صحيفة المثقف

التقدم التكنولوجي واغتراب الإنسان

emadadeen ibrahimليس ثمة شك في أن الحضارة المعاصرة قد حققت قدرا لأبأس به من النجاح والتقدم لقد استطاعت أن تلبي وتحقق كل ما يحلم به الإنسان من مطالب وحاجات في ظل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي،الذي سخر كل شيء للإنسان، وأصبح الإنسان بواسطة هذا التقدم سيداً للعالمٍ، ومع ذلك فهناك صيحات تنذر بان الحضارةٍ تمر بمأزق أو أزمة. فقد أعلن (اشفيتسر) أننا نعيش اليوم في ظل انهيار الحضارة، ويعلن (اشبنجلر) بان الحضارة تدخل الآن مرحلة التداعي، وقد حكم عليها بالموت والدمار . وفي ظل هذا التقدم التكنولوجي الذي أصبحت فيه السيادة لعلاقات الإنتاج، أصبح الإنسان فيه ليس له قيمه، وليس له وجود حقيقي، ومن هنا شعر الإنسان في ظل هذا التقدم التكنولوجي بنوع من الاغتراب . والتفكير السائد في ظل هذه المجتمعات الصناعية المتقدمة هو التفكير الاداتي أو التقني، الذي يرفع من شان الاله علي حساب الإنسان، والعقلانية السائدة في هذه المجتمعات تسمي (العقلانية التكنولوجية) وهذا أدي إلي شعور الإنسان بالاغتراب والبعد عن ذاته، وتحوله إلي مجرد ترس في أله أو شئ من الأشياء. ويجب أن نشير أن العلم والتكنولوجيا قد تعاظما إلي درجه أصبحا معها أهم قوه إنتاجيه، والمسيطرة علي جميع مجالات الحياة، ورغم هذا التقدم التكنولوجي والعلمي وما حققاه من نتائج مبهره في جميع مجالات الحياة، إلا إنهما اخضعا الإنسان لسيطرتهما، وأضحي الإنسان في ظل هذا التقدم التكنولوجي اله يخضع لقوانين هذه الاله . وهذا ما تم نقده من جانب عدد من الفلاسفة منهم : "لوكا تش " في مفهومه عن التشيؤ، ويقصد به أن المجتمع يجب عليه أن يشبع حاجاته عن طريق تبادل السلع، وهذا يتطلب أن يتم تنظيم المجتمع كله وفق نموذج علاقاته الاقتصادية وبالتالي تتم ظاهره التشيؤ.فا التشيؤ هنا يعني اغتراب الإنسان في ظل هذه العلاقات   أيضا ماركس بمفهومه عن فتشيه السلع يدور حول نفس الفكرة من أن صنميه السلع هي التي تسود في المجتمعات الصناعية المتقدمة، وتحدد العلاقات الاجتماعية، وتطبع هذه العلاقات بطابع سلعي محدد، وتصبح قيمه الإنسان تقاس بما ينتجه من سلع، ويتحول إلي سلعه تباع وتشتري . ويري ماركس أن الإنسان في ظل حالة الاغتراب هذه يصبحون دمي للنظم الاجتماعية التي صنعوها بأيديهم. نفس الفكرة انطلق منها (ماركيوز) في فكرته عن الإنسان ذو البعد الواحد، والتي من خلالها تحول الإنسان في ظل التقدم التكنولوجي إلي بعد واحد يمثل البعد التقني لسلطة الاله هذا البعد يعتمد علي ما يتم إحرازه من سلع وإنتاج، مما ترتب عليه اغترابه عن ذاته، وأصبحت العلاقات الاجتماعية علاقات ترتبط بقوانين الإنتاج، ومن هنا حدث تشويه لقيم الإنسان، وجوهره الحقيقي . وهذه الفكرة انطلق منها (هوركهايمر) في حديثه عن نهاية الفرد فقد رأي أن الإنسان في ظل المجتمعات الصناعية يعاني من أزمة عميقة وهي اضمحلال أهميته، واغترابه عن ذاته بسبب سيطرة الاله علي مجالات الحياة، وهذا يقضي علي شعور الإنسان بذاته، ويشعر بالضياع . أيضا يوكد هوركهايمر من خلال مفهوم (خسوف العقل) علي أن الإنسان أصبح مثل المادة، ويخضع لقوانينها . أيضا انتقد (هابر ماس) التقدم التكنولوجي في المجتمعات الصناعية لان التقنية سيطرت علي جميع مجالات الحياة، وحول هذا التقدم الإنسان إلي أداه ووسيلة للإنتاج مثله مثل الاله . نري من كل ذلك انه رغم التقدم العلمي والتكنولوجي، إلا أن الإنسان شعر باغتراب، وفقد قيمته الحقيقية، واضحي سلعه من السلع، وفقد هويته، وإحساسه بالقيم، وأصبح مثل الاله .

 

بقلم . الأستاذ الدكتور/ عماد الدين إبراهيم عبد الرازق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم