صحيفة المثقف

العاطفة الوطنية!!

hamid taoulost2يقال أن من لا يحب وطنه لايستطيع أن يحب نفسه !! كما يقال أيضا أن الوطنية حماقة حين تعيشها وأنت الصادق وغيرك كاذب، وأن التمسك بها يكون خرق وهبل حين تمارس مع من يستبدل وطنه بوطن آخر بدعوى البحث عن الديمقراطية التي من الواجب عليه كوطني أن يساهم في استبابها في وطنه، وإلا لن يكون هناك فرق بينه وبين من يستسهل استبدال وطنه عن قناعة وطواعية، رغم ما وفر له وطنه من مال وجاه وسلطة، ويسعى وراء التجنيس بالجنسية الأجنبية على أساس أنها ركن من أركان التميز والابهة، وهذا لا يعني أننا نلتمس العذر لمن جار عليه وطنه وفقد فيه كرامته، وأصبح الوطن لا قيمة له لديه، ولم يعد عزيزا على قلبه، فلجأ لمغادرته بشتى الوسائل حتى ركوب قوارب الموت .

صحيح أن محبة الوطان من الإيمان ، كما تعلمنا في المدارس الإبتدائية، ولكننا بالقسوة والمذلة لا يقبل بهما إلا الأخرق المعتوه، أما العقلاء فلا يرضون الهوان من أهلهم وأوطانهم، ويهجرونها كما في المثل الشعبي " بلاد الذل تنهجر " والذي يؤكد على أنه من يحق من لم يجد راحته في فاس مثلا، فلماذا لا يذهب إلى مكناس أو إلى الرباط أو إلى الدار البيضاء أو إلى مراكش أو إلى أكدير، ولما لا يذهب إلى فرنسا أو إلى غيرها، فمن حق أي كان أن يعيش مثل خلق الله، ناجحا كريما آمنا سعيدا في أي مكان من اختياره، بعيدا عمن يتصرف معه بطريقة صاحب العمل الذي حين يجيئه الأجير نهاية يوم العمل ليقبض إجرته فيهينه، ويطرده، وفي أحسن الأحوال يرواغه ويدغدغ مشاعره بالوعود الكاذبة حتى لا يضرب عن العمل المدر عليه بالثروة.

لاشك أن حب الوطن مواقف وأفعال جادة، وليس مجرد مشاعر وشعارات يتبادلها الناس، وأحاديث منمقة نتداولها في التجمعات والمؤتمرات والندوات الفكرية والسياسية، كما أنه ليس كلمات وألحان شهية نتغنى بها في المناسبات الوطنية، ونشدوها في حب الوطن، وعندما تحين اللحظة التي يجب فيها إثبات ذاك الحب، تُصبح المواقف والأفعال مجرد شعارات جوفاء،و يصبح معها الوطن لا قيمة له، وفارغ المعنى، وليس بعزيزا على من فقد فيه كرامته .

إنها الحقيقة التي يؤسف لها، حيث نجد أن وطننا ليس كالأوطان التي تنبض كل مؤسساتها عشقا لمواطنيها، بل هو وطن عاق وناكر للجميل، فاقد لأدنى حس وشعور بمواطنيه البسطاء، طاغٍ ومستبدٍ وقاسٍ ومتصلب على أبنائه الشرفاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس ليمنحوه الهمة والرفعة والارتقاء، متجبر ومستهتر بأبسط حقوق المخلصين له الذين جادوا بدمائهم رخيصة من أجل الحفاظ على حريته واستقراره .

فكيف يطيب المقام في وطن سخي مع العاقين واللصوص والنصابين والمهربين وناهبي أمواله ومبدري خيراته على مشاريعهم الخاصة والحزبية وعلى ما يدر عليهم وحدهم المكاسب والغنائم والثراء الفاحش، بالكذب و النفاق والبهتان، وكيف يطيب الإنشاد في وطن يجعل اليأس يتلبس الحالمين بإمكانية تغيير أوضاع وأحوال المقهورين فيه وبه، ويحول أحلام مناضليه الشرفاء إلى كوابيس تقض مضاجعهم، بزحمة الأيديولوجيات الماكرة والشعارات الدينية والسياسوية الخادعة والخداعة، التي لا يأبه أصحابها -من المسؤولين الدجالين والنصابين واللصوص وناهبي أموال الشعب – بأحوال فقرائه ومعوزيه، الذين لا يهتم بأحوالهم المزرية وظروفهم القاسية، لا البرلمانيون الذين تخرج جلهم من نفس أوساطه الفقيرة، ولا الوزراء الذين لا هم لبعضهم غير تدجين وعي المواطنين، عن قصد وتربص، ودغدغة عواطفهم، وتشتيت تركيزهم، وتسفيه أحلامهم، وثنيهم عن تحليل وفهم واقعهم المهزوم، وإحباط طاقة الإيمان والوثوق لديهم بوطنهم ، وتحويلها إلى كفر مطلق بكل شعارات الوطنية ومشاعر المواطنة، حتى يسهل عليهم خداع السذج والمغفلين ومغيِّبي الوعي منهم، واتخاذهم مطية طيعة سهلة للوصول إلى كراسي السلطة، لتحقيق مآربهم الشخصية والحزبية ؛

ومع كل هذا وغيره كثير، يبقى حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبِل عليها الإنسان، إذ ليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه، حتى لو ظلم فيه واضّطهد، كما في قول الشاعر:

     "بلادي وإن جارت عليّ عزيزة "

لأن الوطن هو المأوى والملجأ والحضن الدافئ الذي يضمه، ولا غرابة أن يشعر الإنسان بالحنين الدافق لوطنه كلما بعد عنه، وليس ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء؟

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم