صحيفة المثقف

المرأة والصنم (2)

najib tala2مُلحق السؤال: لقد طرحنا سابقا هل يحق للأديبة – خناثة بنونة – أن تكون (هي) الصوت والصدى لمجلة شروق؟    

هنا فمشروعية ملحق السؤال؛ تكمن في إدارة مجلة – شروق – إذ حسب ما هو معلوم فمديرتها كما هو مثبت [ربيعة بنونة] وفي التحرير [خناثة بنونة / غيتة بوزبع / بديعة ونيش] بمعنى أن الناطق الرسمي عمليا (مديرتها) ولكن هاته الأخيرة؛ ولا مقالة لها أو إسهاما (ما) ولكن أحببنا أم كرهنا؛ فهي وثقت اسمها في سجل التاريخ: لأن الحقيقة التاريخية ليست بسيطة ولا تبسيطية؛ وليست منطقية دوما: هناك حقائق لا تصدق بالنسبة للإحساس العام؛ إلا أنها الحقيقة؛ الحقيقة ليست سهلة؛ لأن الواقع والناس ومصائرهم ليست أشياء بسيطة، عدم أخذ تعْقيد الحياة بعين الاعتبار قد يعني فقط رفضا للحقيقة؛ من المؤكد أننا لا نستطيع الاكتفاء بوجهات النظر والآراء (1) وهذا ما وقع ويقع في المشهد الثقافي منذ أواسط الخمسينيات من القرن الماضي . مما تختلط الأوراق ويعُم الغموض في العديد من القضايا؛ منها: قضية أول امرأة تنال بطاقة الصحافة؛ كما راج في عِدة مواقع إخبارية؛ باسم (خناثة بنونة) فتلك البطاقة لم يناقشها أحد؛ وغيرموجودة في (..سيرة حياة في صور) إذ كان من باب الإنصاف أن تعطى لطاقم مجلة (شروق) وهذا مالم يحْدث؛ علما أن البطاقة تحمل تشطيبات فمن قام بذاك؟ تشطيب على [الصناعة التقليدية] وعلى التاريخ هَل [هو 1965 او 1967] مماأعطى تشويشا على معطياتها الحقيقية.

ففي صيف1965 إلى حدود 1967 هي مرحلة (الاستثناء) التي عاشها المغرب آنذاك فكانت الحكومة التاسعة والتي قادها الحسن الثاني؛ بحيث أسندت (وزارة الأنباء) لأحمد مجيد بنجلون . فتم حذف كل القطاعات التي كانت ملحقة بها؛ وبناء عليه: تلك البطاقة ممكن أنها سلمت مابين (1965/1967) مادام التاريخ مشطب عليه؛ وبالتالي ما هو مثبوت في البطاقة (وتصلح هذه البطاقة كجواز للحواجز) تكشف بشكل تلقائي الوضع الأمني الذي كانت عليه المرحلة؛ من حواجز ومراقبة أمنية صارمة؛ فمادامت الوزارة لم تعطيها صلاحية تسيير (المجلة) حتى تكون في مقام (إعلامية)فالبطاقة مسلمة من جريدة العلم وليس من وزارة الأنباء؛ ودليل ذلك التوقيع من لدن (أحمد زياد) صحفي معروف ونار على علم وقتئذ؛ إضافة أنها بطاقة موقتة (يجري بها العمل من 25 نونبر إلى 30 دجنبر)

هنا ليس هدفنا التشكيك في تاريخ الأديبة- خناثة بنونة- ولكن نسعى لفهم طبيعة الظروف المتحكمة في صنم الكتبة؛ هل الإرادة أم التعليمات أم السلطة السياسية والسلطة الحزبية ؟

مادامت – الأديبة - من ضمن الفعاليات التي كانت تتصدر المشهد الثقافي في الزمن الذي نحفر فيه الآن .فالبطاقة وإن كانت أمرا ثانويا في نظر البعْض.لأنها جَواز مرور ليس إلا. ورغم ذلك تكشف لنا بعض الجوانب الداعمة للأديبة (خناثة بنونة) وفي سياق المجلة والإعلام؛ بعْدما اتخذت منزل الأسرة مقرا للمجلة النسائية “شروق” والتي تولى والدها تمويلها. قدمت توضيحا في صيغة (اعتذار): في الوقت الذي سويت فيه أغلب الصعوبات؛ وأصبحت المجلة تحت الطبع؛ توصلت الآنسة خناثة بنونة؛ برسالة من وزارة التعليم؛ تمنعها فيها من تسيير المجلة كمديرة؛ وذلك بصفتها ملحقة بهاته الوزارة؛ مع أن غيرها يتمتع بهذا الحق... وبعد مساع غير مجدية؛ اضطرت أسرة المجلة إلى تعويضها بغيرها؛ وهذا ما زاد في تأخرها. لذا ؛ فنحن إذ نوضح هاته العراقيل الإضافية التي لم تكن في الحسبان؛ نتقدم بأجل اعْتذاراتنا إلى القراء.... (2)

فالاعتذار من شأنه يحمل قراءات متعددة: منها نوع من التخوف من – خناثة بنونة – باعتبارها نموذج العناد والمواجهة؛ لأنها كانت تصنف في الجناح الراديكالي لحزب الاستقلال (آنذاك)؛ وإن كانت تعلن دائما أنها خريجة المدرسة الوطنية، وابنة الزعيم: علال الفاسي في فكره، وكان بدوره يعتبرها كإحدى بناته؟ وهذا في حد ذاته؛ يعد سندا ماديا ومعنويا؛ والذي يجعلها تصرح حَسب قولها:كنت من أشد المعارضين في الساحة السياسية للملك الحسن الثاني، معارضة لسياسته الداخلية، وفي الوقت ذاته كنت معجبة به كثيرا، معجبه به كفنان وسياسي محنك وداهية، وفنان ذواق، كان نموذجا لا مثيل له في الساحة، ولكني كنت أختلف معه في سياسته الداخلية، لأنه كان ينقل له أشياء مغلوطة، دون أن يتقصى الحقائق (3) طبعا يمكن ان تصرح بمثل هذا القول؛ لأن السند موجود ونحن جميعا نعلم زمن (النار والرصاص) وبالتالي فذاك السند دعمها [معنويا/ ماديا] كطبع "النار والاختيار" سنة 1969 عن مطبعة الرسالة (التابعة ل: حزب الاستقلال) ولربما مسألة إبعادها من إدارة المجلة مرتبط بالوضع الاستثنائي الذي كان قبل وبعد تأسيس المجلة؛ وضع اتسم بالإضطرابات والصراعات بين القصر والمعارضة، هاته الأخيرة التي سعت بكل قواها وتحالفاتها محاولة إسقاط حكومة احمد ابا حنيني سنة 1964 وذلك عن طريق تقديم ملتمس للرقابة،الذي عقبته بشهورانتفاضة الدار؛ إثر مذكرة لمْ تلق قبولا في الوسط ألتلاميذي والتي فرضها وزير التعليم {يوسف بلعباس} مذكرة مشؤومة أشعلت نيران الفوضى في مختلف أنحاء المغرب فتطوّر الأمر إلى حد تهديد النظام .هذه الأحداث وجدت لها صدى في البرلمان المغربي، حيث طالب حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لكن الدولة رفضت السماح لها بالانتقال إلى الأماكن التي شهدت مواجهات عنيفة.وبعد ثلاثة أشهر من هَذه الأحْداث، تم الإعْلان عَن حالة الاستثناء في يونيو/ 1965 مما تعطلت الحياة السياسة بالكامل .إذن هناك وضع استثنائي؛ فكل حَركة مراقبة ومحسوبة أمنيا؛ ولاسيما الصحف والمجلات فكان النشر مغامرة خطيرة، لا يقدم عليها إلا من يملك الجُرأة والتحدي؛ نفس المغامرة،أقدمت عليها (مالكة العاصمي) على المستوى الفكري والإعلامي والثقافي والمالي في 1973 بإصدار جريدة ثم مجلة "الاختيار" التي تعد كعلامة وإنجاز تاريخي؛ في ظروف فرضت فيه الرقابة والتضييق على الصحافة. ورغم ذلك كانت نشيطة في مجال الكتابة الإبداعية والنقدية فعلى سبيل المثال نشرت قصيدة (بئرالصديد) وفي نفس العدد قدمت دراسة لديوان (الحُب مهزلة القرون) لأحمد عنيبة الحمري (4) وساهمت في تأسيس عدة جمعيات نسائية ثقافية اجتماعية وهيئات فكرية وإبداعية ومدنية ابتداء من سنة 1958 وتدبير وإقامة أنشطة متعددة؛ من جملتها تأسيس أول مهرجان ثقافي. وإثارة هذا له بابه في:

العُضوية:

بداهة عضوية (شخص ) في صنم الكتبة؛ مسألة عادية جدا؛ إذ كانت لها رمزيتها في زمن الفعل التلقائي ثقافيا وإبداعيا؛علما أن نسبة محْدودة من كانت تحترق بنار الإبداع والفكر؛ والقِلة من كانت تفكر الانخراط في (الاتحاد) لأسباب سياسية / حزبية أو ذاتية ولوْ أن العضوية كانت مفتوحة على كل حملة القلم وممارسي الثقافة. أوفاعلين ونشطاء في رحاب الفن والإبداع والطرب ! سواء أكان لديهم إنتاج أدبي وفكري أو لم يكن لديهم إلا بعض القصاصات في إحدى الصحف أو المجلات ؟ والنماذج كثيرة في هذا المضمار !لأن هذا المنظوركان سائدا قبل انهيار (الصنم) وتعطيل تفعيله وتنشيطه !! وانكماش منخرطيه وانسحاب أغلب أعضائه !

وفي هذا الشق؛ نجد دائما بأن العديد من الأقلام والأصوات تدون بأن – خناثة بنونة – هي الأولى في كل شيء؛ مثل ما يقال عنها هي أول عضوة في (الاتحاد) والحقيقة عكس ذلك؛ فعضويتها متزامنة بعضوية (العاصمي) سنة 1965؛ ولكن قبلهما (زبيدة بورحيل) سنة 1964. فهاته السيدة لم تنل حظها في الانتشار؛ بسبب انحصار الدعاية والإعلام لأطراف معينة؛ رغم أنها من الأوائل اللواتي مارسن الترجمة وتمكنت منها؛ وهي شابة في زمانها؛ من مواليد 1941 بمدينة القنيطرة:وبالعودة لمجلة آفاق كمنبر (الاتحاد) نجدها من النساء الأوائل الذين وقعن حضورهن بالفعل وليس بالقوة في موكب الرجال ففي سنة 1965قدمت إنجازا حول[ المؤتمر الأول للجامعيات العرب] وقراءة حول (آفاق في الميزان لتسيرإلى الأمام) في 1965 والوحيدة التي قدمت دراسة عن القصص المنشورة في مجلة آفاق سنة 1966 فطبيعي أنه كان بجانبها مبدعات ومناضلات من طينة نادرة جدا. ك (فاطمة الراوي) صاحبة رواية (لن تتبدل الأرض ) التي كتبت في الأصل سنة 1961 والتي تدور أحْداثها حَول الطبقة العاملة؛ ولاسيما أن الإهداء يكشف عَلانية ذلك [إلى الذين يزرعون ولا يحْصدون الى الطبقة العاملة المغربية] وكما أشرنا سلفا؛ بأنها نالت جائزة نقابة الاتحاد المغربي للشغل في 1967 وهاته – الأخت- بدورها غيبها الإعلام ولم يعد أحَد يعرف عَنها خبر هَل هي حية ترزق أم لا؟

لكن الجميل والمؤسف في آن؛ ففي مدينة خنيفرة سنة 2015 نظمت [جمعية الأنصار للثقافة] مسابقة عربية (في القصة القصيرة) دورة" فاطمة الراوي" لكن المؤسف ! لا وجود لورقة تعريفية لها (؟؟) وهاتة إشارة فقط؛ لتعْطينا تأكيدا بأن ليس (خناته بنونة) المرأة الوحيدة التي كانت في طليعة النساء اللواتي نافسن الرجل في معترك السياسة والأدب، ومنحن شيئا من الأنوثة لعالم مليء بالخشونة والزغب؛ طبعا حضورهن ليس بذاك الزخم الذي كان منوجدا في المشرق العربي ! ولكن هنالك مبرر في وقته ومن نفس الجنس يدلي بقوله: إنه يوجد هناك نفور فطري؛ جبلت عليه المرأة عندنا؛ وهو نفور من التآلف الاجتماعي؛ وذلك التآلف الذي يظهر يشكل جمعيات و هَيآت فيشكل مبادئ سياسية لها كِيان نسوي سليم وثابت حتى رئيسات الهيآت عِندنا لم يتخلصن من ذلك النفور الفطري... لا . فإنه لا توجد جمعية ولا هيئة نسوية واحدة في المغرب. إن المرأة في أرضنا لم تصل إلى ذلك المستوى من الثقة بالنفس التي تؤهلها للظهور كعضو كامل؛

يمكن أن يعمل وينتج ويقرر ويطبق ويقف على قدميه سواء في الميدان الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي نفسه (5) فحَسب فهمها أو وضعها النفسي والأسري؛ وحتى السياسي أدلت بذلك؛ لأنها غيبت من ذهنها؛ ولربما بشكل غير مقصود، مجهودات وعطاء نساء فاعلات حقيقة في الحقل الثقافي والسياسي: كمليكة الفاسي (مثلا ) كانت السباقة للنضال وللإبداع والتسيير الجمعوي فكانت: ضمن التنظيم سياسي، التي انضمت إلى تنظيم «الطائفة سنة 1930 ثم إلى كتلة العمل الوطني والحزب الوطني بعدها. إحدى المبادِرات وأهم المنشطات لهذا الفرع، كما كانت من أول الأقلام الصحفية النسائية التي كانت تكتب في جريدة الرأي، وكانت هي المرأة الوحيدة التي حظيت بشرف التوقيع على وثيقة الاستقلال، وهُوما يدل على وزنها وتأثيرها (6) دون أن نغفل انخراطها في التعاون الوطني الذي تأسس سنة 1957وأسست جمعية المواساة التي ترأستها سنة 1960 وكانت من بين مجموعة من الرائدات في إنشاء العصبة .ولا يمكن أن نغفل مبادرات (مالكة العاصمي) والتنظيمات النسائية ومساهمتها في تعبئة النساء، كتجربة [جمعية أخوات الصفا] التي كانت تابعة لحزب (الشورى والاستقلال) والتي تأسست بفاس سنة 1947 إذ استطاعت أن تؤسس فروعا في عدة مُدن مغربية؛ بحَيث: استمرت هذه الجمعية تتنامى وتتوسع طوال الأربعينات والخمسينات والستينات؛ وقدمت خدمات جليلة للنساء والفتيات بالمدن والقرى خاصة في الميادين الاجتماعية والثقافية؛ وكان لها دورمتميز في محاربة الأمية في الأوساط النسوية؛ ومساعدة التلميذات و حتى التلاميذ الفقراء على متابعة دروسهم والأخذ بيدهم إلى مستويات معرفية تمكنهم من العيش عيشة كريمة (7) وهاته الجمعية أو المنظمة التي ترأستها وطنيا [حبيبة جَسوس] نظمت خلالها عِدة مؤتمرات ولقاءات ودورات تهم بالأساس قضايا المرأة: كما تأسست بمدينة تطوان، الخاضعة للاستعمار الإسباني وقتئذ جمعية أخوات الصفا" كان من أهم أعضائها السيدة "عالية لوقاش" (8) وكذا [الاتحاد التقدمي للنساء المغربيات] في 1962تابع لنقابة الاتحاد المغربي للشغل؛ والذي أبان عَن قوته النسوية والنسائية حينما: عَبأ النساء للمشاركة بمسيرة ضخمة في شوارع الدار البيضاء في فاتح ماي لنفس السنة، ولأول مرة صيغت شعارات المطالبة بالمساواة على لافتات سارت وراءها أعداد هائلة من النساء بمختلف مشاربهن وانتماءاتهن الاجتماعية والاقتصادية وفئاتهن العمرية (9) و[الفرع النسائي] الذي تأسس في 1946 التابع لحزب الاستقلال. ففي سياق موضوعنا وزمان النبش فيه؛ لا يمكن أن نفرق بين النضال السياسي والنقابي والثقافي والحقوقي؛ لأن الوضعية النسائية في كل التنظيمات إبان الخمسينيات وما يليها من القرن الماضي؛ كانت متداخلة جدا؛ فمن الصعب الفصل بين تفعيل محو الأمية (مثلا) والمطالب الحقوقية والأسرية؛ رغم أنه: وصل الوعي النسائي مرحلة أصبح معه التقدم خطوات أخرى إلى الأمام، فاتخذ نضال المرأة المغربية لأول مرة شكلا منظما، فرض نفسه لعدة متغيرات على الساحة الوطنية، وتشكلت تنظيمات نسائية مثل جمعية" فتاة المغرب" بفاس و"الجمعية النسائية المغربية" بالدار البيضاء. وفي منطقة الشمال تمثل الفرْق الوحيد في كون النساء لم يكن بإمكانهن الاختلاط بالرجال، حيث لم يكن ذلك معمولا به بعد، ومن هنا جاءت ضرورة وضع بنية خاصة. وهُو فرع تشكل من نساء منحدرات من الطبقة البورجوازية الحضرية، خاصة المتعلمة منها (10) وهنا نستغرب حينما يتم الحديث

عن المرأة؛ يتغيب عن قصد أم لا ؟ العنصر النسوي الشمالي كفاعل في البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ فلو تم النبش الجاد والرصين في الذاكرة التاريخية لمنطقة الشمال سوف نجد العديد من النساء ساهمن بشكل كبير في الحركة النسائية الي جانب الرجال. رغم عَدم الاختلاط. مع العلم كان لهن حضورهن القوي في عدة واجهات؛ فبعضهن سبقن المرأة في المنطقة الفرنسية: حيث كانت البداية بالقطاع النسائي لحزب الإصلاح الوطني في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن الماضي، حيث عمل على إدماج المرأة في النضال الوطني مع الاهتمام بتعليمها وتأطيرها وكان هذا التأطير من خلال إنشاء مجموعة من الهيآت واللجان النسوية التي توجت فيما بعْد “بتأسيس تنظيم نسوي جامع، عَرف انطلاقته الرسمية سنة 1953 بمنزل عبدالخالق الطريس، أطلق عليه اسم “الاتحاد النسائي” (11) فهذا التنظيم لا يذكر؛ ربما لاختلاط الأوراق أو بناء على الوضعية السياسية التي كانت تعرفها المنطقة من صراعات بين حزب الإصلاح وحزب الوحدة المغربية (المكي الناصري) وبعدها (ربما)الدمج المريب وغير المفهوم بين حزب الإصلاح وحزب الاستقلال؟ و تلك الأوضاع بظلالها لم تحجب ظهور نسوة لهن مقامهن في المجال السياسي والثقافي؛ بحيث اخترن الكتابة والإبداع طريقا صعبا ك [ارحيمو المدني] التي ولدت في طنجة في 1921 وتوفيت في مدينة تطوان في 1984 وهي أول امرأة مغربية كتبت في الصحف (بجريدة الريف التطوانية في أكتوبر 1936) ونادت من خلال كتاباتها إلى تعليم المرأة: ...بمدرسة الزيتونة إلى 11 يوليوز 1958م وبعد هذا التاريخ غادرت مدينة طنجة وانتقلت إلى تطوان لتتولّى هناك إدارة مدرسة. وأثناء ذلك انتسبت إلى جامعة غرناطة ونالت إجازة في الآداب عام 1964 ثم عُيِّنت مديرة لمدرسة المصلى بتطوان وبقيت في هَذا المنصب إلى أن أُحيلت على التقاعد عام 1981 (12) مما يتبين أن للمرأة حضورا متميزا في وسط ومحيط تقليدي/ محافظ؛ وليس ببعيد أن [ارحيمو المدني] كانت عنصرا فاعلا في حزب الإصلاح الوطني؛ لأن أغلب الدراسات حولها؛ لا تثير هذا الجانب الانتمائي؛ ولكن يستنج من خلال أنها: كتبت عدة «مقالات تدور حول تحْرير المرأة .. وكانت حياتها حافلة بالنضال في مجالات التربية الوطنية. أسّست عِدّة جمعيات نسوية، اجتماعية ووطنية، في كل من تطوان وطنجة.. وشاركت في انتخابات المجالس الجماعية لسنة 1976 (13) هنا لا يضاهي هاته السيدة إلا الأديبة [شمس الضحى بوزيد] التي ازدادت بطنجة 1920 ونالت شهادتها من المعهد الحُر بتطوان؛ ففي1945 شرعت في تعليم الفتيات، بمجهود فردي وبدون مقابل مادي. بعْدما أنشأت مدرسة في منزل عائلتها بحي وادي أحرضان من طنجة القديمة: هذه المؤسسة أنشأتها سيدة من فُضليات نساء طنجة، كانت على جانب من الوعي والثقافة العامّة، وأرادت أن تساهم في نشر الوعي بين بنات جنسها ومحاربة الأمية بينهن، فتطوّعت بفتح منزلها في المدينة القديمة لاستقبال النساء والفتيات، وكانت فصول الدراسة عندها لا تقتصر على تعليم القراءة والكتابة فقط بل وكذلك التوعية السياسية وخدمة مشاريع الحركة الوطنية، ومارست عملها هذا في مستهل خمسينيات القرن الماضي لكنها لم تستمر طويلا لظروف سياسية عاقتها دون مواصلة العمل الهادف الهادئ (14) فرغم عدم إتمام ما خططت له السيدة (شمس الضحى) لكنها استطاعت أن يتخرج على يديها أفواج لابأس بها من الفتيات؛ مما ذاع اسمها الذي ساهَم في اختيارها من

لدن عِدة مؤسسات تعليمية؛ لكن ففي1952 التحقت بمدرسة البنات العربية بالقصبة، وهي مؤسّسة رسمية، وعُيِّنت بها أستاذة للغة العربية.من هنا نسجت علاقات نسائية متعددة؛ أكثر أوتوازي علاقتها بالأخت (أمينة اللَّوة) أو بالأميرة (فاطمة الزهراء) بنت السلطان عَبدالعزيز؛ وبالتالي فإلى جانب التدريس؛ انخرطت في عالم الكتابة والإعلام إذ: خلّفت الأديبة شمس الضحى بوزيد عَددا من المقالات الأدبية، لا نعرف منها الآن إلا بعْض ما كانت تنشره لها الجرائد والمجلات المغربية الوطنية في عهد «الحماية». ويُذْكَرأنها كانت من أُولى كاتبات جريدة «العَلَم» منذ ولادتها عام 1947م، فَلَمَّا تَقَرّر لدى إدارة هذه الجريدة أهمية تخصيص زاوية للمرأة، «عهدت هذه الزاوية في البداية للسيدة شمس الضحى البوزيدي التي كانت تُوَقِّعُ مقالاتها ب «أم البنين» تيمّنا بأم البنين التي أسّست جامعة القرويين بفاس» وفي عدد 16 مارس 1947 نشرت «العَلَم» مقالا لشمس الضحى بوزيد «تنتقد فيه أعمال الدّجل والشّعوذة التي تتعرّض لها نساء فاس قصد ابتزاز أموالهن (15) وهاته إطلالة سريعة على نموذجين من نساء الشمال؛ ويمكن أن نضيف نموذجا من نوع خاص: نجد السيدة (فَامَة الحُمراني) التي كانت تكتب قصصا أدبية ومقالات حول تعليم الفتاة والنهوض بها إلى مستويات عُلْيَا من الوَعْي والتّقدم. باللغة الفرنسية والعربية . مقابل هذا هنالك أسماء توازنهن عطاء إبداعيا وفعالية نضالية /كآمنة الحاج ناصر/عائشة كنون/ خديجة لحلوح/ لطيفة اسكيرج/ لينة بنجلون/ أمينة السوسي/.../ آسية الهاشمي البلغيثي/ هاته الأخيرة الوحيدة من شمال المغرب؛ كانت منخرطة في (الاتحاد) عَقد الستينيات من القرن الماضي؟ وفي هذا الإطار؛ نحتاج إلى دراسة سياسية وسوسيولوجية عَن غياب المرأة الشمالية كمنخرطة / عُضوة - في (اتحاد كتاب المغرب) وفي نفس الاتجاه؛ لماذا يعتبرون – الأديبة (بنونة) أول منخرطة فيه ؟ سؤال نتركه (الآن) لأن هناك مجايليين لها من نساء المغرب كان لهن موقعهن الثقافي والفكري؛ و سبقن – خناثة بنونة للمشهد الإبداعي والثقافي؛ حتى أن بعضهن شاركن في: مؤتمر نساء المغرب العربي1966: بغتة؛ أعلن عن أسماء الوفد المغربي المشارك في هَذا المؤتمر؛ لا شيء أعلن قبل؛ ولا شيء أعلن بعْد؛ فالوفد ذهب بشكل ارتجالي... ومع ذلك كنا نود أن يعلن عن دوره بعْد أن أتى؛ حتى تعرف المرأة المغربية ماذا فعل الوفد الذي مثلها؛ وأي دور كان دوره... وما هي النتائج التي تبررحضوره (16) هذا موضوع له أبعاده الشخصية والسياسية؛ أكثر مما يحمل بعدا ثقافيا فكريا ؟ لكن في إطار انوجاد المرأة عمليا في معمعان النسيج الثقافي والإبداعي؛ لم يملكن عضوية ولا انخراطا في (الاتحاد) وقتئذ؟ إذ انضمت رفيقة الطبيعة إلى اتحاد كتاب المغرب في 1968و (زهور الأزرق) في سنة1976 و (حبيبة محمد البورقادي) سنة 1973و (ثريا السقاط) التي ولدت في 1935 بفاس. توفيت سنة 1992.التحقت باتحاد 1990 علما أن هاته المرأة الفاضلة كانت مبدعة لقصص الأطفال وغيرها ومهْووسة بالقضية الفلسطينية. فبعد حصار بيروت سنة 1982 التقت بالقائد الفلسطيني ياسر عرفات في مؤتمر للأممية الاشتراكية باليونان، كما التقت بزوجة رمز الانتفاضة الفلسطينية الشهيد خليل الوزير (أبوجهاد) عند زيارتها للمغرب في منتصف الثمانينات .وانتخبت عضوة الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات أواخر السبعينات.

إذن السؤال الجوهري: هل أغلبية نساء المغرب كُن مقصيات ؟ أم التأشير الحِزبي لم يصل إليهن بعْد حتى يصبحن عضوات في (الاتحاد)؟ أم كن عفيفات أكثرمن العفة ؟ أم: اكتفى الرجل بالمعارك السياسية لحد الآن... وانشغل عن باقي الواجهات الأخرى حتى وصل الوضع إلى ما نحن عليه.. من انحلال؛ وتدهور؛ وانهيار لمقوماتنا وحتى أصبحنا ونحن في حيرة ما نحن فيه... مما يتهددنا باسم الحضارة المجلوبة؛ والتطور المكشوف (17)

 

نجيب طلال

.........................

الإحالات

1) الحرب القذرة لحبيب سويدية ترجمة روز مخلوف ص 12 – ط1/2003 ورد للطباعة– دمشق/ سوري

2) مجلة شروق السنة الأولى 1965عدد الأول / ص 33

3) الكاتبة المغربية – خناثة بنونة- لشرفات: أنا مناضلة سياسية لا أشبه أحدا عن مدونة الأخبار لندى العلوي نقلا عن جريدة شرفات حوار لمحمد الحضرمي في22/09/2014

4) انظر مجلة آفاق ص35 وص77 ع 1/ يناير1969

5) نساؤنا: مادة خام تفتقر إلى الثقة...رسالة مفتوحة للكاتبة:رفيقة الطبيعة لمجلة شروق- ص 27 - عدد الأول/ 1965

6) المرأة المغربية من المقاومة المسلحة إلى النضال السياسي من أجل الاستقلال (ج 2) لنضار الأندلسي – منظمة التجديد الطلابي 30/01/ 2014 –

7) أخوات الصفا الحركة النسوية الشورية للحاج أحمد معْنينو- ص6 منشورات مؤسسة محمد حسن الوزاني ط1/1996

8) المرأة المغربية من المقاومة المسلحة إلى النضال السياسي من أجل الاستقلال (ج 2) لنضار الأندلسي – منظمة التجديد الطلابي 30/01/ 2014 –

9) تاريخ الحركة النسائية المغربية في علاقتها بمدونة الأسرة - مؤسسة يطو – المغرب- الحوار المتمدن-العدد: 1131 في 08/03/ 2005 /

10) المرأة المغربية (ج 2) لنضار الأندلسي - منظمة التجديد الطلابي في- 30/01/ 2014

11) الحركة النسائية في المغرب المعاصر: لجميلة المصلي ص 73 مركز الجزيرة للدراسات /2013

12) ترجمة ارحيمو المدني:لزبيدة الورياغلي - في: جريدة طنجة عدد 3601 11/09/2010

13) دليل المرأة المغربية لعبد الحق المريني ص-124 دار نشر المعرفة / 1993

14) من أعلام طنجة لعبد الصمد العشّاب - ص434/435 منشورات جريدة طنجة/2009

15) انظر (ص32) كتاب «العَلَم» بمناسبة 50 عاما على صُدورها عدد خاص رقم: 16938 في/ 11/09/ 1996

16) مجلة شروق ع 3 /1966 ص 22

17) وهُزِّي: لزين العابدين الكتاني مجلة شروق السنة الأولى 1965عدد الأول / ص32

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم