صحيفة المثقف

القضاء العراقي في الميزان

في خمسة عشر عاما من السلب والنهب والتجارة غير المشروعة والصفقات المشبوهة سمعنا بأسماء طفت على السطح وبأخرى اتهمت، بل وحكم عليها، وإن "غيابيا"، بل إن في الحالات حالات صدر فيها الحكم وكان في مقدور السلطات أن تزجّ بالمحكوم في الحبس، لكنّه "فلت" بقدرة قادر. وما أكثر من "فلت"، "على مهله" أو على عجل. المهم أنّه "فلت".

واليوم يضع "القدر" قضاءنا في امتحان واختبار: أمامنا حالة واضحة "ملبلبة" لا لبس فيها ولا دوافع "كيدية". فقد كانت السلطات الأمنية هي من ألقت القبض على الجاني. وبالجرم المشهود. وفي رفقة من تجار متاجرين بالمخدرات.

الجاني هو ابن محافظ مدينة شريفة، مقدسة، ولا أستغرب أن يكون المتهم وأبوه سادة من "أبناء رسول الله"، فما عاد بين "السادة" من غريب.

لا أدري ماذا يعوز ابن محافظ في العراق "الجديد"؟

مال؟

"ونسة"؟

ملبس؟

طعام؟

شراب؟

"مستقبل"؟

لا أدري. صدقوني.

فلو كان ابن عامل بسيط أو فلاح كادح أو مواطن من خاق الله لحمد الله وشكره بكرا وأصيلا. في كلّ صلاة ودعاء. فهذا هو ديدن الفقراء: يشكرون الله على البسيط الطفيف من كلّ شيء. ويصلون ركعتي شكر على وصول ولدهم سالما إلى مكانه أو نجاح ابنتهم في امتحان اللغة الإنكليزية أو تماثل حفيدهم المزكوم إلى الشفاء.

أمّا ابن المحافظ أو الوزير أو النائب أو القائد فهو يرى "الأسوة " صباح مساء، ويعيش تفاصيل نشاطه ويشعر بانتفاخ جيوبه ويسمع بسطوته وتأثيره ونفوذه. بل إنّه يكتسب ما كسب الوالد من "موقع" و"سلوك" و"برستيج". فهو ابن الوزير. وهو ولد النائب. وهو نجل المحافظ والقائد.

فماذا بقي بعد أن سقط كلّ "عيب" و"حرام" و"قانون" و"ممنوع"؟

لم يبق إلا أن "يتوكل" الولد ليكون شبلا حقيقيا. يتمتع بنفوذ مستقل. ومالية خاصة. و"شلّة" كحماية أبيه.

فهذا هو زمن "تكوين الذات".

وهذا هو زمن "بناء المستقبل"

وإلا فمتى؟

هكذا يفوز بما حلم به دائما، ما دام "الغطاء" متوفرا، وطوق النجاة جاهزا ساعة مست الحاجة إليه.

إن صحت الأخبار عن ابن المحافظ، فقد "وقع" في قبضة "العدالة" وبتهمة لا يقبل الحكم فيها لبسا ولا تبريرا

إن صحّت الأخبار فإنّ المحافظ ومن وراءه من داعمين وساندين وعشيرة وحزب ورؤوس يسعون أو سيسعون جاهدين لفبركة الموضوع وإنقاذ "الولد" من "براثن" القضاء.

لا شكّ في ذلك

لكنّ المعوّل في هذا الحالة وفي سابقاتها و، على الأخص، لاحقاتها، يقع على القضاء. القضاء الحر النزيه العادل الذي لا يفرّق بين داعشي وفاسد، بين تاجر مخدرات "ابن خايبة" وآخر ابن محافظ أو مسؤول، وهو "ابن خايب" أيضا.

عيوننا على الحادثة

وعلى حركة القضاء

وقضائه

وحتى ذلك الحين

دعواتنا بأن يأخذ الحق مجراه وأن تثبت العدالة أنّها كما توصف عدلا ومساواة وصلابة.     

د. بسّام البزّاز

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم