صحيفة المثقف

سعاد العطار وليلى العطار.. من اقطاب الفن العراقي المعاص (32)

khadom shamhod2يذكر علماء البيولوجيا والآثار ان المرأة البدائية كانت الى جانب الرجل في عملية التزويق والزخرفة والتنظيم المنزلي وكانت لها حساسية فنية وذائقة ناعمة لا تختلف عن الرجل الرسام البدائي . ومن هنا ظهرت خلال التاريخ رسامات لا يقل عددهن عن الرسامين، لكن التاريخ لم ينصف ويسجل لنا اسمائهن واعمالهن بل اهملهن متعمدا .. والمشكلة تكمن في ان الرجل كان لا يسمح لها بالظهور لاعتبارات دينية وتقاليد تجعل منها عنصرا بيتيا مربيا وخادما ليس الا، كما اصبحت تباع وتشترى في تلك العصور والحضارات الغابرة . بل ان بعض القبائل العربية كانت تعتبر المرأة عار (واذا المؤدة سألت باي ذنبن قتلت). واصبح الخلفاء والسلاطين يملكون من النساء ماطاب من الجمال والحسن الذي يدهش الناظر والاعمى .. وقد ورد في ثقافة الاديان في اوربا بان المرأة شيطان اعتمادا على قصة ان الشيطان قد اغوى حواء في اكل التفاحة وكانت السبب هي في اخراج آدم من الجنة ؟؟ .. كما ورد ان المرأة شر لا بد منه .. وكل هذه المفاهيم الفكرية الاقصائية العدائية مصدرها الرجل وليس الله . ومع كل ذلك كانت بعض النساء قد ثارت وكسرت هذه القيود المجحفة بحقها و تمردن على المجتمع وبرزن واشتهرن خلال العصور السابقة مثل الايطالية ارتيميسيا لومي 1654 Artemisia Lomi والانكليزية هيلين بياتريكس Helen Beatrix 1866، والفرنسية بيريث موريستو 1869 Berthe Moristo والبولونية تامارا دي ليمبيكا 1898 Tamara Lempicka وغيرهن .

وحفل القرن العشرين باعداد كبيرة من الفنانات والاديبات والشاعرات والمناضلات وتسابقن مع الرجال في الابتكار والابداع . وكانت فرناندي اوليبير صديقة بيكاسو قد ذكرت في مذكراتها ( ان كل امرأة في حياة بيكاسو هي عبارة عن مشروع جديد وبداية حياة فنية جديدة) . كما كانت المصورة والفنانة – دورا - قد هيئت مكانا كبيرا لبيكاسو لرسم جرنيكا وكانت قد ساهمت في بعض تفاصيل اللوحة من ناحية الارشاد والافكار، وكانت هي اول من صور اللوحة في كامرتها الشخصية .. وفي العراق ظهر عدد من الفنانات المميزات واللاتي اغنن الساحة الفنية العراقية جمالا وابداعا مثل سعاد العطار وليلى العطار .

سعاد العطار:

ولدت في بغداد عام 1942 وكانت قد درست الرسم في جامعة كليفورنيا وتأثرت بالفنانين العراقيين الرواد من حيث الاستفاد من التراث الشعبي من زخارف ونقوش وفلكلور ورموز، وكانت البدايات ترسم مناظر وشخوص مستوحات من البيئة العراقية شأنها بذلك شأن الرواد .. ثم ازدحمت لوحاتها في الاشكال والرموز واحيانا تظهر بعض الاشكال السريالية او الاسطورية، كما اخذت تبسط وتختزل في الاشكال من اجل التعبير عن المعاني . وفي مطلع السبعينات اشتركت في معارض الثورة التي تقيمها الدولة مثل لوحة – قاتلتم لغد افضل- 1974 حيث اخذ هذا العمل منحا تجريديا تمثل في ثورة الخطوط والرموز والاشكال المبسطة مثل الايادي المرتفعة والوجوه الصارخة وغيرها من الزخارف التي تساهم في بناء اللوحة ومظمونها . يضاف الى ذلك ادخلت الاساطير في اعمالها وعمدت الى الدقة في الرسم والتأني في التنفيذ مثل لوحتها – جنة عدن -1993

اعمال سعاد زاخرة بالتراث والاساطير والرموز، وهي تنقلنا باعمالها الى الماضي الحضاري وكأنها تروي لنا قصص تلك التقاليد والمفاهيم بجمالها وفطرتها وقد شغفتها عاطفة، فهي تنقل ذلك بطريقة ابداعية جميلة حداثوية تجعل المتلقي يشاركها في الاحاسيس والمشاعر . ويذكر ان الشاعر اللبناني نزار قباني لما شاهد اعمالها قال لها (عمرك 6 آلاف سنة) وذلك لما تتسم به اعمالها من عمق تاريخي لحضارة بلاد الرافدين .

وتبرز مفردات تتكرر في لوحاتها مثل الهلال وكأنه بصمة مميزة وهوية لها وعنصر حضاري للتنفيس والحياة، كما رسمت الشجرة بشكل مبسط ورمزي وتعلقت بها واعتبرتها رمزا للجذور والاصاله . وقد شهدت لوحاتها زخما مثيرا للالوان والانارة والزخارف النباتية المكررة على طريقة تقاليد المدرسة الواسطية .

سعاد في لندن:

بعدما حلت سعاد في لندن في عام 1976 بدأت ترسم من جديد، ودرست الكرافيك واشتركت في الورشة الدولية التي فيها فنانين من كل دول العالم واختلطت معهم وكانت لها فرصة كبيرة للتعلم والاكتساب والتجديد . وفي الفترة الاخيرة عملت معرضا في لندن يحتوي على 45 لوحة تعكس فيها تأثيرات انطباعية وتراثية من بيوت قديمة واقواس وزخارف ونقوش اسلامية واسطية .

حصلت سعاد على جوائز كثيرة منها مشاركتها في بينال القاهرة عام 1984، كما طلبت منها مؤسسة اوبرا في لندن بعمل مجموعة من الاعمال .. كما شاركت في معارض دولية كثيرة وعرضت في لندن ومدريد وفرنسا وغيرها .

وبعد مأسات اختها ليلى حل فيها الحزن والالم المزمن فاصبحت غير قادرة على الرسم . ويذكر انها احيانا تبقى ساعات في رسم وردة واحدة . واصبحت اعمالها الاخيرة يطغي عليها طابع الحزم، ومن اعمالها – الامس لن يعود –

ليلي العطار:

هي من الفنانات الشابات اللآتي ادهشن الواقع العراقي الفني في مرحلة الستينات بجرئتها وشجاعتها وتحررها واختلاطها مع الفنانين العراقيين والادباء وحضورها الدائم في حركة المعارض التي تقيمها جمعيىة الفنانين والمعارض المشتركة الاخرى . و تتصف ليلى بالجمال الخارق وعيون واسعة مأطرة بكحل اسود كأنها عيون سومرية، ووجه مدور محمر وقامة شامخة رافعة الراس وشعر اسود سائب و لها اسلوبا جميلا في الكلام والبلاغة وقد رأيتها في عدت معارض في نهاية الستينات .

ليلى هي من مواليد بغداد لعام 1944، تخرجت من كلية الفنون عام 1965، وقامت اول معرض لها عام 1968 . استخدمت ليلى الرمز في اعمالها والخيال الاسطوري مثل لوحتها شجرة جرداء لا حياة فيها والى جانبها امرأة عارية تتجه نحو الشمس، وربما تمثل هذه اللوح الرغبة الجامحة نحو الحرية والتخلص من القيود التي تشعر بوجودها . ونرى احيانا تتكرر المرأة في لوحاتها في جو رمزي غامض يعكس ازمة الوحدة والانفراد . وقد نفذت تلك الاعمال باسلول واقعي تعبيري خيالي يحمل هما عميقا تعيشه الفنانة. شغلت ليلى مديرة الفنون في بغداد وحصلت على جوائز عديدة وشاركت في ندوات وبرامج تلفزيونية فنية واقامة عدة معارض فردية ومشتركة . وفي اعمالها الاخيرة استخدمت الكولاج الورقي واصبح العمل الفني عندها هو الخامة نفسها مع تلك الخطوط الحرة التي يرى من ورائها اشكال تعبيرية محورة تحمل الهم والحزن ..

حادث مقتل ليلى:

عاشت ليلى الازمة والحصار الذي فرضة الغرب على العراق وعاشت المجاعة والمعانات التي عاشها الشعب العراقي تحت النظام الصدامي ..يقال ان ليلى رسمت بوش الاب في لوحة فسيفسائية في مدخل ارض فندق الرشيد وكان الفندق تقام فيه المؤتمرات باستمرار ويسكن فيه المراسلين ورجال الصحافة الاجانب، ولهذا يكون على الداخل والخارج من الفندق ان يدوس على صورة بوش لانه ليس هناك ممر آخر .. وفي ليلة عام 1993 تم اطلاق ثلاثة صواريخ بكل دقة استهدفت بيت الرسامة ليلى فراحت ليلى واهلها اشلاء تحت الانقاض،...؟؟؟ ولكن هناك من يقول ان ليلى لم ترسم بوش على الارض بطريقة الفسيفساء وليس هذا من اسلوبها، وانما هذا الخبر من صنع الاستخبارات العراقية البعثية .. كما ان القصف جاء من الطائرات الامريكية على احياء ومناطق بغداد دون تحديد، فكان بيتها ضمن ما قصف من الدور والعمارات ..

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم