صحيفة المثقف

يوسف العراق

diaa mohsenalasadiمن روائع قصص القران الكريم هي قصة يوسف (ع) لكثرة العبر والمعاني التي تستوقف عندها قارئها مليا لأنها قصة أدمت كثير من العيون وكابدت لها القلوب الوجلة لصغير تكالبت عليه نفوسا ضعيفة وقلوبا قاسية ملئها الحقد والحسد والكراهية فحاكوا له الدسائس وقتلوه ضنا منهم بموته في غيابة الجب لشفاء غل صدورهم الملتهبة بنيران الغيرة ليخلوا لهم وجه أبيهم ويصفوا لهم الجو لنفوسهم التي لن تلتفت لما قد يسببه هذا الفعل من معانات لأبيهم الشيخ الكبير ولي نعمتهم ولأخيهم يوسف عليه السلام حيث كانوا ثلة من الأخوة تكفلت أيديهم الآثمة تارة وبالتأييد من الآخرين تارة أخرى وشاء الله تعالى وهو الحامي لأنبيائه ورسله بحفظه من براثن الموت فمكروا والله خير حافظا . وما أشبه البارحة باليوم فاليوم لنا يوسف آخر يوسف القرن الواحد والعشرين أحاطت به أخوته بكل قسوة ووحشية وأدمت قميصه بطعنات الغدر المتكرر من خناجرهم المسمومة جرح على جرح وطعنة على طعنة لا يكاد ينهض من الأولى حتى بادروه بالأخرى أثخنوه بالجراحات لا لشيء ألا أنه جميل في كل شيء ألا هو (العراق) فيوسف العراق والعرب تحاملت عليه أخوته من كل صوب وحدب لقتل جماله وروحه الطاهرة وحضارته المجيدة وشعبه المسالم . كانوا أخوة يوسف عليه السلام النبي أحد عشر فقط أما العراق فهم كثر وكل واحد منهم يريد به كيدا على طريقته الخاصة فأرسلوا ذئاب الغابة الجائعة المتعطشة للدماء لتمزيقه أربا وهم يتفرجون لأناته ويرقصون فرحا وبدون خجل من فعلتهم هذه فقد كان ذئب يوسف النبي بريء من دمه لكن ذئاب يوسف العراق من منهم تبرئه فكلهم مشتركون بحفلتهم الدموية التي أعدوها له بمال أو سلاح ولسان وبما أتوا به من قوة . أن معانات يوسف النبي عليه السلام كانت يوما أو بعض يوم وأنقذه الله تعالى من كابوس محنته وظلمة الجب ووحشته لكن من ليوسف العراق منقذ له ما زال جرحه ينزف وشعبه يذبح يوميا ويصلب ويعذب على مسمع ومرأى من أخوته العرب وهم يتلذذون لآهاته فقد طال الفرج ودب اليأس فيك يا عراق فلا ناصرا ولا معينا لك الكل تخلى عنك وأنت تصارع آلامك وتلعق جراحاتك .سلام الله عليك يا نبي الله يوسف قلت لأخوتك لا تثريب عليكم اليوم وصفحت عنهم لأنهم أقروا لك بالذنب والخطيئة بحقك طالبين الصفح عنهم لكن أنت يا عراق لمن تصفح وعلى أي شيء تسامح لأن أخوتك لن يقروا لك بالذنب وأنت تراهم كل يوم ينهشون بلحمك ويعمقون جراحك ويسلطون عليك ذئابهم بلا هوادة فكيف تصفح عنهم ونواياهم المعلنة والغير معلنة لقتلك واستباحت دمك وعرضك وجسدك الدامي كل يوم وكل لحظة وهم يتلذذون بذلك على موائدهم الاحتفالية وشرب كؤوس الدم من جرحك الدامي ويتراقصون طربا على أنين أشلاء ضحاياك البريئة . أخوة يوسف عليه السلام عرفوا الدرس وفهموه وأقروا بالندم وعاشوا على خيرات وبركات أخيهم وعادوا الى أحضانه الحنونة الطاهرة فنسي ما كان منهم لكن أخوة يوسف العراق لن يستطيعوا نسيان الماضي ولا الحاضر وما قدمه لهم من خيرات لأنهم أصموا آذانهم وأغمضوا عيونهم عن الحقائق متناسين كل تضحياته الجسام بالغالي والنفيس فالأيام بيننا نداولها ولكل بداية نهاية ولابد للظلم أن ينجلي والخاسر الوحيد هم أعداء العراق فالعراق كالعنقاء تنهض من تحت الرماد والركام تنفض عنها غبار الزمن وبعون الله تعالى حافظا وناصرا للمظلومين فسوف يسمو نحو عنان السماء للرفعة والازدهار.

 

ضياء محسن الاسدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم