صحيفة المثقف

أهمية وصفات المتحدث الإعلامي الرسمي للحكومات والمؤسسات السياسية والحزبية

nabil ahmadalamirتأتي أهمية الناطق الرسمي او المتحدث الإعلامي من أهمية المؤسسة التي يتبع لها او يتحدّث بإسمها ، خصوصاً إذا كانت مستهدفة من الآخرين لأسباب مختلفة .

لذلك نرى أنه يجب أن يكون المتحدث الإعلامي مراعياً في حديثه وتصريحاته للأبعاد الاجتماعية والدينية والتأثيرات الإقليمية والدولية في تعاطيه مع وسائل الإعلام المختلفة ، وأن أهمية المتحدث الإعلامي تزايدت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات ، وبعد أن أصبح المواطن هو الأقرب إلى الحدث ، وتناقل الأخبار بشكل أسرع ، ولضمان السيطرة على الحدث وتداعياته السلبية او الإيجابية تكمن أهمية المتحدث الإعلامي بصياغة الخبر المبني على المعلومة الصحيحة ، ووجوب التعامل مع وسائل الإعلام المنافسة بنفس درجة التعامل مع وسائل الإعلام المؤيدة باعتبارها جزءاً من الإعلام .

أن أهم الصفات التي يجب أن يلتزم بها المتحدث هو المظهر اللائق والوجه البشوش غير المستهلك، والثقافة العامة والحضور الإعلامي الجيد، ومتابعة مجريات الأحداث، وكل ما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام العام والخاص، وسرعة المبادرة وسرعة البديهة والتأني في جواب الأسئلة، والدبلوماسية في الردود، وتحليل الأحداث وعدم انتظار وقوعها، كما يجب أن يكون المتحدث الإعلامي ملماً بالإجراءات القانونية، حتى لا يُدخل نفسه او مرسسته في قضايا ودعاوى قانونية، وأن يكون على اتصال وتواصل مع المسؤولين المؤيدين والمعارضين، والحصول على ما يمكن توفيره لوسائل الإعلام بأسرع وقت، والتنسيق مع الجهات الأخرى المشاركة لتكون المعلومة أكثر شمولية.

أما المهارات التي يجب أن يتحلى بها المتحدث الرسمي فأهمها التمكن، وأن يكون توّاقاً حذراً غير منفعل، وأن يملك مهارة التواصل الدائم، والثبات والرزانة، وان يكون سباقاً وسريع الفهم والإستيعاب، ومرناً ومعبراً جيداً، وتكون لغته بقواعدها اللغوية جيدة، فلا يرفع المنصوب ولا يكسر المفتوح .

كما أن المتحدث لابد من أن يكون دائم التواصل مع الجمهور ليكون أكثر اطلاعاً ليعكس تواصل مؤسسته مع جمهورها، والمتحدث يمثل دائماً رأي مؤسسته وليس رأيه، وثبات المتحدث الرسمي يعني الثقة والصبر ومواجهة التحديات، فيما تأتي صفة الرزانة كأحد أهم صفات المتحدث من حيث كونه حليماً وذا وقار وجدي ومتحكم في ردود فعله، كما يجب ان يكون سباقاً مدركاً بأن دوره لايقتصر على الردود والاجابات، بل يكون صاحب مبادرات بشكل مستمر، ويكون صورة مثالية ومشرّفة للجهة التي يمثلها.

المرونة صفة مهمة في المتحدث الرسمي الذي لا يهمه كسب الجولة سريعاً، فالنظر إلى الهدف البعيد هو من صفات المتحدث المحترف، كما يجب أن يملك خبرات كثيرة في التعامل مع الجمهور.

من كل ماسبق ضرورة أن يكون الناطق الإعلامي ذا مواصفات خاصة، فليس كل شخص مهيأ أن يعمل ناطقاً إعلامياً، من دون أن يُلم بالإعلام ونظرياته، ويمتلك رصيداً جيداً من الثقافة وأدبيات الممارسة، إلى جانب العلاقات الجيدة مع كافة وسائل الإعلام، والإلمام بالدور والمهمة ورسالة الجهة التي يعمل بها حتى يستطيع أن يُعبّر عنها بشكل واضح ومقبول.

يجب التوضيح إن هناك فرقاً بين من يمتلك المعلومة فقط ومن هو متمكن منها ليتحدّث بها، حيث أن التمكن من المعلومة يساعد على السيطرة عليها ويسهل إيصالها والقدرة على صياغتها واستحضارها متى ما دعت الحاجة.

يجب مراعاة أهمية صفة الحذر لدى المتحدث الرسمي ليكون مدركاً للمخاطر التي تُحيط به، ولابد للمتحدث الرسمي أن يحذر من مزالق أساسية وهي :

- الثقة المفرطة سواء في البيئة المحيطة به أو في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام سواء كانت عامة أو خاصة.

- ومن المصطلحات غير القابلة للنشر مثل “هذه المعلومة غير قابلة للنشر أو بيني وبينك .. وغيرها” وكواليس ما تحت البث في اللقاءات التلفزيونية.

مما لا شك فيه أن مهنة المتحدث الإعلامي رغم ما يبدو أنها مجرد بوق للتحدث بلسان آخرين، إلاّ أنها تحتاج بالفعل إلى مواصفات خاصة، منها أيضاً أن يدرس جيدا المعلومات التي سيدلي بها، وتوقع ردود أفعال المتلقين، وأن يكون على دراية بفنون الإعلام المختلفة حتى يقدمها في سياق صحيح لا يقبل التأويل، وأن يقدم المعلومة بشكل حيادي ولا يُبدي رأيه فيها، وأن يتّسم باللباقة وسعة الصدر.

أن مهنة المتحدث الرسمي مهنة حساسة، ويجب أن يكون لدى من يمتهنُها مواصفات خاصة أهمها المهنية الشديدة والثقة بالنفس، والخوف والحذر إن كان من الملاحظ أن المتحدث الرسمي غالبا ما ينظر إلى وسائل الإعلام بحذر وخوف من معركة يرى نفسه فيها الفريسة، حيث عادة ما ينقض عليه الإعلاميون عقب الانتهاء من كلمته محاولين الإيقاع به وكأنه هو السبب في كل ما يحدث، ففي معظم الأحوال يكون البيان الصحفي الذي يتلوه غالبا لا يروي ظمأ الإعلاميين، ولذا على المتحدث الرسمي أن يحتفظ بسعة الصدر وطول البال وسرعة إستجابة وتفسير ما هو غامض .. فهذه من بديهيات مهنة المتحدث الرسمي.

وأمام هذا الكم من وسائل الإعلام يجد المتحدث الرسمي نفسه أمام مسؤولية كبرى وطرق تواصل مختلفة لإيصال رسالته، صحيح أن المهمة واحدة، ولكن السبل كثيرة وإن كانت مترابطة، لكن يجب على المتحدث الرسمي أن يدرس جيدا ومنذ البداية الهدف الذي من أجله عقد المؤتمر الصحفي او اللقاء أو غيره، في نفس الوقت أن يكون على دراية تامة بالأساليب والحيل التي قد يلجأ إليها الإعلاميون للحصول على المعلومة، وأن يفهم أن لكل وسيلة إعلامية أهدافها وجمهورها المستهدف، فالإعلاميين في ذهنهم الباطن يبحثون دائماً عما يثير الجدل والإثارة ويحاولون بشتى الطرق إيجاد الخبر غير المألوف كي ينقلوه عبر وسيلتهم الإعلامية، لذلك لن يكتفي الإعلامي بالطبع بالأخبار التي سيقرأها المتحدث الرسمي على مسمعه، بل سيحاول أخذ ما لم يُقرأ بطريق طرح الأسئلة المحرجة أحيانا والذكية أحيانا أخرى.

إن مهنة «المتحدث الرسمي» ليست حديثة العهد كما يتصور البعض أو أنها بدعة مستحدثة، فهي تعود إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي، حيث دخلت كتعبير لغوي في اللغة الإنجليزية لأول مرة تحت مصطلح spokes man وكانت تعني في حينها «المترجم» ثم تحولت لتعني «متحدث بلسان فرد أو جماعة»، وأخيرا تغيرت حديثا وبالتحديد في عام 1972 «spokes person» لتعني «متحدث أو متحدثة»، إذن فإن مهنة المتحدث الرسمي سبقت فن الإعلام المعاصر سواء المرئي أو المسموع.

 

بقلم: د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم