صحيفة المثقف

تطرف المفسرين وأغاليط الرواة (1)

sardar mohamad2بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

وجد بعض المفسرين وناقلي القصص والأشعار ومؤلفي الحكايات الخيالية ومبدعي الروايات الخرافيّة والأوهام في فكرالحضارات الأولى وإبداعاتها وفي تكوين المجتمع المدني المتحضر علماً وفناً وأدباً والكتابة وتدوين وتوثيق ما وصل إليه من حقائق على ما استنتجه واكتشفه وايضاً ما اخترعه وكان للفكر الديني الديني الوثني والمشرك على وفق مانعتقد والمسطّر في الملاحم وما أخذ منها لاسيما الفكر التوراتي الذي بين أيدينا أقول وجدوا مجالاً خصباً لبث أفكارهم وإدعاتهم الباطلة متناسين أن نشوء الدين أساساً كان نتيجة الوعي الجمعي لتلك المجتمعات،فاتخذوا الدين الآلهي غطاء لما يأتون به وحماية لتخرصاتهم وهؤلاء عامة أزعم أنهم رواة في أقوالهم بهتان لا حجة عليها ولادليل مادي أوغيبي.

واستغل هؤلاء القوم سذاجة بعض الناس وضعفهم المعاشي الدنيوي وقلة معلوماتهم ومعرفتهم فدغدغوا المشاعروعزفوا على وترالعواطف،فملأوا بطون الكتب بترهات الكلام الذي ما أنزل الله به من سلطان، ووظفوا قدراتهم في النحو والصرف والبلاغة في التفسير الذي لايفهمه أغلب الناس فهذا منصوب وهذا مجرور وهذا بدل وذاك نعت وهذه استثنائية وهذا ضمير وتبع كل هذا بعبارة والله أعلم، ولم تكن غاية الدين هذه ولم يأت الإسلام للعرب وحدهم بل الخاصة من العرب وبدلاً من أن يكون سهلاً واضحاً للناس جميعاً أسرفوا في التعميّة حتى أن بعض الناس كرهه واستصعبه وخفي عنه وبذلك فإن هؤلاء الكتبة قد منعوا دين الله عن البسطاء من الخلق وحتى يقول الناس عنهم هم العلماء والعارفون وبحجة أنهم الراسخون علماً، وخلت رواياتهم من المنطق والتحليل والإستنتاج إلا فيما ندر،واكتفائهم بالطريقة الإخبارية ولذلك تقرأ كثرة العنعنة (فلان عن فلان عن فلان وهلم جرّاً، وفلان ثقة وفلان كذاب وفلان لا وجود له) واذا كان ثمة معترض أومتنوريدحض أقاويلهم ويسفهها فالتهمة تكون جاهزة تحت غطاء الدين فيوصف بالإلحاد والكفرالبواح .

وزادوا ذلك بأن حشروا أنفسهم بالعلم المادي حتى مر وقت كشف العلم عن هناته وخطأه دون خوف أو وجل وهذا ديدن العلم لا يقدس نفسه ولا يعتريه ثبات وجمود ولا يخشى اسم عالم مهما كان، أقول كشف العلم طرفاً من ستارالكون العظيم فإذا بهم يشدهون، فما كان منهم إلا أن يبحثوا عن التبريرات المضحكة فكانوا كمن يتسلق السلّم بالعرض .

ووجدت أن الوقت قد أزف لتبيان وتوضيح ما أسميته الأكاذيب والأغاليط فكان هذا الجهد المتواضع وآمل التوفيق من الواحد الأحد به أستعين و على نهج نبيّه الكريم أسير .

تعمدت أن لا أطيل الشرح في مواضع بيّنة فلا أجد حاجة للحشو وترهل العبارات كذلك حاولت النأي عن الألفاظ النابية والبذيئة تعففاً بوضع نقاط بدلاً من فاحش الكلمات ولو أنها وردت في المصادر والمراجع صريحة والتي سأشير إليها .

وقد نأى بعض الرواة والمفسرين والمؤرخين خوفاً من شطط أو زلل فيقعون في مثلبة الكفر أوالإلحاد فيخسرون رضا الله تعالى ورضا الناس لا سيما من هو متطرف لايحب أن يسمع ويحب أن يسمعه الناس فقط ويمدح ويثنى عليه ويقولون نعم لكل ما يتفوه به فكفر من حيث لا يعي إذ أسبغ القدسيّة على قوله، وهذه القدسية أدت إلى تكميم الأفواه وسجن العقول إلا من انتفض عليها واتخذ نهجاً خاصاً به مع مراعاة المؤسسة الدينيّة التي صنع هيكلها هؤلاء الرواة والكتبة في الظاهر ومخالفتها في الباطن ولنا في الإمبراطوريتين الأمويّة والعباسيّة خير دليل مع تناقض أفكارهما .

ولا خشية لي في بثي ما أعتقد فإن الله عزّ وجل عليم بالقلوب،

سر أي نفس لا يخفى على الخالق فلا يخفى عليه تعالى لا باطن ولا ظاهر

دار الإنسان الخالدة كائنة في الآخرة لا هنا وهذا ما يدعو المومن به تعالى أن يتحفظ في سلوكه وتصرفاته وحتى في كلامه وإني إذ أخلت نفسي مُدخلا صعباً فإني أرجوه مُخرجاً سهلاً .

لذا قررت التصدي لهذا الموضوع الشائك الذي ليس لدينا دلائل مادية كافية للإستناد عليها كما أن للمُعتَرض عليهم لا أدلة لهم ماديّة وجل أدلتهم كلاميّة وأحاديث وهم للحق والواقع بارعون في اللغة وفي اقناع كثير من المتعلمين وغير المتعلمين وكان لا بد الحذر من الوقوع فيما يبتعد عن الحقيقة والواقع فيصير بمستوى ما أنا أعيب عليه .وفي آخر حديثي لابد من التأكيد على أن مقالاتي وحديثي هو ليس تفسير للكتب السماويّة إنما تفسيرات لأقوال الرواة والكتبة .

فصل 1

أقول : نحن كمسلمين نؤمن بكتاب الله العزيز فنؤمن بما جاء فيه لأنه قول الباري عز وجل وليس قول عبد، لذلك نؤمن ببدء الخليقة الحاليّة بآدم عليه السلام ومن بعده حواء، أي أن أول آدميين خُلقا لهذة الحقبة من الزمن ومنهم أتينا هم الذكر والأنثى أدم وحواء ومن ثم بدأ التكاثر حتى نشأت المجتمعات، لكن لاأحد يلزمنا بما تحدث به الرواة والكتبة مما لا دليل عليه لا مادي ولا غيبي .

وفي خلق آدم عليه السلام كما ورد في القرآن الكريم تعن جملة تساؤلات تصدى المفسرون لتفسيرها، ولنأت عليها بعد ذكر الآية الكريمة :

"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون " البقرة 30

وقال في الحجر 28

" وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون "

وقال تعالى في ص 71 " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين "

وفي هذه الآيات الكريمات قيل الكثيرفيما يؤثر في مشاعر الناس ولم يفسر أحد مثلاً لماذا أخبر تعالى الملائكة بأمرجعل خلائف في الأرض هل أن تعالى سبحانه إذا قرر جعل شيء في الكون يخبر الملائكة به .

أما التفكير في قوله تعالى " جاعل " وليس خالق في الأرض خليفة، ولوأن الجعالة كما حكاه الزجاج " إنّا جعلناه قرآناً عربياً " الزخرف 3

معناه إنا بيناه وصيّرناه "

"وجعلني نبيّا " مريم 30

تعني وصيّرني .

ويبقى السؤال قائم، فسبحانه وتعالى خلق آدم عليه السلام لا محالة ولا شك ولكن القول الرباني ( خالق و جاعل ) هل تعني أنه الخلق والجعل الأول ؟ ماذا تفهم من قول أحدهم ( إني ذاهب للجامع ) هل تفهم أنها المرة الأولى ؟ بالتأكيد لا.

وقال المفسرون أن تعالى خلق قبل أدم الجن وليس بشراً وما الكفر لو قلنا أنه خلق أجيالاً من البشروعصوراً سادت وبادت فأمر تعالى أن تزول فزالت، ألم يحدث الطوفان في عصر نوح عليه السلام والمدة بينه وبين أبونا آدم قصيرة تاريخياً ثم أن الله عز وجل وهو العالم بكل شيء يعلم آوان التغيير أو التدمير وأسبابه ومثال ذلك

" وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا ...." الأعراف 4

و " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " الحجر 4

وكذلك في الأنعام 123 وفي الإسراء 58

اظن أن لا غبار على التدين ولا مساس بالدين في تدبر القرآن الكريم والتفكير فيما فُسر وروي وكُتب فليس الكتبة والرواة والمفسرون ذوو قدسيّة .

هل يجدر بنا نصدق أن الملائكة عرفت أن البشرسيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء من الجن الذين فسدوا فيما سبق آدم عليه السلام وقاسوا على ذلك، بمعنى أن القياس تم بين جن وبشر وليس جن وجن أو بشر وبشر ولماذا لا يكون هذا ؟ وثمة أمر آخر هل نصدق حادثة أنهم طردوا إلى موضع مجهول هو ( جزر البحور ) .

لقد اكتشف العلم أن ثمة عصور جليدية أنهت الحياة على الأرض كما اكتشف وجود جماجم تسبق خلق آدم عليه السلام بقرون .

المدة الفاصلة بين خلق آدم ونشوء المجتمعات والحضارات وهو مانأى عنه المؤرخون من المسلمين والنصارى لكن الفكر اليهودي هو الذي حاول توضيحه،لينشأ مجتمع من شخصين فقط،كم ألف سنة تمر حتى ينشأ ؟، وسؤال آخر يفرض نفسه هو تفرق أو توزع هذه المجتمعات على اصقاع مختلفة من الأرض،

وإذا كنا نريد أن نصدق أن آدم على وفق الروايات أهبط في أرض الهند ( وهناك اختلاف في معنى الهبوط والنزول ) وحواء في الجزيرة العربية وهي ما لا دليل عليه فإننا سوف نصل إلى قناعة أن المجتمع الأول قد نشأ في الجزيرة وبهذا لابد من تفسير عن كيفية انتقال المجتمعات إلى مناطق متفرقة من الأرض وعلى هذا فإن ما جاء في العهد القديم أقرب للصحة وإن جعل من أعمار المواليد مئات السنين لكي يبرر نشوء المجتمعات مثال ذلك أن الأبن " شيث " مات وعمره قرابة القرن وابنه المسمى " أنوش " كذلك وبعده " فينان" كذلك وهكذا كل ولد يعيش قرابة قرن فتنشأ على مدى قرون المجتمعات ( راجع سفر التكوين الإصحاح الخامس ) حتى يصل في تفصيله إلى النبي نوح عليه السلام وحصول الطوفان ويغفل التوراة عن العصور المختلقة التي أحدقت بالمجتمعات البائدة وربما أن الرواة غير مطلعين أو عارفين بالعصور الجليدية مثلاً، ومما زعمه كتاب العهد القديم الذي بين أيدينا أن أمد السنين بين آدم وبين طوفان نوح عليهما السلام هو

ايام آدم هي 980 سنة

وابنه شيث هي 912 سنة

وابنه أنوش هي 905سنين

وابنه فينان هي 910 سنين

وابنه مهللئيل هي 895 سنة

وابنه يارد هي 962 سنة

وابنه أخنوخ وهي 365 سنة لأنه سار مع الله

وابنه متوشالح وهي 969 سنة

وابنه لامك وهي 777 سنة

وابنه نوح وهي 950 سنة

ومن احفاده نمرودالجبار الذي ابتدأ ملكه ببابل ومن الأرض خرج اشور وبنو نينوى

وولد لنوح ثلاثة ابناء هم ساما وحاما ويافث

ومع هذا التقريب التوراتي لتعاقب البشر بعد الخلق الأول لكن الثابت عن التوراة أنها كتبت بعد نشوء حضارة وادي الرافدين ووردت فيها ما يدل على ذلك .

فصل 2

ما روي في سورة الفاتحة

" أهدنا الصراط المستقيم " الفاتحة 6

الصراط هو الطريق السّوي الذي يسلكه الفرد فيؤمن بوحدانية الخالق وبملائكته ورسله وبالغيب ويسير على هدى وشعائر الإسلام وإداء مناسكه فالذي لايكذب ولا يسرق ولا يزني وينأى عن الفحشاء والظلم ويحفظ دماء الناس ويصون الحرمات ويبث المودة والرحمة وبالمحصلة يؤدي كل ما أمر الله ويبتعد عمّا نهى عنه فهو على الصراط سائر

وقال تعالى في طه 135

" .... فستعلمون من أصحاب الصراط السوي "

وهنا وصف بالسوي وليس المستقيم وهو مايؤكد ما ذكرت

وفي ص 22

قال تعالى " وأهدنا إلى سواء السراط .. "

وفي المؤمنون 74 " وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون "

أي حائدون عن الطريق السوي .

ومما يؤكد ذلك بلا شك ما ورد من قول على لسان الشيطان الرجيم في الأعراف 16

" قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم "

في هذه الآية الكريمة حسم للأمر فذكرت الغواية وقال الشيطان : أنه سيقعد لهم صراط تعالى فماذا قصد الشيطان بالقعود ؟ أليس هو محاولة حرف الناس عن الهداية واغوائهم لسلوك طريق ما نهى الله عنه .

أن اعطاء صورة ماديّة مجسدة لتعبير مجازي لا يضيف شيئاً ولا يمنع شيئاً، فوصف الصراط بأنه طريق رفيع كالخيط وحاد كسكين ذرب ومن يجتازة يصل الجنة ومن تزل قدمه يسقط في جهنم هو من الروايات التي لا حاجة للإسلام بها ولا تزيده كبراً وعظمة بل تجعل العقلاء يسخرون منه .وقوله تعالى " أنعمت " وليس "سأنعم "عليهم دليل أنه في الدنيا وليس في الآخرة كطريق رفيع بل هو الطريق والنهج السوي في الدنيا بالتزام ما أمر به الله وتجنب ما نهى عنه .

 

سردار محمد سعيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم