صحيفة المثقف

في القراءة العاشقة

hasan housariفي رأيي أن كل نقاش يدور حول مساءلة وقراءة جمالية أي نص إبداعي من حيث مكونه البلاغي، وأسلوب توظيفه للمعجم اللغوي. يبقى مجرد نظرة شخصية لكثير من القراء، لا ترقى الى ممارسة نقدية تستند في استنطاق المثن الشعري الى مناهج ونظريات نقدية مؤسسة.

في التذوق الإبداعي لا ينبغي أن نكون حكما يتلمس تصيد الأخطاء فقط. بل لاعبا / قارئا إذا صحت الاستعارة. يحقق الأهداف الجميلة من خلال تحقيق متعة القراءة. فليست بالسهولة بمكان قراءة النصوص الأدبية شعرا كانت أو نثرا والحكم عليها وتقييمها في قراءة أولية ماسحة لشكل وقالب النص. لأنها ليست أي النصوص، تكتسي طابع الموضوع والقضايا التي تخضع لأحكام ومقتضيات النصوص القانونية وأحكام القيمة السبقية. بل هي ابداع جمالي وفني وجداني تتداخل فيه مجموعة من العوامل الفاعلة في تركيبه، ابتداء من شرط توفر الإحساس والشعور في التعبير، فبغير احساس لا يمكن للشعر أن يكتسي صفة الإبداع. سيكون مجرد انشاء وقول للتواصل، ونظم مفردات لكلمات استجابة للطلب.

 لا أرى من المقبول غض الطرف على أهمية توظيف اللغة كقالب لاحتواء الأحاسيس، محتضنة بالصور البلاغية وأساليب التعبير المتعددة. فلغة الشاعر تشكل تركيبا جوهريا في تجربته الشعرية. هذه التجربة التي تشهد تحولات كثيرة متسارعة بفعل التغييرات التي يعيشها العالم، وتأثيراتها على ثقافتنا العربية.

يمكن القول بأن الشاعر يعبر بلغته الخاصة كما هو يشاء حسب قناعته في توثيق أحاسيسه، وقد يكون قالب وشكل اللغة المختارة للتعبير تنم في ظاهرها على غياب عمق دلالة الكلمة، ولايعتبر هذا المنحى للشاعر ضعفا ولا نقصا في عدم امتلاك دراية لغوية وبلاغية، ولكن قناعته الحسية والشعورية والعاطفية عند البوح اقتضت منه ذلك. انه يعبر أحيانا عن ذاته وعن ذات الآخرين بلغته الخاصة بكل ما تتضمنه من قبح وجمال حتى في الكتابة الإبداعية، ولاتعد اطلاقا سببا لمؤاخذته على ما يبدو تقصيرا أوعجزا في توظيف اللغة. بحيث لا يمكن أن نتلو على الشاعر قائمة بأوامر ينصاع لها لينال استحساننا له. إنه حر في طريقة امتلاك أحاسيس ذاته عند التعبير. أحاسيس لا يمكن بأي حال تقاسمها في اللحظة تلك مع أي كان سوى ذاته. إنها حالة وجدانية ملك له لوحده.

والإبداع الشعري ممثلا في نصوصه في الأخير، يبقى منفتحا على أكثر من قراءة. وكل قراءة تنفح له من روحها معنى جديد، تعيد تركيب وبناء النص الذي شكله المبدع بكثير من تجاوب مع الدوافع النفسية، ورصيد معجمه اللغوي والجمالي والفني. والقراءة العاشقة للنص هي الأقرب في نظري لهذه المقاربة الجمالية.

 

حسن حصاري – المغرب 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم