صحيفة المثقف

أوركسرا: منجم فوق العادة أم داهية كل العصور؟!!

khalil ibrahimalheliوُلِد الطبيب والمُنَجِّم الأشهر في العالم ميشيل دي نوسترادام (أو “نوستراداموس” باللاتينية) في ديسمبر من عام 1503م بجنوب فرنسا.

وتعلَّم اللغات العبرية والإغريقية واللاتينية كما قام بدراسة مختلف علوم ما وراء الطبيعة والرياضيات بالإضافة إلى علم التنجيم الذي اعتمد عليه في التنبؤ بالمستقبل بحسب زعمه.

من أشهر أعماله كتابه المعروف عالميًا “النبوءات” الذي صدر عام 1555م وتضمن تنبؤاته بوقوع العديد من الأحداث الجِسام حول العالم في الفترة الزمنية الممتدة من وقت كتابتها وحتى نهاية العالم الذي توقَّع نوستراداموس له أن يكون عام 3797م، ولا يزال العالم – خاصةً العالم الغربي – يستقبل كل عامٍ جديد بالبحث في نبوءات نوستراداموس لذاك العام.

تنبؤات نوستراداموس… ما بين مؤيد ومعارض

برغم الصدى المُدَوِّي لتنبؤات نوستراداموس منذ وقت كتابتها وحتى اليوم واهتمام العالم بها وترقبه تحققها إلا أنها لم تقنع بعض الباحثين الذين شككوا في قدراته التنبؤية واعتبروه مجرد شخص شديد الذكاء وواسع الحيلة استطاع خداع الناس على مر العصور.

وارتكزوا في ادعائهم هذا إلى واقع أن جميع نبوءاته مُشَفَّرة؛ حيث تمت كتابتها في صيغة رباعيات شعرية غامضة يمكن تفسيرها على أكثر من وجه وتأويلها بعد حدوث أي حدثٍ جلل بما يطابقه؛ ومن ثمَّ الادعاء أنها صحيحة!

ويرى باحثون آخرون أن نبوءات نوستراداموس ما هي إلا إعادة صياغة لتنبؤات الكتاب المقدس وبعض الكتابات التكهنية وفقرات من أعمال مؤرخي العصور الوسطى وقدامى المؤرخين كالفيلسوف اليوناني بلوتارخ.

فيما يدافع مؤيدو صحة نبوءات نوستراداموس عنه موضحين أنه اضطر إلى التشويش على مقاصد نبوءاته خوفًا من أن يُتَّهَم من قِبَل محاكم التفتيش بممارسة السحر، كما أنه أدخل عليها كلمات من عدة لغات أخرى غير الفرنسية كاللاتينية واليونانية والإيطالية لنفس السبب.

كذلك فقد روجوا – بمساعدة الإعلام العالمي – لمسألة توقعه الكثير من الأحداث التاريخية الهامة مثل انطلاق الثورة الفرنسية وهزيمة نابليون واغتيال الأخوين كينيدي بالإضافة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ مما جعل منه أشهر متنبئ عرفه التاريخ!

118 khali

الأخوان كينيدي

ومن المهم التذكير هنا أن ما قد تحقق بالفعل من نبوءات نوستراداموس سواء وهو على قيد الحياة أو حتى بعد وفاته عام 1566 ليس بالقليل الذي يمكن تجاهله، ولعل من أبرز ما تنبأ به وتجسد على أرض الواقع:

مقتل الملك هنري الثّاني

تحدثت نبوءة لنوستراداموس عن شبل يهزم أسدًا في أرض المعركة وعن قيام الشبل بثقب عين الأسد مخترقًا قناعه الذهبي؛ مما يتسبب في موت الأسد ميتة مؤلمة.

وبالفعل تحققت هذه النبوءة بعد مرور ثلاث سنوات على كتابتها… حيث لقي هنري الثاني ملك فرنسا (الأسد) حتفه على يد نبيل ولاية مونتجمري الأصغر منه سنًا (الشبل) بعد مباراة مبارزة بينهما جرَّاء اختراق رمح النبيل لخوذة الملك واستقراره خلف العين ناحية المخ!

ميلاد هتلر

ذكر نوستراداموس في نبوءاته شخصًا يُدعى “هِستر”، فتوقع أن يولد غرب أوروبا – ألمانيا تحديدًا – لأبوين فقيرين وقال إنه سيستطيع إغواء جيشًا كبيرًا مستعينًا بمهارته الفائقة في الخطابة، كما أشار إلى أن شهرته ستمتد إلى الشرق لكنه سيُهزم في النهاية أمام العديد من الجيوش التي ستتحالف لمحاربته.

وقد كان ميلاد هتلر (المُشار إليه بهِستر في النبوءات) عام 1889 في ألمانيا لأبوين فقيرين واستطاع السيطرة على مقاليد الحكم في ألمانيا وجعلها مركزًا للأحداث عقب الحرب العالمية الأولى، وكما ذكر نوستراداموس تمامًا فقد عُرِف هتلر بخطاباته الحماسية، كذلك عقد هتلر تحالفًا مع الامبراطورية اليابانية ضمن ما يسمى بتحالف دول المحور، لكن في النهاية صدقت نبوءة نوستراداموس بهزيمته أمام قوات التحالف!

القنبلة الذرية

تنبا نوستراداموس بوقوع كارثة كبرى بمدينتين لم تر البشرية مثلها من قبل، حتى أن سكان تلكما المدينتين سيبكون تضرعًا إلى الله – سبحانه وتعالى – كي يكشف عنهم هذا البلاء.

ويُعتقد أنه كان يقصد كارثة قصف الولايات المتحدة الأمريكية لمدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين بقنبلتين ذريتين في أغسطس 1945، وما سببته تلك الكارثة الإنسانية والبيئية من عذاب لسكان المدينتين بسبب الانفجار المهول وما صاحبه من تسمم إشعاعي.

أما بالحديث عن توقعاته لعام 2016فمنها ما تحقق بالفعل ومنها ما لم يتحقق… وتشمل التوقعات التي تحققت توقعه ازدياد حدة التغيرات المناخية الخطيرة كالارتفاع الشديد في درجات حرارة الأرض وما ينتج عنه من اندلاع الحرائق بالكثير من الغابات حول العالم والذوبان التدريجي للقطب الشمالي وبالتالي تهديد ارتفاع منسوب المياه بابتلاع الكثير من المساحات اليابسة حول العالم.

أيضًا توقع نوستراداموس أن يشهد عام 2016 اختراع أداة تُمَكِّن شعوب العالم من التواصل متخطين حاجز اختلاف لغاتهم، وقد كان ابتكار سماعة الترجمة الفورية التي سبق وتناولها زميلي كريم سنوسي في إحدى مقالاته!

سماعة الترجمة الفورية تعيد إحياء برج بابل

وبالنسبة لنبوءات نوستراداموس التي جانبها الصواب – على الأقل حتى الآن – فمنها تنبؤه بثوران بركان فيزوف بإيطاليا وتسببه في مقتل الملايين بداية العام الجاري! وتوقعه إلغاء الضرائب نهائيًا في العالم الغربي نتيجة رفض الشعوب الغربية دفعها.

بركان فيزوف

أخيرًا سواء كنت من المتابعين والمصدقين لنبوءات نوستراداموس أو كنت ممن يرجحون كفة دهائه على حساب قدراته التنبؤية فلا شك أن هذا لن يغير شيئًا من عمق تأثير أعماله على الوجدان والفكر العالميين طوال تلك القرون مما يؤكد عبقريته على أي حال من الأحوال؛ لذا اخترت أن أختم المقال بالمزيد من الحقائق المدهشة عن حياة هذا العراف المثير للجدل…

# بينما كان نوستراداموس بإيطاليا مر براهبٍ شاب يدعى فيليس بريتي؛ فركع نوستراداموس أمامه بمجرد رؤيته قائلًا له “قداستكم” أي تنبأ بترسيمه بابا للفاتيكان، وقد تحققت هذه النبوءة عام 1585عندما أصبح هذا الراهب البابا سيكستوس الخامس!

- لم يفلح نوستراداموس الطبيب في إنقاذ زوجته وأبناءه من الموت بمرض الطاعون، كما لم يستطع المُنَجِّم الأشهر التنبؤ بهذه الكارثة التي أثرت سلبًا على مسيرته المهنية!

- في مساء اليوم الأول من شهر يوليو عام 1566 أخبر نوستراداموس مساعدته أنه لن يكون على قيد الحياة مع شروق شمس اليوم التالي، وبالفعل فقد وُجِدَ نوستراداموس ميتًا على الأرض بجانب سريره نهار اليوم الذي تلاه.

- من مؤلفات نوستراداموس أيضًا كتاب “رسالة في الغيبيات” الذي يحوي مجموعة وصفات لأكلات ذات فوائد علاجية لمقاومة الطاعون كما يتضمن طرق تصنيع بعض المنتجات التجميلية.

- كان كلٌ من نابليون بونابرت وهتلر قارئين جيدين لكتاب النبوءات لنوستراداموس، كذلك احتفظ الوزير الأول للملكة إليزابيث الأولى ملكة انجلترا بالكتاب في مكتبه كما توجد نسخة منه بمكتبة الفاتيكان.

- لجأ جوبلز وزير الإعلام والدعاية في حكومة هتلر النازية في أثناء الحرب العالمية الثانية إلى المُنَجِّم ’كرافت‘ كي ينشر نبوءات معاكسة لنبوءة نوستراداموس بهزيمة هتلر فيقضي بذلك على آمال الشعوب الأوروبية في هزيمة ألمانيا النازية، في حين كان ’كرافت‘ نفسه يقتبس من نبوءات نوستراداموس ويعيد صياغتها!

 

خليل ابراهيم الحلي – صحيفة المثقف

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم