صحيفة المثقف

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة: الكاريزما وصناعة التاريخ

khadat jleed2لقد تساءل الكثير عن الفلاسفة والمفكرين : أيهما  الأصل في عملية التغيير التاريخي، الفرد أم المجتمع؟ وبالتالي  نحن أمام إشكال تاريخي اختلف حوله المفكرون والمؤرخون، ولكن كبار المؤرخين والمفكرين مثل هيجل وبرغسون وتوماس  كارليل وبناءا على دراسات لتاريخ الحضارات والشعوب يؤكدون على دور البطل الفرد في صناعة التاريخ وكذلك على دوره البارز في إنقاذ المجتمع من الأزمات الحادة ويؤكد هذه الحقيقة المفكر البريطاني توماس كارليل (1795-1881)، حيث أكد في أبحاثه التاريخية أن الكثير من المجتمعات والشعوب اختفت من مسرح التاريخ لأن البطل لم يظهر عندما ناداه ضمير الأمة، يقول كارليل: " لقد عرفت شعوب تصرخ مستغيثة بأعلى صوتها أين البطل، أين الزعيم؟ إنه ليس هناك، لم تبعث العناية الإلهية به بعد وينهار المجتمع لأن البطل لم يظهر حين نودي عليه ".

كما أني لا أقصد بالبطولة ذلك التصور الشعبي أو الخرافي الذي يجعل البطل فوق التاريخ والزمان ويصوره باعتباره ذلك الكائن العلوي الذي يستمد قوته وإرادته من عالم كامل هو عالم الإرادة الإلهية، ولكن استعمل مفهوم البطولة بالمعنى الفلسفي التاريخي أي باعتبار أن  البطل أو الأبطال كما يرى الفيلسوف والمؤرخ الألماني  هيجل هم أولئك الذين استطاعوا أن يضعوا المصلحة  العامة فوق المصالح الخاصة وأن يتقمصوا روح الأمة  كالإسكندر الأكبر ونابليون فهم الذين يجسدون الأمة ويعملون على تفجير الطاقات الكامنة في شعوبهم لغرض تحقيق درجة أسمى من الحرية، فالأبطال هم الأدوات التي يعبر بها التاريخ عن نفسه .

ومن منظور هيجل وتوماس كارليل ، كيف ننظر إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة  كبطل من أبطال التاريخ، إن على الصعيد الوطني الجزائري أو على الصعيد العالمي؟

إن المتتبع لمسيرة الرجل سواء في الداخل أو في الخارج يدرك أنه ساهم في صناعة أحداث تاريخية جسيمة غيرت مجرى التاريخ، دوره الفاعل إبان ثورة التحرير وفي معركة البناء الوطني بعد استرجاع السيادة الوطنية من خلال العمل الدبلوماسي ودوره البارز في الهيئات الدولية والمنظمات الإقليمية والجهوية .

كما أن الكاريزما التي يتمتع بها، أي القدرة على التأثير في الأحداث والقوة في التواصل إن على الصعيد الوطني والإقليمي أو الدولي والإرث الرمزي الذي يمثله بالنسبة للجزائريين تجعل منه شخصية وطنية وإنسانية وعالمية،  فهو يجمع في مسيرته السياسية والتاريخية بين التاريخ الخاص والتاريخ العام كما أنه يجمع في حركة التاريخية بين الفكر والعمل فلقد حقق وأنجز كل ما وعد به .

لقد استجاب السيد الرئيس سنة 1999 لنداء الوطن تاركا مستقبله وراء ظهره جاعلا من الجزائر ومستقبلها فكره الوحيد وأمله الوحيد للعودة مجددا إلى مسرح التاريخ، لقد واجهت الجزائر أكبر التحديات في تاريخها على الإطلاق كادت أن تعصف بها دولة وشعبا لو لم يظهر السيد الرئيس في الوقت المناسب على حد تعبير  توماس كارليل وكان الأعداء في زمن المحنة والفتنة سواء في الداخل أو الخارج يراهنون فقط على الأيام والشهور لسقوط الدولة الجزائرية ليحل محلها الخراب ولكن الدولة لم تسقط لأنها دولة - أمة متجذرة في التاريخ تنجب القادة والأبطال من جيل إلى جيل وها هو السيد الرئيس من خلال وعيه التاريخي ورؤيته المستقبلية يعيد بناءشتات المجتمع من جديد ويقوم بصياغة جديدة لروح الأمة في إطار قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية الذي أقامه السيد الرئيس على أرضية فكرية واضحة أساسها التسامح والأمل وها هو يخاطب ضمير الجزائريين لإنقاذ مصيرهم ومستقبلهم يقول السيد الرئيس : " لا معجزة في الأفق إلا ما أردتم أن تصنعوه بأيديكم، لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فهل من مجيب يا بنات الجزائر ؟ فهل من مجيب يا أبناء  الجزائر؟ فهل من مجيب لصرخة الوطن الجريح التي وصلت إلى السماء؟ " .

ولقد كانت إجابة الشعب الجزائري على قدر عظمته الرجل وإخلاصه فكانت استجابة شعبية قوية منقطعة النظير في التصويت على قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية وخرجت الجزائر من المحنة وبدأ الأمل يعود من جديد يقول السيد الرئيس: " ومهما طالت ليلتنا الحالكة الظلماء، فلقد وصلنا اليوم إلى الفلق وبدأت أوائل أشعة الشمس تطل، لقد خرج شعبنا من النفق وهو ينظر إلى المستقبل بتفاؤل وأمل لم يسبق له مثيل منذ عقد من الزمن " .

كما أن السيد الرئيس رغم اعتراف الجميع له بشخصيته الاستثنائية إلا أنه لم يقدم نفسه يوما بأنه الرجل المنقذ أو الملهم وهذا تواضع كبير لا يكون إلا من شيم العظماء يقول السيد الرئيس : " لا يرجى التقويم والتنمية والرقي على يد رجل واحد أو يد حكومة، بل لا يرجى إلا من إرادة شعب يحدوه طموح وطني، شعب مصمم على تحقيق سعادته واستقراره، شعب لا يبخل بدفع الثمن لقاء ذلك، يبذل الكد والعمل ويرص الصفوف " .

كما استطاع السيد الرئيس أن يصالح الأمة الجزائرية مع نفسها ومع العصر والتحديات الجديدة ورسم ملامح مشروع مستقبلي للخروج من الأزمة وبالتالي الربط بين تحديات الماضي والحاضر وتحديات المستقبل يقول السيد الرئيس :" إن المشوار الذي أمامنا لا تقل تحدياته ومصاعبه عن تحديات ومتاعب ذلك الذي كان في الماضي، فهو أيضا يرمي إلى جمع شمل الشعب الجزائري، وتحقيق الوئام المدني الوطني واسترجاع الثقة المفقودة بين أفراد الشعب الجزائري والاعتماد على النفس ومعالجة المشاكل الكبرى التي نعيشها ".

كما أن المصالحة مع الذات ومع المستقبل تعني الإجابة على السؤال التالي : من نحن وإلى أين نحن ذاهبون ؟ فقد استطاع السيد الرئيس أن يفصل وبصفة نهائية في مسألة الهوية والأصول التاريخية التي كانت محل تجاذبات سياسية وثقافية وإيديولوجية بين الجزائريين، وذلك من خلال دسترة الأبعاد الثلاثة للهوية الوطنية الإسلام والعروبة والأمازيغية في بوتقة واحدة، واستحداث هيئات رسمية لتطوير كل ما يرتبط بهذه الأبعاد الثلاثة مع ضرورة الانفتاح على الثقافات الأخرى ومنجزات العصر العلمية والفكرية والتكنولوجية .

كما أن الوعي التاريخي الجديد والنهضة الجديدة تتطلب ضرورة قراءة التاريخ واستلهام الدروس حتى لا نقع في أخطاء الماضي أو بالأحرى حتى لا تتكرر في المستقبل، يقول السيد الرئيس :  " هذه هي الخطوط الكبرى الرئيسية التي تحدد مسعى الجزائر المستقبلي، جزائر تتعافى من جراحها وتتجه نحو الألفية الثالثة قوية بالدروس التي استلهمتها من محنها، مدركة لإمكانياتها وعازمة العزم كله على كسب معركتها مع المستقبل " .

أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي ومنذ انتخاب السيد الرئيس منذ سنة 1999 وإلى اليوم فالكل يشهد سواء القريب أو البعيد في الداخل أو في الخارج على  المنجزات الضخمة التي تم تحقيقها سواء من خلال المخططات الخماسية المتتالية والاستثمارات العمومية والإنفاق الاجتماعي وسياسة التحويلات الاجتماعية التي استفاد منها جميع الجزائريين والجزائريات بدون استثناء، وكان الهدف منها هو ترقية الإنسان الجزائري وتطوير محيطه الاجتماعي والاقتصادي، وإذا كانت الدولة هي السيادة كما يرى المفكرون ورجال القانون فلقد استطاع السيد الرئيس من خلال تسديد ديون الجزائر الخارجية ومنع الاستدانة من استرجاع سيادة القرار الاقتصادي وبالتالي القرار السياسي لكي يسمح للجزائر من التخلص من الضغوط الخارجية وربح أوراق جديدة للتفاوض والتعامل بندية مع الدول الأخرى، لذلك يمكننا أن نتحدث اليوم على مستوى الخطاب التاريخي الجزائري المعاصر ونشير إلى مرحلتين تاريخيتين، مرحلة ما قبل 99 ومرحلة ما بعد 99 وهي  مرحلة تدشين الألفية الثالثة في تاريخ الجزائر المعاصر .

كما أن الجزائر لا زالت تعيش اليوم الكثير من التحديات والتي واجهتها بحكمة وتبصر ولعل أخطرها على الإطلاق فتنة الربيع العربي التي خططت لها مخابر أجنبية برعاية غربية لتفكيك الدول الوطنية العربية وإنشاء كيانات طائفية، وكانت الجزائر في قلب هذا المخطط الإجرامي، ولكن حنكة السيد الرئيس وحكمته ومكانته السياسية في العالم جنبت الجزائر السقوط في هذا المستنقع الذي لم تسلم منه الكثير من الدول، كما أن الجزائر تعرف اليوم تحديا على المستوى الأمني والإقليمي والدولي في ظل تدهور الأوضاع الأمنية للدول الإقليمية وتأثير ذلك على الأمن القومي الجزائري وكذلك سياسة الاصطفاف والاستقطاب الدولي للدول  الإقليمية وحشرها وتوريطها في النزاعات الداخلية التي تعيشها بعض الدول العربية، إن كل هذه التحديات وما يرتبط بها من مخاطر لم تستطع أن تؤثر على الجزائر أو تستهدفها وسقطت كل مخططاتها في الماء وهذا بفضل الديبلوماسية الهادئة للجزائر والحكمة والكاريزما التي يتمتع بها السيد رئيس الجمهورية المجاهد عبد العزيز بوتفليقة  .

 

بقلم الدكتور قادة جليد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم