صحيفة المثقف

نَشوة الصمت في اليوم العالمي للمسرح !

najib tala2تحية صادقة لكل قارئ:

في سياق اليوم العالمي للمسرح؛ هل حقا يحلو أن يكون الصمت؛ سيدا من سادة الموقف؛ و سلطان زمانه؛ يسود ويتحكم في ضمائرنا وحناجرنا وأقلامنا؟ ممكن لأنه قيل لقوم الجنوب : أن الصمت حكمة عند العقلاء واللامبالاة فضيلة عند الدهماء ! أما الكلام جريمة؛ بالتأكيد جريمة نكْراء؛ في عهد الجاهلية الثالثة!

ولكن بما يتميز الإنسان بالصمت أم الكلام؟ يَا لَه مِن سؤال في قِمة البلادة؛هكذا سيعتقد البعض أليس كذلك؟ لنترك اعتقادهم في محراب الخمارات؛ التي تعج بالضوضاء والغوغاء والضجيج؛ المُقلق لديونيزوس؟ أما أصحاب الهجرة؛ هنا وهناك فأطروحتهم تعلن بأن الإنسان يتميز بالصمت حتى لا يصاب بمكروه الميكروبات المنتشرة في كل الأمكنة والفضاءات؛ لأن الصمت هُنا أولى؛ وأبلغ من الكلام في حضرة الأيام العالمية ، تلك الأيام نستغلها لأغراضنا؛ ولكنها بدعٌ من بِدَعِ سفهاء الغرب الكافر !

هكذا يتكَلم بعض المبدعين عندنا؛ في السِّر و في دهاليز الخمارات؛ ولكن الإبداع بكل تجلياته يحاول إبادة تلك الميكروبات؛ قدر المستطاع . لأن الإبداعِية الحقة ترفض الصمت وترنو للكلام/ التعبير؛ لآن الكلام سلطة و شهوة:

سلطة أمام جبروت الظلم والتضليل؛ وصمت الصامتين؛ كأن الطير على رؤوسهم ! وشهوة ليس من الجانب السلبي لشهوة الكلام (الثرثرة) بل لمحاولة تبديد إجترار نفس الكلام واتخاذ مبادرات عملية تساهم في إنهاء ما أصبح زادا لكل ذي شهوة للكلام، وهنا نلغي ما يسمى (الثرثرة) لأنها سبب البلاء في مليء الفراغ الذي يعكسه اللآمسرح واللآحركية إبداعية تذكر؛ لست عدميا؛ فواقع الحال هو الذي يدفعنا لقول هذا؛ وإن كانت هنالك بعض المحاولات فهي محتشمة؛ ويزيد الصمت في نسفها؛ واللامبالاة في اغتيالها ! فالأغلبية أمست تعشق الصمت وتهْواه؛ لكي تستفيد من صمتها؛ إيمانا أن لسانه سبب فى ضرب عُنق ممارسته الفنية؛ بحيث الشواهد والوقائع؛ مدرجة في النسيج الفني والمسرحي؛ بين التوطين واللاتوطين وحول والدعم واللآدعم وبين هامش للترويج واللاترويج؟

ولكن لماذا لم يتم تأسيس منظمات للدفاع عن الصمت؛ كحق من الحقوق الفردية؛ على غرار منظمات للدفاع عن حرية التعبير عن الرأي؟

بكل بساطة؛ فالإنسان كائن اجتماعي مما جُبل على الكلام والحديث، كوسيلة للتواصل والتعارف، ويسمَح لنا أن نكون أكثر تفاعلاً في / مع المجتمع؛ الذي نعيش فيه وبالتالي فالغموض قد يٌنفر من حولنا الآخرين؛ مادام الصمت جُبن وضعف في الشخصية؛ لآن المال والدعم أخرس جل الألسنة؛ ولم يعُد أحد يتجرأ أن يعبر عن رأيه ، لما آلت إليه الأوضاع المسرحية ببلادنا؛ لا نقابات في مستوى المسؤولية؟ و لا احتراف في مستواه الفني واللوجستيكي والتدبيري؟ ولا مسرح الهواة أعاد ضالته؟ ولا مسرح الشباب ابتهج بشبابه؟ ولا مسرح جامعي حقق أكاديميته؟ ولا تظاهرات مسرحية في مستواها الجمالي والمعرفي؟ أما مسرح الطفل لقلته؛ أمسى مظهرا للارتزاق؟ أما المسرح المدرسي فلا قرار له؟ أما المسرح الأمازيغي؛ فبوادر حصاره ومحاربته بدأت تشق طريقها إليه؟

إذ نعيش تصحُّرا وجفافا إبداعيا بكل مقاييس الأرصاد الأرضية والجوية و الحيوية؛ ولا أحد أمسى يطلب الغيث والنداء لصلاة الجماعة في محراب الركح !

ألا يكون التعبير بالإشارات في المسرح؛ ويتم توظيف لغة العيون ولغة تعبير الوجه ولغة الجسد؟ حيث لا وجود للغة الحوار؛ فيصبح الصمت وعَدم الكلام هو سيد الموقف؛ لكنه كالستارة الرمادية التي تخفى ما يُوجد خلفها؛ فما خلفها إذن؟

سوى كلام والذي يفهمه و يعبر عنه الجمهور أو المتلقي؛ أمام إبداع رائق وماتع؛ لكن حينما يكون المبدع ذو شخصيته مهزوزة؛ ولقد اهتزت بفعل التهافت على الريع والدعم؛ فطبيعي أن المتلقي أو الجمهور ومن يحاوره يشعُر أنه أمام إبداع / مبدع تافه ! وبالتالي فكفاءة المبدع / المثقف؛ تظهر من خلال تعبيره عن رأيه ومتأكد من صحة آرائه واشتغاله الفني والإبداعي؛ باعتباره قوي الشخصية يبادر ويطرح رأيه بكل جرأة .لأن عَقل الإنسان مدفون تحت لسانه؛ تلك في الأصل حكمة قديمة .

فهذا القول يدفعنا لإثارة مسألة أساسية؛ يشفع لنا بطرحها اليوم العالمي للمسرح؛ وقبل طرحها نشير مبدئيا؛ وتبديدا للتأويل الصبياني الذي يمارسه (بعْض) مثقفي ومبدعي هَذا البلد؛ فسطورنا هاته لا علاقة له بتمجيد الذات؛ وممارسة الدعاية لنص [حبال الرحيل] لأنه أصلا منشور إلكترونيا؛ ونعرف ما أهمية النشر الإلكتروني الآن من عملية الانتشار عبر العالم؛ واختراقه جغرافية ومحيط أي كاتب أو مبدع؛ أينما كان؛ وكيفما كان.

إذ المفارقة التي يمكن أن يستنتجها أي مهتم أو قارئ؛ بأن النص المسرحي (حبال الرحيل) يستحضر مبدعين مغاربة انتحروا في ظروف عصيبة ومختلفة؛ ولكن رابطهم الإبداع واصطدامه بواقع مهترئ وصمت مطلق من لدن أصدقائهم ومحيطهم الاجتماعي والثقافي؛ لكن أثناء انتحار كل واحد على حدة؛ ارتفعت الحناجر وتم شحْذ الأقلام و وهَللت الأقوام تندب فقدان ذاك الذي انتحر(؟؟) إنها قمة الاستخفاف فيما بيننا؛ إذ (مثلا) من اعتبروا أنفسهم أصدقاء الشاعر[ كريم حُوماري] وأصدروا ديوانا له [تقاسيم على آلة الجنون] وأسسوا موقعا باسمه؛ والذي انقضى مفعوله بعدما انتهى وطرهَم منه؛ نعلم أنهم تلصصوا على (النص) ولم يفكرمن ادعوا أصدقاءه و من قالوا في حق الراحل شعرا ما لم يقله أبا نواس في فحشائه ولا مالك في خمرته؛ إشارة ولو عابرة أو مراسلة حَول النص؛ وإن كنا ندرك بأن إشكاليتنا لا نقرأ ولكن نتلصص على القراءة؛ ناهينا عن مسرح القناع الذي يحمل مشعَل الراحل المسرحي (حوري حسين) ولا همسة تنويه أو إشادة؛ من لدن أعضائه؛ ولاسيما أننا نتواصل يوميا عبر [الفايس بوك] أما الشاعر الراحل (عبد القادر الحاوفي) فلديه أخ شاعر؛ ربما لا يقرأ النصوص المسرحية؛ ولاسيما أن الشعر سليل المسرح؛ والمسرح ربيب الشعر؛ ولنا في الإلياذة / الأوديسة. ما يكفي كلاما؛ ولنترك الراحل سعيد الفاضلي؛ راقدا في تربته؛ لأن استرسال الأحداث؛ تفرض اتساعا وكلاما مضاعَفا؛ ولكن نقتصر؛ بأن الدعم المعنوي؛ والإشادة في العطاء؛ تأتي من خارج محيطك ومعارفك؛ بحيث قدمها ويقدمها لنا دائما رجالات ومبدعون؛ في شتى بقاع المعمور؛ ومن صحف ثقافية أجنبية/ عربية الهوية. وإن كنا لا ننتظر الثناء أو المقابل؛ لأن طالبه مهما تعَلل بالأعذار والمبررات؛ فهو يمتلك بوارد الحِس الانتهازي؛ وهذا ليس من شيمنا؛ ونصرح بها بكًل اعتزاز.  

وما أثرته له علاقة بالصمت كعملة سائدة في رحاب المشهد الثقافي والجمالي؛ وبالتالي فكيف لنا أن نتزحزح من منطقة التخلف ورداءة الممارسة المسرحية؟ واللامبالاة تحْبط المبادرات والصمت يغلب الصوت؛ وإن كانت هاته ثنائية وجودية مبهرةٌ في عموم الوجود ومطلق الكون؛ يبقى الإنسان كائنا صوتيا وليس بصامت. ولهذا فالمرء البليغ؛ الفصيحُ يكون في كل الأحوال صاحب صوت . أما العاجزُ المقيّد عن التعبير أشبه بالأبكم؛ وفي كل دورة يبقى ديونيزوس ينتظر صرخته الأبدية؛ لتنتعش كؤوس الإبداع على موائد جمالية باهرة بالعطاء الرفيع والعاطفة الصادقة والإنسانية الشفافة؛ بعيدة عن المجاملة ومجالس القتاتين/ النمامين.......

 

نجيب طلال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم