صحيفة المثقف

هَالَةٌ وعَرُوسُ الْبَحْرِ والقُرْصَان قِصَّةٌ مُوَجَّهَةٌ للأطفال للأديب الطاهر يحياوي

1245 eljyaهي قصة موجهة للأطفال، تصدر قريبا في طبعتها الأولى عن دار الأوطان للنشر والثقافة والإعلام، استعمل فيها الكاتب الأسلوب الرمزي، وهي تدخل في إطار أدب "المقاومة"، ولكنه يتلاءم مع فئة من المجتمع وهم الأطفال، ومن يقرأ القصة يجدها في غاية الدقة والصدق، وتكاد أن تكون حقيقة، حيث تهدف إلى تربية النشء على حب الوطن والتضحية من أجله، وهذا يتطلب منهم التجنيد أكثر واليقظة لمنع أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد، وحمايتها من أي غزو مهما كان نوعه

فنحن هنا أمام إطلالة ترتقي بالطفل وتوجهه وتعلمه وتحقق له نوعاً من التوافق النفسي والتكامل الاجتماعي، حيث تناول الكاتب ظاهرة الاستعمار بدقة علمية، وبأسلوب يتلاءم ومستوى الطفل، وأعطى لقصته صبغة طفولية يفهمها الأطفال من أجل إيصال هدف معين لهم، و حتى لا تبقى قالبا جامدا، حيث يطرق العقل والراهن الأبواب بأسئلته عن دور المقاومة، وكيف يتبناها هذا الجيل في أوقات الانفراج والحصار والانحسار، وكيف يجترون بطولات الماضي والدور الذي قامت به الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار، وهي تسعى إلى تكثيف رؤية مستقبلية تحدد عملية الانتقال إلى المستقبل ليس على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية فقط، وإنما على الصعيد الفكري والثقافي، حتى يقترب هذا الجيل في سيرورته من الثوابت، ويهضم كل المفاهيم المتعلقة بالنضال والتحرر، وبالتالي التخلص من الاستعمار وبقاياه،  ولذلك فالدفاع عن الوطن مهمة أساسية لأبناء الأمة الواحدة، كما أن الحفاظ على الهوية الثقافية الذاتية ضروري، بل مطلب تنموي في ظل التحديات الراهنة، التي يسعى أصحابها إلى القيام بعمليات تزييف كبيرة لتاريخ الشعوب، ومسح الأدمغة وزرع فيها مفاهيم جديدة كتعبير عن الواقع الجديد.

القصة تدور أحداثها حول مقاومة الاستعمار، استخدم فيها الأديب الطاهر يحياوي أسماءً تناسب ميول الأطفال وعشقهم للحكايات حول القراصنة وعروس البحر وما شابه ذلك، فاختار القرصان وعروس البحر كأبطال لقصته التاريخية، فعروس البحر بشعورها بقدوم الغزاة لاذت بالفرار عبر الغابات والجبال لتختفي وراء جبل "الأوراس"، وهي إشارة منه إلى قدسية الثورة الجزائرية، أراد الكاتب أن يغرسها في أذهان الأطفال، ومن خلالها يتحقق التواصل بين الأجيال، كما أن القصة تدور أحداثها بمركب الصخر الأسود بمدينة العَوَّانَة ولاية جيجل وهي تروي أحداثا أبطالها ثلاثة وهم الطفلة هالة وهاني وعروس البحر، هذه الأخيرة (عروس البحر) كانت تقيم في هذا المركب السياحي الجميل، حيث تمت فيه تجربة لإقامة مزرعة استوائية كتجربة سياحية وفنية وأعطت نتائج مقبولة، ففي هذه المزرعة كل أشجار الفاكهة بمختلف الأنواع، وقد زادت المكان جمالا انعكس بهاؤها  في عيون الأطفال،  وقد وصفها الأديب الطاهر يحياوي بفردوس الجمال، بل وفَاتِنَةُ الشُّعرَاءِ، إذ نقرأ في القصة ما يلي: " أَرْضٌهَا مِسْكٌ ورِيحهَا عَنْبَرٌ، وَمِنْ تُرَابِهَا يَسْرِي النَّعِيمُ !!. مَدِينَةٌ يَمْتَزِجُ فِيهَا سِحْرُ الشَّاطِئِ، بِشمُوُخِ الْجِبَالِ، فَيَهَبُهَا انْدِهاشًا أبَدِيًّا، إِنَّهَا الْجَمَالُ يُطْبِقُ عَلَى الْجَمَالِ !!، وفِي عُيُونِهَا يَطْفُو الْبَحْرُ، وَفِي صَدْرِهَا يَسْكُنُ التَّارِيخُ، وَفِيهَا تَنْهَضَ مُدُنٌ تَرْحَلُ بِالنَّهَارِ، وَتَحُطُّ بِاللَّيْلِ، وَعَلَى شِفَاهِهَا يَتَغَنَّى الْجَمَالُ الْأبَدِيُّ !!، ثم يضيف فِي أرْضِهَا كُهُوفٌ عَجِيبَةٌ، وَمَغَارَاتٌ مُدْهِشَةٌ،وَأَنْفَاقُ سِرِّيَّةٌ، وَأَشْكَالُ صَخْرِيَّةٌ، عَلَى هَيْئَةِ الْإِنْسانِ وَالْحَيَوَانِ، تَهِمُّ بِالْحَرَكَةِ !!."

ولعل هذا المكان يشبه إلى حد ما بجزيرة البنائين التي تحدث عنها ابن بطوطة في رحلته الشهيرة، ثم يضيف: " فِي هَذِهِ الْأرْضِ الرَّائِعَةِ، نَشَأْتْ هَالَةٌ عَلَى شَاطِئِ الصَّخْرِ الْأَسْوَدِ، تُغَنِّي مَعَ نَوَارِسِ الْبَحْرِ، وتَلْعَبُ مَعَ الْأَطْفَالِ فِي رَوْعَةِ الشَّاطِئِ السَّاحِرَةِ، وتَقَضِي أَجْمَلَ الْأَوْقَاتِ فِي الْمَزْرَعَةِ الْاِسْتِوَائِيَّةِ، تُمَسِّحُ بِيَدَيْهَا النَّاعِمَتَيْنِ عَلَى بِطِّيخَةِ الْبَابَاِيِ الصَّفْرَاءِ الذَّهَبِيَّةِ وثِمارِ الْكِيوِي والْفَجْوَةِ والأَنَانَاسِ والْمَوْزِ، وكُلِّ الْفَوَاكِهِ المُشْتَهَاةِ الَّتِي تُزْهِرُ بِهَا الْمَزْرَعَةُ "، لكن قرصان البحر أعجبوا كثيرا بعروس البحر، وحاولوا اختطافها، وقرصان البحر في نظر الكاتب هي رمز للغزاة القادمين من وراء البحر، لكن عروس البحر كانت فطنة، إذ بشعورها بقدوم الغزاة لاذت بالفرار عبر الغابات والجبال لتختفي وراء جبل "الأوراس"، وهي إشارة منه إلى قدسية الثورة التي انطلقت من جبال الأوراس، وغرسها في أذهان الأطفال، كما تدخل القصة في إطار التواصل بين الأجيال .

وقد استخدم الكاتب الأسلوب الرمزي، بدليل أن الأطفال كما جاء في القصة لما علموا بغياب عروس البحر تجندوا جميعا، وشكلوا جيشا مقاوما لحماية شاطئ الصخر الأسود، وعروس البحر في الرمز هي الجزائر، وبالتالي فالقراصنة في القصة هم المستعمرون، حسب الكاتب فالجزائر مهددة باستعمار جديد، ولذا وجب على توعية الأطفال وغرس فيهم ثقافة المقاومة، حتى تبقى الجزائر محمية محصنة بهم عندما يكبرون ويصبحوا رجالا، ويصدون الغزو في كل صوره، عسكريا سياسيا أو ثقافيا، مهما كان الحصار ومهما كان نوع السلاح الذي يحملونه، وأن يكونوا في مستوى عظمة الشهداء، والحركة الوطنية التي تصدت لأقوى إمبراطورية في العالم، وأفشلت مخططاتها الإستعمارية، رغم ما قامت به من إغراءات، بحيث نقرأ في القصة على لسان الكاتب أن القراصنة لما فشلوا في ترويض عروس البحر عمدوا الى المكر والدهاء لإغرائها، فعروضا عليها المُلك، وكل ما تشتهي من مال وجاه، لكن عروس البحر كانت على يقين بأن الأرض هي العرض، ومن فرط في أرضه باع عرضه، وعموما فالذي يقرأ القصة يلاحظ حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وفق ما جاء في قرار الأمم المتحدة الحامل رقم 3034، حول النضال العادل للشعوب، والمتضمن الحق الراسخ لجميع الشعوب التي لا تزال تحت نير الاستعمار في الاستقلال وتقرير المصير، وأيدت الطابع الشرعي لنضالها، ومواجهتها لكل أنواع التطبيع.

بطاقة فنية: الأديب الطاهر يحياوي إعلامي جزائري، مختص في الأدب الجزائري، له أعمال فكرية، أدبية ونقدية، منها سلسلتان في أدب الأطفال، كما صدرت له 10 قصص للأطفال تحت عنوان حكايات لأطفال الجزائر، ويعد من أبرز مؤسسي رابطة إبداع الثقافية، التي شكلت جيلا شامخا من أدباء الحاضر، كما يعد مؤسس صفحة آتون، وآفاق الإبداعية نشرت في الصحف الوطنية (المجاهد الأسبوعي ويومية المساء)، وساهم في تكوين جيل أدبي من الشباب، وهو حاليا صاحب دار الأوطان للنشر والثقافة والإعلام.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم