صحيفة المثقف

المبدع والمخابرات (3)

najib tala2قرينة التجنيد: فمن الطبيعي أن يندهش المرء ويضطرب أمام ما يسمعه في شأن العملاء والجواسيس؛ لأنه في عقد السبعينيات من القرن الماضي؛ بعْد اشتداد الصراع وقتئذ بين {اليمين/ اليسار} كانت التهمة الرخيصة في صفوفنا تجاه كل معارض لأفكارنا أو تصوراتنا بأنه{مخابراتي} وتلك لعمري؛ كانت تهمة لها مفعولها؛ حينما نعيد أشرطة الماضي ووضع مقاربة أو قرينة بما ينشر الآن من معْطيات وتسريبات جد خطيرة كوثائق (ويكليكس) و(كريس كولمان) وعَلى ذكر هذا الأخير لقد سرب وثائق في حق العديد من الصحفيين المغاربة؛ وهي حقا مثيرة للغاية : إن الواقع الملموس؛ المسنود بالصور (..) هو أن أغلب الوثائق المسربة؛ ممضاة من طرف شخص واحد معروف أو موجهة إلى نفس الشخص؛ وهو صحفي نعرفه رئيسا لمجلس إدارة جريدة يومية؛ كانت لسان حزب كبير؛ وهو الذي اشترى مجلة أسبوعية وهو المحَررالدائم في قناة إلكترونية لمواضيع تدعو إلى الإخلاص الوطني والإصلاح السياسي... فمن سَرَّبَها للمسمَى كريس كولمان ؟ ثم إن الوثائق التي تحمل اسم هذا الصحفي (..) كلها ذات أهداف انتهازية؛ شخصية تنطق سطورها بالرغبة للحصول على الأموال التي ليست موجهة للصحفيين الأجانب وحدهم ... (1) ففي هذا السياق فالصحفي يمارس فن القول (أي) يظل مبدعا سواء في صياغة الخبر أو استجلابه للقراء/المستمعين/المشاهدين؛ وإذا عدنا للردود وردود الفعل بين (صلاح نصر/ مصطفى أمين وأخيه) المعروفين كصحفيين في صحيفة (الأخبار) فمصطفى : كان سندا لمذكرات (اعتماد خورشيد) وعلى ضوئها تم إنتاج العديد من الكتابات والأفلام المرعبة عن المخابرات: وهكذا قضية العميل مصطفى أمين؛ لم يكن مصطفى أمين هو الهدف؛ ولم نتتبعه إلا بعد أن تيقن لرجال مكافحة التجسس أنه عميل من عملاء" بروست أوديل تايلور" ولا أستطيع أن أذكر لك تفاصيل لتتبعنا لنشاط بروس وغيره من عملائه (2)هنا يتضح بأن المخابرات لها علائق وطيدة بالإعلام والصحافة؛ وهاته الأخيرة من طبيعة مهامها لها علائق بالفن والابداع؛ ولاسيما أن الوسط الفني؛ يعتبره العديد بأنه نسيج من الرذيلة والانحلال، والاسفاف السلوكي والفكري ! لأن الأسئلة دائما تتناسل (مثل) كيف بلغ – فلان- النجاح والشهرة والمجد وفنه هابط ولا قيمة له من الناحية الجمالية ولا الفكرية حتى؟

ومفتاح الجواب (هنا) يمكن تصديق سقوط جملة من المبدعين في أحضان الجهاز. فحينما يصرح الممثل إيهاب نافع في مذكراته بأنه : طیار ورجل مخابرات اقتحم عالم التمثيل للتخفي، ھكذا عرف الفنان الراحل إیھاب نافع، والذي وصف نفسھ بأنھ "عمیل مزودج للقاھرة وإسرائیل"، وعمل منتجًا بالتلیفزیون، ومثّل كذلك في عدد من الأفلام خارج مصر، ومن بینھا فیلم " طریق بلا نھایة " و" في طریقي رجل" وغیره (3) ألا يمكن تصديق مثل هذا. وبالتالي فاتهام المخرج والممثل المسرحي السوري همام حوت:: بأنه يعمل لصالح الأجهزة الأمنية وأنه يسوّق لها عن "طريق التنفيس" الذي يمارسه في مسرحه، كما اتهمته بذلك وسائل إعلام غربية.إلا أن هذه الاتهامات ليست غريبة على الفن السوري، فقد وجهت من قبل لدريد لحام وياسر العظمة الذين بدا للصحافة الغربية ومراقبين غربيين "أنهم يتمتعون بقدر عال من الحرية في نقد الأوضاع الداخلية السورية في بلد تسيطر فيه الدولة على كل وسائل الإعلام وتحظر فيه الأنشطة السياسية المعارضة ويخاف فيه الناس من نقد الحكومة والحزب في أحاديثهم العامة (4) ولكن الفنان [همام حوت] حاول أن يدافع بشدة عن مسرحياته في وجه "اتهامات" التي وجهت له؛ بما فيها تعامله مع المخابرات؛ مؤكِدا بأنه انتقد المخابرات في أعماله المسرحية، كما انتقد أدق تفاصيل الوضع الداخلي السوري.

السؤال المحير: ؟

كيف يشعر المرء وهو يدافع عن الاتهامات الموجهة إليه من لدن أصدقاء وزملاء وأفراد أو صحف؛ وهو أساسا يدرك أنه فعلا متواطئ ومتورط بشكل أو آخر في معمعان الجهاز المخابراتي؟

كهمام الحوت الذي قام [الأسد ] بعد ذلك بتقديم الدعم له؛ ليعرض مسرحيته في دمشق تحت رعاية “وزارة الدفاع” وبعدها أمسى يجمع الملايين...وكشف أحد أعضاء الفرقة المسرحية عن موقف مخجل تعرض له الفنان جهاد سعد، أحد أعمدة المسرح السوري، عندما فرض عليه “الحوت” إيقاف أحد عروضه، ليبدأ هو بعروضه، وعندما هم “سعد” بطرده، رفع “الحوت” هاتفه الخليوي وأجرى اتّصالاً حل الموضوع، وتم بعدها إيقاف عروض الفنان جهاد سعد (5) يبدو أن الصورة واضحة؛ من خلال لقطاتها المتعددة؛ تجاه هذا الفنان؛ والذي يذكي تعامله أوتجنيده في صفوف المخابرات السورية؛ وإن حاول تبرئة علائقه؛ لأن كل المعطيات التي قيلت في حقه والمنشورة هنا وهنالك؛ لكافية رغم انخراطه في صفوف الممانعة حسب ما يُروج لنفسه؛ لأن المسرحي – دريد لحام- يبدو لنا أنه في خط الممانعة؛ وحقيقة المعطيات تشير عكس ذلك؛بعْدما إكتشف السوريون وبعض العرب مقالب (غوارالطوشة) الشيعي الذي تآمر مع النظام ضد الشعب السوري ! فأحد الكتاب المغتربين وعضو في رابطة كتاب الثورة السورية. أشار في موقعه الشخصي: تناقلت بعض وسائل الاعلام قبل أيام تصريحاً للمثل السوري (دريد لحام) في مقابلة له على إحدى الفضائيات اللبنانية بأنه (سيتخلى عن جنسيته السورية في حال أن  سقط الأسد) من جهتي، فلم أكلف نفسي حتى مشقة البحث عن هذه المقابلة لأنها لم تفاجئني أصلاً، فالرجل ومنذ بداية الثورة وقف مع النظام القاتل وبصراحة لا تقبل التأويل ضد الشعْب المنكوب. وهو بذلك إنما يكون قد سقط مرتين، مرة فنياً ومرة إنسانياً وتلك هي القصة (6) ممكن أن نؤول كلامه؛ بأن هنالك تحاملا سياسيا؛ وصراعا بين النظام السوري والثوارفي الداخل والخارج؛ يفرض لعبة الاتهامات وتسريب الإشاعات؛ باعتبارها نوعا من أنواع الحرب النفسية. ولكن هناك العديد من الفنانين والمبدعين والمثقفين؛ تم اعتقالهم في سجون النظام السوري (ك) الكاتب سامررضوان/ الفنانة مي سكاف/ الفنان جلال الطويل/ السيناريست محمد أوسو/ الكاتب عدنان زراعي/ المنتج السينمائي عروة نيربية / المسرحي زكي كورديللو وابنه الفنان مهيار/ الفنانة ليلى عوض هاته الأخيرة : صدَّقت الفنانة ليلى عوض على ما يبدو دعوة الفنان دريد لحام في الدخول إلى سوريا بعد أن نشر دعوته القائلة بأنه سيكون مستقبلاً لجميع الفنانين المعارضين على الحدود … لكن على ما يبدو أناب عنه من يفي بالواجب، فاستضيفت في بلدها خير استضافة في محكمة الإرهاب ولم يحرك ساكناً (7) فطبيعي أنه كلما كانت السلطة أقل شرعية، تكون بالضرورة أكْثر بطشا واستبدادا، وتعسفها على المبدع أكبر وقعا وأشد أثرا. ولكن حينما تجد في صفها أو خدمتها عملاء وجواسيس !وهذا الإقرار؛ الذي أدلت به الفنانة – ليلى عَوض - لواضح بأن - دريد لحام – لمجند في الجهاز المخابراتي؛ وهو الذي تقلد منصب (سفير النوايا الحسنة) ويبدو لي أن هذا (المنصب) يحتاج لنقاش أعمق (أي) لكشف ماهي الشروط الضمنية والسرية التي تسمح للفنان أن يتولاه ؟ وبالتالي ما كان ينجزه – دريد لحام- أنه إبداع طليعي؛ ماهو إلا تنفيس عما يعيشه المواطن من تجويع وظلم وتخويف وقمع، كاستراتيجية للحفاظ على السلطة وتكريسها، وهذا مبدأ السلطة التي تستعين دائما بالشريحة الفنية والثقافية لتتبنى ثقافة السلطة وتقوم على بغية نشرها وتعميمها في مفاصل المجتمع. كما أكد العديد من المهتمين والنشطاء والنقاد والفنانين السوريين مؤخرا؛ بأنه ومن خلال أعماله [السياسية] كان يدعو إلى عكس مانراه منه اليوم، وبالتالي فممارسته الفنية؛ لم تختلف عن الفنان (عادل إمام) الذي بدوره قدم أعمالا مسرحية/ سينمائية/ ضد القهروالظلم وتحاربه؛ مطالبة بذلك بالحرية والعَدالة ! فإذا به وقف وقفة عناد وصلابة، ضد الثورة المصرية ومؤيدا جهرا وبكل طاقته نظام (حسني مبارك) فمن خلال هاته الحقائق؛ يتبين أن جل المبدعين (العرب) يعيشون في كنف المخابرات التي هي عين السلطة بدون منازع ؟

فإذا عُدنا للمخابَرات المصرية التي كشفت تقاريرها ومذكرات بعضهم؛ بتجنيد الفنانين في صفوفها؛ فكيف لا يتم تصديق ما كشفت عنه: التحقيقات التي قام بها جهاز “الكسب غير المشروع”، التابع إلى وزارة العدل المصرية. أن صفوت الشريف؛ رئيس مجلس الشورى الأسبق، وأحد ضباط المخابرات المصرية في فترة الستينيات، يملك 4 قصور في منتج “الميراج” في القاهرة الجديدة. أحد هذه القصور حصلت عليه الفنانة المغربية سميرة سعيد... حيث تقدم محامي صفوت الشريف بمستندات تفيد أن القصر رقم 132 تم تسليمها إلى سميرة سعيد، ما جعل التساؤلات تحوم حول وقوعها وانضمامها إلى قائمة الفنانات المجندات على يد صفوت (8) وهذا ليس غريبا عن المخابرات المصرية؛ لأن نفس الإهداء قام به صلاح نصر: وكانت الراقصة (أ . س) التي فشلت في الفن؛ فاستخدمها الشيطان في أوامر السيطرة واشترى لها فيلا في العجوزة ...والممثلة (أ. ز) التي جندها لحسابه في بيروت؛ وغيرهن من كبار الفنانات.. وأنصاف المشهورات.. والكومبارس (9)من هنا ندرك الفرق بين الإبداع الذي تريده السلطة؛ والابداع المتميز والفاعل؛ ذاك الذي يولد من رحِم المعاناة والإكراهات والحاجه، فهذه فالظروف المأساوية التي يعيشها المبدع الذي هو جزء من الكيان الاجتماعي؛ تعطيه دفعة قوية لاستخدام للفكر والخيال؛ لينتج ابداعا له من الخصوصية الحياتية ما يميزه؛ باعتبار أن الإبداع في عموميته مخاض بين الذات والواقع والفكرة؛ لكي يحمل في أعماقه تجربة فكرية وجمالية تضاف إلى تجارب الآخرين. كمحصلة لتفاعل الذوات المبدعة بالواقع المعاش، وهذا الإبداع هو المستهدف عند السلطة بالمفهوم الواسع؛ وتسعى لتدجنه وترويضه؛ لتعزز انوجادها وتكريس ذاتها كمؤسسة ناظمة لمنظوم المجتمع وبنياته؛ فمن هذا التصور تسعى المخابرات أن تخترق المبدعين والفنانين؛ لكي يكونوا طوع منظوم السلطة؛ بحيث عيونها في كل الفنون؛ ولكن الآن تمركزت على السينما كإحدى وسائل التواصل الأكثر تأثيرا وقوة الحضور في عقلية ووجدان الجماهير؛ مما أضحت بعض التد وينات تكشف عن هاته العلاقة ك: ضابط مخابرات له صلة عميقة بخالد صلاح (رئيس تحرير صحيفة اليوم السابع) ويظهر دائما في الصور معه بجانب صديقه المقرب رجل الأعمال أحمد أبوهَشيمة، الذي وصفه بالممول لأنشطة المخابرات الإعلامية... (من هذا الضابط؟): هو ياسر سليم ضابط المخابرات العامة السابق، أو جنرال المخابرات حسبما تطلق عليه وسائل إعلام مصرية، شخصية ظهرت فجأة وتغلغلت في الوسط الإعلامي والفني في مصر، ويشارك الآن في إدارة المشهد الإعلامي والفني عبر شركة تدعى "بلاك أند وايت" للإنتاج الفني والتي يشغل رئيس مجلس إدارتها (10) وهذا ليس غريبا؛ لأن المجال السينمائي مجال استثماري؛ وباستطاعة السلطة اختراقه من باب وضع رجل أعمال[ صوري] توظفه لأغراضها؛ لأن المؤسسات في الوطن العَربي ، تدرك جيدا ما لقوة السينما / المسرح كأسلحة زئبقية تستطيع بأفكارها ورؤاها اختراق عقلية ووجْدان الجماهير؛ بحكم عملهما الجمعَوي وباعتبارهِما أسلحة تواصلية بشكل مباشر؛ وبالتالي فالمبدع كينونة موصلة بحياكة خطاب مُشوش وملغوم وإنتاج معرفة مشوهة وتعميمها، حتى تترسخ مفاهيم ساذجة وتصورات سطحية؛ متباعدة جدا عن سؤال الفهم والقبض على جوهر الحقائق أو العكس (أي) تفعيل ثقافة معارضة وإبداع ملتزم بقضايا الشعْب وهمومه ومعاناته ، ففي هذا الإطار يكون المبدع واضعا خطا مفصليا بينه وبين السلطة؛مما يحدث ذلك التجاذب والعناد بينهما؛ فإن لم يسقط (ذاك) المبدع في فخ الاستقطاب أو الانبطاح؛ تتمظهر آلية التهميش والإقصاء ؟ ولكن الغريب في هاته الآلية يمارسها المبدعون فيما بينهم خاصة في التظاهرات واللقاءات –

لماذا ؟؟

هنا لن نمارس الإسقاط؛ أو أحكام قيمة؛ على هاته الممارسة الإقصائية؛ وحتى إن حاولنا تفكيك السؤال؛ فربما فيه إحراج لجهة (ما) ممكن أن تكون مجندة أو مُسيسة أو انتهازية . ففي كل الأحوال؛ ليس سهلا القبض عن كنه الإشكال؛ وفي نفس الموضوع يصعب على أغلبية المجندين أو المتواطئين مع قطاع ثقافي/ فني/ إبداعي/ البوح بذلك والكشف عن حقيقة الوجه الثاني؛ لكن ما أثارني بشكل مستفز تصريح فنان سوداني [ جمال فرفور] في برنامج منتدى (حكايات) الاجتماعي الفني : نعَم، انتمى لجهاز الامن والمخابرات الوطني وافتخر بهذا الشرف والانتماء، فأنا ضابط بقسم الشؤون القانونية (11) وهذا جاء بناء على سؤال محمد الاقرع من صحيفة (الوفاق): هل فرفور مُنتمي لجهاز الامن والمخابرات الوطني؟ فهل تصريحه غباء أم مباهاة أم جنون العظمة أم تخويف لمنافسه في الميدان؟ فهاته التساؤلات نجد بأن أحد المبدعين المسرحيين رد عليه بقوله: ...لقد ظلت العلاقة بين الفنان والسلطة علاقة يشوبها الحذر والتعقيد والتناقض واختلاف منطلقات كل منها عن الآخر...... وأنت تقر وتفتخر بانتمائك لجهاز سلطة الدولة؛ فإنها لمناسبه لهذا التداعي من التحاور والتأمل والاستدراك. لقد كان لزملائك ضباط جهاز الأمن والمخابرات دورا كبيرا في إعاقة وتعطيل مسيرة الفنون والثقافة في بلادنا سواء أن كان ذلك في عهد الحكومة الحالية أو سابقاتها. فالأمنيون بطبعهم ميالون لأن يكون الأمن مستتبا ..... أما الفنون والتي تعد أنت أحد الناشطين فيها؛ فإن فيها من الحيوية والحِراك ما يجعلنا نبتعد بها قليلا من المقابر. حين نود إطلاق شرارتها لتشعل الحياة بالحيوية والحراك والفعل الجمالي والإيجابي.... لقد ظلت العلاقة بين رجل الأمن ورجل الفن علاقة يشوبها الشك والطبيعة المتباينة. كثير من أهل الأمن في العالم الثالث ينظرون إلى الفنون كضجيج وفعل يستلزم الرقابة (12) فهذا الرد يكشف عن خطابين متنافرين بين الولاء للسلطة ومعارضتها أو الابتعاد عنها قدر الإمكان؛ فبالأحْرى الانخراط فيها والعمل في صفوفها مبدع يدعي أنه (فنان محترف) وبالتالي فالرسالة أوالرد يعد بمثابة مدخل أساس لتعميق النقاش والتفكير بين مفهوم الفن والإبداع ومفهوم الأمن والمراقبة في عصرنا الحالي؟ لكن في المجتمع العربي فالسلطة هي مركز السياسات الإبداعية والثقافية؛ فلولاهاته الحقيقة لما كان للمخابرات اليد الطولي في كل تحركات ! وبالتالي ففي سياق هذا فالمبدع / المثقف/ غير الموالي؛ يعتبر عدوا استراتيجيا للسلطة وللبورجوازية التي تملك وسائل الإنتاج؛ التي تساهم بدورها في استقطابه بالمال والجاه؛ الذي يكون مدخلا أساسيا للانخراط في شبكة السلطة؛ والتوغل في كنهها . ولاسيما أن كُنه السلطة وتناقضاتها بين العطاء المالي ومنح الجاه والصولة في الميدان وغيره وشراستها وعنف ممارستها؛ فهي اساسا لا تعرف صديقا ولا مريدا ولا خدوما؛ حينما تنقضي أغراضها منه؛ أوتجاوز الخطوط الحمراء؟                                إذ كيف استجلب مبدع (ما) أموال سهراته الخاصة؛ تقريبا بشكل يومي، في أبهى الحانات وأرقاها في فنادق فاخرة؟ تلك حقيقة لا يمكِن استغفالها أو مجادلتها؛ لأن هنالك تصريحات في هذا الباب: ...وإن الجميع يعمل في مجال جمع المعلومات وتبليغها وكان المتعاملون مع الجهاز يجمعون من سهراتهم في الفنادق الخمسة نجوم المحدودة في القاهرة في ذلك الوقت كفندق الهيلتون أوفنادق الأربعة نجوم كشبر وسميراميس القديم.. حيث كان يسهر المثقفون والكتاب وكبار الاعلاميين من مصر والعالم العربي وكانوا يجمعون المعلومات ويبلغونها الى مكتب فتحي الديب نائب رئيس جهاز المخابرات (13) يبدو أن المشهد فيه مبالغة؛ ولكن نزيد تأكيدا بأنها الحقيقة؛ لأن العَديد من الفنانين والمثقفين والمبدعين؛ انتهت حياتهم نهاية تراجيدية؛ منهم من توفي فقيرا ومعدما ومنهم من لم يجد حتى مصاريف الأدوية والعلاج : (مثال) / أمل طه /عدنان شلاش / فاضل جاسم /طالب القره غولي (العراق)/ العربي اليعقوبي/ عائد موهوب (المغرب) سعد الله ونوس/ نضال سيجري (سوريا) عبد الهادي القلة (تونس) أمين الهنيدى / عبد السلام النابلسى/ أحمد شحاتة / فاطمة رشدى/ عبد الفتاح القصرى / زينات صدقى عبد العزيز مكيوي / محمود مصطفى العقاد (مصر) وعلى ذكر العقاد؛ المثقف والمفكرالذي يعد نار على علم؛ عاش فقيرا ومات معدما؛ فكان في أغلب الأيام، لا يجد ما يأكله. مما اضُطر إلى بيع مكتبته مرتين، لكي يأكل فقط. ولاسيما أنه كان يرفض الاحسان من أصدقائه وتلامذته. لأنه كان ذا مواقف واضحة وخاصة مسألة الثورة المصرية؛ لأنه كان غير راضٍ عن خطابها السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي وبالتالي أصبح من خصومها؛ مبتعدا عن نشاطه السياسي الصاخب الذي قام به قبل العام 1952، واقتصر نشاطه على العمل الصحافي في الأدب والثقافة من خلال يومياته في جريدة "الأخبار" القاهرية (14) تلك ليست حالة نادرة بل مثله العديد من المبدعين والمثقفين من العالم العربي عاشوا حياة الضنك والحاجة ولازالوا؟

على سبيل الختم

وحتى لا نظل نلعب باللغة (هؤلاء) وغيرهم لم يكونوا بوقا أو في أحضان السلطة وخدامها؛ فلو كانوا كذلك؛ لما انتهوا بهذا الشكل الفظيع والمفجع أليس كذلك؟   مقابل هذا إن كان البعض منهم في أحضانها؛ وانتهى بهاته النهاية أوتلك ك (سعاد حسني) التي قتلت وهى لا تملك سوى بضعة جُنيهات إسترلينيه للعلاج ولنفقات المعيشة، بعد أن منعت الدولة عنها الإعانة المخصصة لها ولعلاجها. لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء بسبب إعلانها عن نشر كتاب كانت تعدّ له يكشف خفايا وعلاقات مع المخابرات المصرية ؟ يبقى قتلها لغزا كمقتل /سيد درويش / اسمهان/ يوسف السباعي/ميمي شكيب/ مصطفى نيازي/..../ ولكن جملة من الأقوال والملابسات والأحداث المركبة؛ تشير لحضور المخابرات في عملية القتل؛ ولدينا تصريح للفنان الكوميدي التونسي لطفي العبدلي، يؤكد بالقول علنا: إنه تلقى تهديدات بعْد انتقاده للإمارات وحكامها، موضحا بأن شخص تونسي يعمل لدى المخابرات الإماراتية حذره من ذكراسم الشيخ زايد (15) هذا مارس السخرية؛ كنوع من الكوميديا؛ في حق دولة ليست دولته وتلقى تهديدا بالقتل؛ فما بالنا من أفشى أسرارالجهاز متجاوزا عن قصد أو بدونه الخطوط الحمراء ؟؟؟

نجيب طلآل

..................

الإحالات:

1) قراءة في الوثائق المقرصنة عن المخابرات المغربية : ركن الحقيقة الضائعة لمصطفى العلوي بصحيفة الأسبوع الصحفي في 17/11/2014

2) صلاح نصر يتذكر: الثورة - المخابرات – النكسة لعبد الله إمام ص 149 دار الخيال القاهرة/1999

3) الوجھ الآخر..ل« إیھاب نافع » عن جريدة التحرير الإخباري في 01/09/2017

4) مخرج مسرحي معروف يتحدث عن علاقة أعماله بالمخابرات السورية دبي- العربية. نت في - 10 أبريل 2007

5) همام حوت .. قصة متسلّق من أحضان الأسد إلى أحضان جبهة النصرة: بقلم البيرق

نايمز- لموقع تويت بوك - في22 – مارس- 2016 -

6) كلمة حق في دريد لحام، وماهي قصة سقوطه مرتين؟ لطريف يوسف آغا- في  1/04/2013

7) الفنانة ليلى عوض صدَّقت دعوة دريد لحام بالرجوع فاعتقلتها المخابرات: بقلم جورج الشامي (دمشق) جريدة - صوت الإمارات–في 18/ 12/2013

8) نقلا عن الصحف المصرية :هل كانت الفنانة المغربية سميرة سعيد “ضحية” المخابرات المصرية؟ جريدة اليوم 24- في 19/04/2015

9) مذكرات اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر:ص 114- ط 3/1988    مؤسسة أمون الحديثة – القاهرة -

10)المخابرات والسيطرة على صناعة السينما في مصر: من مدونة الجزيرة لأحمد عبد القوي- في 18/11/2017

11) جمال فرفور : أنا ضابط بجهازالأمن والمخابرات الوطني- صحيفة الراكوبة  (أخبارالسودان) بتاريخ – 29/06/2014

12) أخي جمال فرفور: تمهل قليلا قبل أن تفتخر: بقلم طارق الأمين – صحيفة  الراكوبة (السودان) في - 07/06/ 2014

13) خلف الكواليس : مذكرات الفنانة المجهولة: موقع السينما المصرية نقلا عن مجلة الشاهد الكويتية في-28 يناير2016

14) لنتصفح كتاب العقاد بين اليمين واليسار- لرجاء النقاش (و) في ديوان العقاد- لأنيس منصور

15) المخابرات الإماراتية تهدد فنان تونسي بسبب سخريته من أبوظبي- جريدة الشعب نقلا عن قناة حنبعل في 9/01/2018

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم