراق،) جمع شروطها بـــــ 20 نقطة يهدف بها إلى تأسيس كيان سياسي مستقل جغرافيا، اقتصاديا وإداريا لتوحيد شيعة العراق في الوسط والجنوب.. ما يهمني من هذا المشروع سواء كان واقعيا أو خياليا، حسن الغاية أو سيء الغاية ..، هو ما يتعلق بالنقطة 12 من النقاط الــــــ 20 التي اشترطها رافع راية الكيان الشيعي المستقل. هذه النقطة 12 تشترط وضع مادة في (دستور الكيان الشيعي العراقي) المقترح تؤكد أن العراقي هو( كل من ولد من أبويين عراقيين بالجنسية والأصل والولادة أو من أب عراقي الجنسية والأصل،) يعني الشيعي العراقي اليوم إذا كان والده غير عراقي الأصل ولم يولد في العراق بل جاء إليه مهاجرا وتجنس بجنسيته وأنجب أولادا فلا يُقبل لا هو ولا أولاده في الكيان الشيعي المستقل في الوسط والجنوب! تخيلوا وتصوروا!!

.. لا أنوي الدخول في مبارزة كلامية مع (مؤسس) هذا المشروع الذي لا أريد وصفه بأي صفة، لا طائفية ولا مذهبية ولا عنصرية ولا قومية ولا علمانية ولا (براغماتية).. ولا أتهمه أنه من بقايا حزب مندثر يرفع أيتامه رؤوسهم هذه الأيام، يريدون العودة بشتى المسميات والعناوين، إلى مسرح السياسة الجديد بعد سقوطهم في نيسان 2003! ولكني أريد من مؤسس هذا المشروع أن يثبت لي، (وللقراء أيضا) أن عراقيته اليوم هي من أبويين عراقيين بالجنسية والأصل والولادة .. وأن يثبت لي (وللقراء أيضا) أن عراقيته اليوم هي من أب عراقي بالولادة والأصل وجده هو عراقي بالولادة والأصل ووالد جده هو عراقي بالأصل والولادة، وأن يثبت لي (وللقراء) أن  حسبه ونسبه عربي عراقي! ولو افترضنا جدلا أن صاحب هذا المشروع وهو العراقي الجنسية، يعرف أصله وفصله وحسبه ونسبه ومن هم آخر أجداده الأربعة أو الثلاثة على الأقل وما أصلهم بالوثائق والأدلة ..، فهل كل العراقيين، ومنهم الشيعة خاصة، يعرفون أصلهم وفصلهم وحسبهم ونسبهم ومن هم آخر أجدادهم الأربعة أو الثلاثة على الأقل؟! أنا لا أريد أن أطعن بشخصية صاحب هذا المشروع ولا بأي شخص يوجَه له هذا السؤال، فالسؤال يمكن أن يوجه إلى أي شخص يدعي أنه عراقي (.. ولد من أبويين عراقيين بالجنسية والأصل والولادة ..) ولكن أن تشترط بأن يكون العراقي عامة والشيعي العراقي خاصة قد (ولد من أبويين عراقيين بالجنسية والأصل والولادة ..) حتى يُقبل في الكيان الشيعي في الوسط والجنوب، المستقل جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وإداريا، فهذا جهل بتاريخ المجتمع العراقي أو قفز متعمد على حقيقة مكوناته السكانية منذ مئات السنين، القومية والعنصرية والدينية والمذهبية والطائفية، وتعسف مزاجي وساذج ودفاع متكلف ومتصنع عن طائفة الشيعة في العراق التي تكون أكثر سكانه اليوم، (حوالي الـــــ 65%،) من شخص نصب نفسه حاميا وراعيا لها ومدافعا ورادا عنها، ومؤسسا لها كيانا مستقلا .. شريطة أن يسكنه ويعيش فيه عراقيون ولدوا من آباء (.. عراقيين بالجنسية والأصل والولادة ..!)

.. وأخيرا، وكما قلت في منتصف الكلام، لا يهمني من كل النقاط الــــ 20 من مشروع تأسيس كيان شيعي مستقل للوسط والجنوب إلا النقطة 12، لأن المشروع كله هو مجرد كلام فارغ وأحلام يقظة لا أكثر ولا أقل، ولكني أردت أن أكتب بمناسبة طرح هذا المشروع، عن قضية الكثير من من العراقيين وخاصة الشيعة منهم؛ أصلهم وفصلهم، حسبهم ونسبهم والنقطة رقم 12 التي اشترط فيها صاحب المشروع دخول العراقيين الشيعة في كيانه المستقل .. أن يكونوا قد ولدوا من (.. أبويين عراقيين بالجنسية والأصل والولادة ..) أما سوء الغاية أو حسن الغاية في هذا المشروع، صدقه أو كذبه، جديته أو هزليته فعلم هذا عند الله وصاحب المشروع!

 

احمد العلي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم