صحيفة المثقف

حين تغني ضمائر الحكمة

mohamad ghani2لا شك ان الضمير في لغة العرب له معان تتنوع بحسب اختلاف مجلات الدرس والتحليل، حيث اننا بتصفح سريع لقواميسهم نجده يعني في مجال اللغة واللسانيات صفة او لفظا لغويا يدل على الشخص المتكلم او المخَاطب او الغائِب، فتستعمل بدلا عنه لاختصار الكلام. بينما يعني الضمير في مجال الفلسفة والاخلاق ذلك الفرقان الوجداني الذي ينبع نوره من اعماق الفطرة الانسانية ليبين لصاحبه الخطأ من الصواب.

ان السعادة الحقيقية في اتباع انشادات الضمير، التي تعلو اصواتها كلما استطاع الانسان جلاء حُجُب الاغيار عن قلبه، ولا نعني بتلك الحجب غير درجات أستار الانوار من جهة وغير دركات أغطية الظلمات التي تعتبر حواجز كلها عن رؤية تجليات الخالق في الكون فهو ظاهر لذوي البصائر باطن عن عُمي البصيرة.

أليس قد تحجب انوار الطاعة صاحبها عن مولاه ان هو اغتر بعلمه او خشوعه او وضوئه او صلواته؟ بل قد تقذفه في دركات السفلية من الاخلاق الانسانية لريائه ونفاقه.

لا غرو ان السعادة الحقيقية في اتباع صوت الضمير، لانه نداء أجراس الفطرة فينا، وكلما انصتنا لآذان الفطرة فينا كلما دخل رئتا القلب اوكسيجين المحبة واستنشقنا أنفاس المقدس.

قرَّبهم منه فإجتباهم          فنزَّهوا الفكر في علاهُ

 ليس لهم للسوى التفاتٌ     كيف وقد شاهدوا سناهُ

 أزال حُجب الغطاء         عنهم فاستنشقوا نفحة هواهُ

(ابو مدين الغوث)

ان صوت الضمير هو الفرقان الذي يفرق به الانسان بين الصواب والخطأ، وهو الصراط المستقيم المبثوث فينا فطرة وغريزة، فما علينا الا الحفر في أنفسنا بفأس الذكر والاعتبار والتفكر والاستبصار ليتبدى لنا ذلك السور الفطري بين عالم الخير والشر فينا، والذي يمكننا تقوية صلابته بتحكيم انسداد مداخل الشيطان على القلب فلا يأمرالجوارح الا بما يوافق صوت هذا الفرقان، فلا سعادة حقيقية الا براحة الضمير.

و كلما قوي صوت الضمير الا وحلت نداءاته وتبدت نصائحه كأغنية ذات الحان عذبة تفوح منها شذا الغيب العطر ورياه، والعكس بالعكس، فكلما خبا صوت الضمير الا وبدا نداؤه كأغنية مملة تتكرر من مغن بذيء لا يعجب المرئ كلامه وان كان يصدر عنه لباب الحكمة وزبدة الحصافة والرشاد، ومن اراد مقارنة الحس بالمعنى ليتضح المثال، فليتأمل حال بعض شبابنا التائه اليوم الذي يترك الفن الراقي لينحط بذوقه الى البذيئ من الاغاني وما ذاك الى لانقلاب بوصلة الفطرة الانسانية التي خبا فيها صوت الضمير وعلت كل اصوات ما عداه.

 

د. محمد غاني. كاتب، المغرب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم