صحيفة المثقف

لماذا تكرهين ريمارك.. رواية محمد علوان جبر دفق من سرديات الحب وسط الخراب

jamal alatabiتندرج رواية محمد علوان جبر (لماذا تكرهين ريمارك) الصادرة مؤخراً عن دارالحكمة، في سياق التعبير عن الفترة السبعينية ومابعدها من تاريخ العراق، فترة فقدان المثقف الملتزم ركائز إيمانه بالأحزاب والأيديولوجيا، وبالتالي فإنها تنتمي الى الفضاء التاريخي نفسه، فضاء إنكسار التجارب السياسية،وزمن الحروب والهزائم، في هذا الإطار يعالج محمدعلوان مادته الروائية من منظور حداثي يتشابك فيه الشكل الروائي مع المادة التعبيرية .

يلتقط محمد نماذجه كأبطال تراجيديين كاملي السمات، ينتمون الى ماض يعذبهم ويؤرقهم،عائلة نوري عبد العزيز، ثريا الوحيدة في البيت (الخرابة) في قطاع 18 من مدينة الثورة، بعد ان توفيت امها، برهان الهارب نحو بيروت بعد ان ضاق عليه الخناق، ورزاق هرسته مخالب الحرب، ونورية الشقيقة الأصغرالتي تتزوج من شامل .

إتجهت الرواية نحو بناء شخصيات متباينة الأبعاد والمكونات الإجتماعية والنفسية، والروائي مدعو الى خلق نوع من التعدد في الأصوات السردية الدالّة على تعدد الخطابات والمواقف . برهان التشكيلي الموظف في وزارة الثقافة، يُبعد الى وظيفة أخرى في مخازن للتجارة لسبب سياسي، يتعرف من خلالها على هالة، زميلته في العمل، مذاك بدأت العلاقة تتخذ منحى نحو الحب وتبادل الحديث عن الرواية، هالة أحبت رواية ريمارك (للحب وقت ...للموت وقت)، ولاتحب بشاعة الحرب، وتتابع بذهول ما يرويه عن صديقه أكرم عبد الرحمن السينمائي في لعبة الرسائل المتبادلة التي تتغزل فيها هاله بأكرم العاشق المزعوم، وهي في حقيقة الأمر موجهة لبرهان . قصة الحب بين الأثنين تختزن صدمات عديدة، شخصية برهان ربيبة إنشطارات حادة، يترك هالة وهما في ذروة الوجد، لتخوض تجربة زواجين فاشلين، ثم يلتقيان في بيروت ويعود مرة اخرى لبغداد بعد 2003، برهان نموذج لمأساة جيل حائر معذب .

كان اختيار الروائي لـ(ريمارك) كنقطة انطلاق فنية للاحداث هو المفتاح الرئيس الذي يمنح هذه الاحداث دلالاتها العامة . إذ توصف رواية ريمارك بانها رواية المتناقضات، فيها قدم وصفا مذهلا لأهوال الحرب ومشاهدها المروعة وعبثيتها، ووسط هذه العبثية ينمو الحب وتزدهر الحياة، ان ما أراد ان يتوصل اليه علوان هو ان لاواقعية العالم لايمكن نسبته مباشرة الى ما نسميه عبثاً، الواقع،وهو الظاهر من الحياة اليومية، والرواية لا تحقق جماليتها الا عندما يتمكن الروائي من تشييد عالم آخر يعيد بناء مكونات عبر اللغة والحلم والترميزوالإسترجاع، ولعل هذه هي بعض الملامح الفنية في كتابة الرواية، التي تبقى مفتوحة على كل الامكانات التقنية والجمالية .

اكرم يدفن ساقه المبتورة إثر حادث إنفجارفي حديقة منزله، يتفرغ لكتابة سيناريو فلم معتمدا ثيمة الفصول الاولى من رواية ريمارك كذلك، وجندي يفقد ساقه في الحرب، تنشأ علاقة بينه وبين زوجة أحد اصدقائه الموتى بعد ان تعطيه الطرف الصناعي العائد لزوجها، يقوده الطرف اخر الليل الى بيت الأرملة يقاسمها الفراش (من قصة قصيرة لمحمد علوان )، الكاتب يحرص هنا على تحطيم الإيهام بالواقع مدمجاً صوته ضمن الأصوات، فتغتني الحكاية وتتلون شخوصها بين الحقيقي والمتخيل، وكشف المشترك بين المتن والاستعارات، وهي ترتبط ببغداد وبيروت مكاناً، وبشخصيات يحملون سمات المدينتين، يتعرف برهان في بيروت على المخرجة السينمائية الفلسطينية الاصل سميرة اليعقوبي، التي تبادله الحب، وتتشوق لانتاج سيناريو يكتبه اكرم لفلم سينمائي مع زميلتها ندى بعلبكي .واكرم يعيش مرارت شخصياته التي يخلقها في سيناريوهاته، فشخصية مثل ناصر جواد، تطغى عليه يعيش معها، كأنها واقع يمر بتتابع عجيب منذ ان ترك رسالته لدى ثريا المرافقة لأكرم في المستشفى، للبحث عن عامر عدوان .

في الرواية حبكتان متداخلتان، الأولى قصة برهان وثريا واكرم وهالة، فيهما تلتقي ملامح جيل لم يحصد سوى الخيبة، أما الحبكة الثانية فتتمثل بسيناريو (القطاف المر) إذ تتفاعل فيه عناصر درامية عديدة تدفع بالاحداث نحو الغموض والمفاجآت، السيناريو يتابع المصير المفترض لحياة وممات رجل غامض وجد على ارض واقعية لكنها هشة اسمها ناصر جواد فالايام كفيلة بحسم المصائر والنهايات .السيناريو نص ثانٍ حاضر ومثير، لايقل إثارة بفعل ما يخلقه من احساس دائم بتوترالنص السردي .هو بنية نصية خاصة داخل النص الروائي لها موقعها الخاص في بناء النص ولها صوتها السردي المميز.القطاف المر يضطلع بتحويل الشفوي الى مكتوب، انه الذاكرة المكتوبة .

إختفت الشخصية المركزية في الرواية، فالكاتب نجح بوعي في توزيع الأدوار بعدالة بين الشخصيات الرئيسية، ثريا، برهان، اكرم، هالة، سميرة الى حد ما، الا انه ترك شخصياته الاخرى بلا مصير معروف : الطبيب يوسف (الذي يعمل في مستشفى رسمي يشرف الامريكان على بعض اجنحته)، كذلك خالدية، بنت الجيران التي قبّلها برهان اول قبلة ساخنة في حياته، والشقيقة نورية التي تزوجت من شامل، فظلت هذه الشخصيات هامشية، لم تسهم في احداث الرواية بفاعلية .

ورغم ذلك، يمكن القول ان الروائي قدّم دفقاً من السرديات، يستثيرفيها مخيلة القارىء ويحثها على استكمال ما بدأه السارد .

 

جمال العتّابي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم