صحيفة المثقف

"علوة" الانتخابات

أخرجُ إلى السوق. وحدي أو مع زوجتي. كما يخرجُ كلّ واحد منكم أيها السادة والسيدات.

نمرّ على القصّاب. نسأله عن الأسعار هذه الأيام ونطلب منه ما نحتاج، وقد يصل الأمر بنّا إلى أن "نشمّ" اللحم، كما تفعل زوجتي أحيانا!!!

ثمّ نعرّج على الخُضري

ونفعل الشيء ذاته مع بائع الفواكه والخبز

نلتقط من هنا ومن هناك للخروج بتوليفة ترضينا ولا تزعج جيبنا.

ثمّ نبحث عن شيء ما لا نجده عند هذا ولا ذاك

فننطلق ننشد ضالتنا حتى نقف عند هذا البائع أو ذاك:

برتقال...طماطة...فلفل...

ويأبى البائع أن نختار وننتقي

فنفوض أمرنا إلى الله وندعه يختار عنّا وينتقي، بينما تروح عيوننا ترصد يده وحركة أصابعه الخفيفة الخبيثة.

ثمّ نعود إلى البيت، مطمئنين إلى ما جنت أيدينا وذوقنا ومعرفتنا وعلاقاتنا. فلا نراجع لحمة القصاب ولا خضرة البقال ولا خبز الفرّان

بل نعمد إلى كيس البائع "الغريب" الذي فوضنا أمرنا فيه إلى الله وتركناه "لضميره".

لا أسمع، في مثل هذه الحالات، من امرأتي إلا شتما ودعاء:  "الله لا ينطيه عافيه" "ما يفيد: غشاشين" ........

طبعا، أقول لها، فهذا هو منطق السوق. أو لنقل غالبية السوق أو كلّه: الغش ما أمكن الغش.

أقول هذا وأنا أفكّر في ما يفعل بنا سياسيونا منذ خمسة عشر عاما.

بل ما نفعله نحن طوال خمسة عشر عاما من التسوّق في "علوة " السياسية العراقية.

لقد اعتدنا أن نعود في كلّ مرّة إلى بيوتنا بلحمة تزكم رائحتها الأنوف

وخضرة تالفة "خايسة"

وفواكه "محمضة"

وخبز يابس عفن

ومع ذلك نتسوق من ذات البائعين. من ذات البازار. من ذات الميزان. وبأسعار أعلى. وبكرامة أدنى.

أما شبعنا "زقنبوتا" وقذارة وسوء خدمة وذبابا من هذا المطعم الذي يقبض منّا الملايين لقاء صحن بائس من الطعام؟

ألا "تشمون" ما ينبعث من نتانة سياساتهم المجمدة المعادة المزوقة؟

ألم يصبكم إسهال من بضاعتهم البائرة الجائرة التالفة؟

ألم تعانوا من "قولنج" أو دزانتري؟

ألم تتسمموا من "طبيخهم" الذي يسخنونه ويعيدون تسخينه منذ خمسة عشر عاما؟

هم يعدونكم بما لذ وطاب

ثمّ لا يمنحونكم غير فتات الفتات وغير جحيم الفقر والجهل والفرقة.

................

هم باعة، ومن "حقهم" أن يغشوا وأن يكذبوا، فهذه هي سلعتهم وهذه هي بضاعتهم وهذا هو مصدر رزقهم

لكنّ اللوم، كلّ اللوم، يقع على "الزبون" الجاهل الغافل الذي لا يفعل، وقد وجد الطماطة "خايسة" والبرتقالة "مضروبة" واللحمة فاسدة، إلا أن يلعن ويرفع عقيرته بالدعاء بانتظار "مسواك" خاسر جديد.

..............

فإذا كنّا نحاذر القصّاب من مرّة واحدة غشّنا فيها

والخضري من طماطة واحدة تالفة دسها رغما عن أنوفنا

والخبّاز من رغيف واحد "محروق" حشرة بين خبز يومنا

فما بالنا نؤمن لساسة تمادوا في غشنا وأسرفوا في الكذب علينا وأقسموا لنا بأغلظ الأيمان أنّهم غشاشون كذابون متاجرون منذ أن امتهنوا هذه الحرفة المربحة؟

د. بسّام البزّاز

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم