صحيفة المثقف

الرجل الكلب

moamar baktawi2كان ميمون يعيش في "براكة" تعج بالكلاب قرب عمارة. يلبس ما فضل عن الناس، ويأكل ما يقدمه له الناس.. ويعيش كما تعيش الكلاب.. وفي كل المناسبات هو موجود.

- ميمون أصلح ضوء العمارة.

يصلحها ميمون.

- ميمون اصبغ العمارة.

يصبغها ميمون.

- ميمون أصلح البالوعة.

يصلحها ميمون.

ميمون لم يقل لا أبدا في حياته. وبما أنه لم يقل لا لأي أحد، فالجميع كان يطمع في خدماته..

- ميمون خذ، كُلْ..

ميمون يأخذ ويَأْكُل.

- ميمون اشرب هذا..

ميمون يشرب.

وفي زمن بين العتمة والنور تحول "ميمون" إلى كلب.. يلغو كما تلغو الكلاب، ويمصمص العظم كما تمصمص الكلاب.

عندما يخلو بنفسه، كان يذهب بعيدا ويرفع عقيرته إلى السماء، وينبح كما تنبح الكلاب، ويشمم كما تشمم الكلاب...

وحين اكتملت فيه جميع صفات "الكلبية" أخذ ينظر إلى الدنيا والناس بمنظار جديد... لم يعجبه كلام الناس، ونفاق الناس، وغدر الناس، ووقاحة الناس، وخيانة الناس. أخذ الناس يعاملونه معاملة خاصة. البعض يعطف عليه، والبعض يهدي له عظمة.. والبعض يهديه لمسة حنان بالمسح على رأسه وظهره.

رأته سيدة ذات مرة في الشارع، فحن قلبُها عليه. أخذته إلى بيتها، وبدأ حياة جديدة. يأكل بانتظام كما يأكل الناس، وينام بانتظام كما ينام الناس، ويستحم بانتظام كما يستحم الناس..

اشتعلت الغيرة في قلب الزوج، فبدأ يمقت "ميمون"، وميمون ينظر إليه بعين الرحمة والشفقة، فتطورت المنافسة إلى عداوة ثم إلى مقاطعة. فكان الزوج كثير السهر خارج البيت، وعندما يعود، يشم "ميمون" رائحة غريبة، وينبح نباحا مسترسلا لا يتوقف..

وتوالت سهرات السيد، وتوالى نباح وتنبيهات ميمون حتى مَلّ السيد من ميمون، وملّ ميمون من السيد.

وقال الزوج لزوجته:

- إمّا أنا أو هو؟

- قال ميمون:

- إما أنا أو هو؟

وما كان من السيدة إلا أن تركتهما في الداخل وغلّقت الباب وخرجت..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم