صحيفة المثقف

تسلط جحافل مجهول النسب السياسي!

hamid taoulost2سأتوقف اليوم عند ظاهرة خطيرة، تعكس مدى الهبوط السياسي في الكثير من البلدان العربية، وهشاشة المنظومة القيمية للعملية السياسية بها، وتفضح غياب الروح الوطنية عنها،و التي انتشرت في الآونة الأخيرة  -وبالضبط بعد ما سمي بالربيع العربي - بطريقة مباشرة و دون تدرج واكتسحت جميع مؤسساتها الرسمية، وسرت بلا أعراض في مفاصلها وزواياها، كسريان السم في الجسد، فملأت علينا كل فضاءات حياتنا، حتى لم يعد أبسط المواطنين، لا إلى ذكاء أو خبرة لإكتشافها بيسر وسهولة،  وذلك لديوعها الفاضح والمفضوح في الساحة السياسية ودواليب الأحزاب ومركزياتها النقابية، والمتمثلة في احتلال المناصب القيادية في تسيير البلاد، من لدن أفواج مجهولي النسب السياسي، وجحافل النكرات السياسية المفتقدة للتعاطف والشعور بنداءات المظلومين والمقهورين، الذين أنتجتهم ديمقراطية العشائر وطوائفها المذهبية والسياسية والعقائدية، ورجال الدين ومنظومة وديهياتهم، ومبادئهم العقيدية والسياسية، وأبدعت مجاميع الطامحين في قيادة المجتمع والدولة - بلا خبرة أو ذربة، ولا انتماء وطني أو شعور بالمسؤوليات، وبدون شجرة نسب سياسي- في تطوير أساليب تطبيق أجنداتهم لتشويه الديمقراطية، واغتيال البناء العدالة الاجتماعية وتجريدهما من قيمهما ومبادئهما الإنسانية، وتبرير منزلقاتهم في التنكّر للثوابت، وسلخ المواطن من هويته ومشروعيته،  بإعتمادهم الكلي على الدين والمذهبية والعصبيات القبلية، للوصول إلى احتلال كراسي السياسة والامساك بمقاليد الأمور في الدولة بكل ملحقاتها من برلمان وحكومة، للتحكم في كل كبيرة وصغيرة والاستحواذ على ثروات الشعب المطمورة في مغارة الدولة، وتحويلها إلى حسابات خاصة، من خلال مشاريع وهمية وصفقات مريبة، تفترس بها مقدرات الشعب المقهور، وينهش لحمه، وتطحن عظامه، بعد أن "يضبعه" رجال السلطة خريجي الأحزاب الكارتونية مجهولة الجذور هي الأخرى، بأحدث أساليب "التضبيع والتكليخ" والأكثر فعالية وتأثيراً من بول الضبع، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:

الخطابات العاطفية الجياشة الزاخرة بالبكائيات والمظلومية المدغدغة للمشاعر الدينية، التي لا تؤسس إلا للخرافة واستبعاد العقل والمنطق، دون أن تنتج أية إضافة أو معرفة غير إزهاق الحق و نصر الباطل من أجل مصالح شخصية و أهواء ذاتية تؤدي إلى نشر الظلم واستغلال الشعوب والأفراد وامتصاص دمائها والتحكم بهم واستحمارها.

تبرئة مجهولي النسب السياسي والإعلامي، لأنفسهم وأتباعهم وأزلامهم وحلفائهم وكل من تربطهم بهم روابط طائفية أو قرابات عشائرية، من تهم الإنتهازية والتسلط والاستبداد القبلي والعشائري و السعي وراء السلطة وتحقيق المصالح الشخصية، عوض إرضاء الله أو العمل الصالح المقهورين   .

اظهار الطارئين على العمل السياسي والمتشبطين به، الذين لا وطنية لهم، على أنهم رموز وطنية، رغم أنهم لم يقدموا لشعبهم سوى الشعارات الجوفاء والوعود الكاذبة.

وفي حال ما شعر جيش مجهول الهوية، باستعصاء تضبيع الناس واستحمارهم بالعاطفة، أو أحسوا بفشل أساليبهم الجهنمية في التضبيع والتكليخ والاستحمار، فإنهم يلجأوا للعنف والتغالب وإستخدام أقصى ما يملكون من القوة بمختلف أشكالها و تنوع مسمياتها، التي تصل عندهم إلى تصفية كل من يقف في وجه مصالحهم، في الوقت الذي أضحت الدولة في أمس الحاجة إلى تنظيفها والأحزاب السياسية من الفاسدين الذين يعيشون فيها عصر المشاعية البدائية، وتخليصها من العقول المعطلة المقيدة بالمقدس والوهم والخرافة والجريمة المبررة والكذب الممنهج، والظلم والفجور المغلفين بالدين، وتغييرها بدماء وعقول جديدة وعقليات تساير متغيرات العصر، ومتطلباته على الصعيدين الوطني والدولي، خاصة وأنه لا تنقص بلادنا الولود، لا الرجالات الوطنية المخلصة النزيهة، ولا الأطر المقتدرة المستقيمة، ولا ذوي الكفاءات المتميزة والمقومات الذهنية العالية، ولنا العظة والعبرة في الخبرات المهاجرة، التي لا تقصر ولا تبخل بجهودها وقدراتها وخبراتها لإثبات الذات وتحقيق الذوات، والتي يتم الاعتماد عليها كليا في الكثير من بلاد المهجر - كنجاة بلقاسم على سبيل المثال لا الحصر.

فلماذا لا يُطبق ذلك في وطننا المعطاء، وبين أهلنا الكرام، وتُفتح الفرص واسعة ومتاحة بالعدل القائم على قيم المساواة التامة، لكل الطاقات القادرة على العطاء المبدع، التي يحقق الانتصارات والإنجازات التي تبني الأوطان قوية ليستظل تحت رايتها جميع أعضاء المجتمع، وتنعم فيها كل مكوناته بحياة رغدة، ويشعرون داخلها وخارجه بالانتماء إليها،  بدل الإستمرار في التدمير الممنهج للبلاد وتضييع ثرواتها وسرقة أموالها العام وإغراقها بالديون في أمور هامشية، كما هو الأمر الذي أصبح معتادا في مغربنا العزيز، ولدى الشخصيات السيكوباتية، التي ارغم أنها تبدو طبيعية إلا أنها تشكل خطورة شديدة على مجتمعاته، لأنها لا تتمتع بأي حس وطني وليس لديها أي وازع من ضمير .

إن شعبا كريما كالمغرب، قدم العديد من التضحيات و النضالات،  لخليق بأن يحظى بمسؤولين حكوميين ورؤساء أحزاب ومؤسسات تسيير شونه العامة، في مستوى تضحياته ونضالاته، معروفون بمواقفهم السياسية الثابتة، حزبيون كانوا بانتماءاتهم المتينة، أو مستقلين خاضوا معارك حقوقية وكفاحات نضالية من أجل الحريات العامة ومكافحة الفساد، وتحقيق دولة الحق والقانون، أقوياء بوطنيتهم، يتحملون مواقفهم بكل شجاعة وجرأة، يجتهدون لحل معضلات البلاد و التخفيف من معاناة العباد، حسب أجندة واضحة المعالم، وبرامج محسوبة المرامي تؤسس لتجربة سياسية حقيقية، تجلب الرخاء والنماء، وتكرس المكتسبات، بالنضال الصادق المستميت داخل المجالس المنتخبة وخارجها، بكل الطرق السلمية والمشروعة .

لقد حان الوقت للتوقف عند كثل هذه الظواهر المسيئة للوطن والمواطنين، والاستفاقة من حالة "التضبع" والاستحمار التي نغرق في مخدرها، وننبد مبدأ المثل الدارج "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس " الذي نؤمن به ونطبقه بحذافره، حتى نحفاظ على ما تبقى من وطننا، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تأتينا "تضبيعة" أقوى مما نحن فيه، لا تنفع بعدها استفاقة أو ندم.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم