صحيفة المثقف

أقلام الأمم

moamar habarقلم الرصاص صغير في الحجم لكن عند الأمم العظمى تراه كبيرا فتربي أبناءها على احترام هذا "الصغير" فينمو جيل عظيم يعرف قيمة الكبير بما تربى عليه في الصغر من أساس متين لا يتهاون مع الصغير، والأمثلة الثلاث التي بين يدي القارىء العزيز تبيّن ذلك وتزيده وضوحا:

في سنة 2012 يتحدّث مهندس مصري في الهندسة المدنية عبر فضائية عربية  فيقول: بعد تخرّجي من الجامعة بمصر ذهبت لليابان لأواصل دراستي في تخصّصي باعتبار اليابان منطقة زلزالية واليابانيون يحسنون التعامل مع الزلزال والبراكين والكوارث الطبيعية، فأجريت امتحان حول رسم سقف لبناية، وشرعت فيما طلبه منّي الأستاذ الياباني، وحين وصلت لوضع خطّ بقلم الرصاص يتطلّبه الرسم لم يكن لي غير قلم رصاص غليظ الحجم فتجاهلت الخطّ وقلت في نفسي: وما ذا يضير الرّسم لو لم أضع الخطّ؟

أنهيت عملي وقدّمته للأستاذ الياباني، فسألني بدهشة: وأين الخط؟، فأجبت وكأنّي لم أفعل شيئا: قلم الرصاص الذي كان بحوزتي غليظ الحجم فرفضت أن أستعمله، ثمّ عقّبت قائلا: وماذا يضير الرسم لو لم أضع الخطّ؟، حينها تدخّل الأستاذ الياباني صاحب العلم والتجربة: يابني، الخطّ عندنا يهدم عمارات ويسقط قناطر ويزيل ناطحات سحاب، وما كان من الأستاذ الياباني إلاّ أن عاقبني بإعادة الرسم 10 مرات، وحين رأى تمكنّي من الرسم وإدراج الخطّ بعناية ودقّة كافأتني الشركة اليابانية بمضاعفة راتبي إلى 3 مرات، ومن يومها يقول المهندس العربي: التهاون في الخطّ يعني انهيار السّقف وسقوط البنايات وهدم القناطر والعمارات.

ومنذ ثلاثة أيام أتابع حوارا أجرته الفضائية الفرنسية الخامسة مع ابن غاندي وهو الآن في 75 من عمره، حول آخر كتابه "LE POUVOIR DE LA COLERE" (سلطة الغضب) ومما جاء في الحوار:

وأنا طفل صغير طلبت من أبي غاندي أن يشتري لي قلم رصاص، فما كان منه إلاّ أن طلب منّي أن أبحث عنه، وفعلا وجدت القلم بعد ساعتين من البحث في حديقة البيت. وبعدها قال لي أبي غاندي: رمي قلم رصاص صغير معناه رمي مصادر العيش وهدر الطاقات ونحن أحوج النّاس إليها، وإن كان رمي المصادر والطاقات مسموح به في الدول المتقدّمة فإنّه غير مسموح به في الدول الفقيرة المحتاجة مثلنا

وحين تمّ حصار عراقنا الحبيب لسنوات طوال منعت عنه  أمور كثيرة منها قلم الرصاص، بحجّة أنّه يحتوي على مواد كيميائية ووضع قلم الرصاص ضمن قائمة المواد الخطيرة التي يجب منعها على إخواننا العراقيين.

يتضّح جليا من خلال الأمثلة المذكورة أنّ من تهاون في أمر صغير خرّ عليه السّقف وتربية الأمم تبدأ من البيت والمدرسة والأمم العظمى باحترامها لقلم الرصاص الدّال على العلم والقوّة، ولأهميته يعاقب المهندس إذا نسي رسم الخطّ، ويدرّب الطفل الصغير بالبحث عنه إذا ضيّعه ولو استغرقت عملية البحث ساعات، وتعاقب الأمم بحرمانها قلم الرصاص، واليابان دولة عظمى لأنّها تعرف قدر الخطّ الرقيق، والهند التي فجّرت الذرة وصعدت للفضاء وتطعم مليار و300 مليون بنفسها دون استيراد وتصدّر الأكل والتكنولوجيا، كانت البارحة تبحث عن قلم صغير لمدّة ساعتين ولا تبذّر تبذيرا.

 

معمر حبار - الجزائر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم