صحيفة المثقف

(الثائر المهزوم) لأحمد عبد السلام البوعياشي.. هل أنصف التاريخ الجيلالي (بوحمارة)، أم ظلمه؟

moamar baktawi2تقديــم: إن ظهور الفرق المسرحية المغربية، حصل نتيجة احتكاك الشباب المغاربة المباشر بالفرق المصرية والتونسية الزائرة، وسيمتد تأثير هذه الفرق إلى سنوات عديدة. وسيظهر ذلك من خلال القالب الدرامي الأرسطي، أو مسرح العلبة الإيطالية، والمواضيع الاجتماعية، وتقنيات الكتابة الدرامية عند المسرحيين المغاربة. ولتفادي مسطرة الرقابة الاستعمارية، عمد الرواد إلى ممارسة المسرح داخل الأجواق الغنائية، والفرق الرياضية، كما كان الحال في شمال المغرب. لأنه كان متنفس الفئة المتعلمة والمثقفة بما منحها من شعور بالتعويض عن الحرية.

1- (الثائر المهزوم) لأحمد عبد السلام البوعياشي

نقرأ في أسفل الرسم الذي يتوسط الغلاف الخارجي للمسرحية: رواية تاريخية مغربية. ويقول في الإهداء: "إلى روح محمد الخامس المقدسة. إلى هذه الروح الطاهرة أهدي هذه الرواية..."(1). ونقرأ في المقدمة ما يلي: "تعتبر هذه الرواية الحلقة الثالثة من سلسلة الأبحاث التاريخية عن الريف"(2). ويقول في الفقرة التالية متحدثا عن الحلقة الثالثة من أبحاثه التاريخية "تتناول البحث التاريخي في أسلوب رواية. ففي هذا البحث تناولت الأحداث بأسلوبين اثنين بمناسبتين وطنيتين، رأيت فيهما مغزى مناسبا لنشرها، وهذان الأسلوبان هما:

أ ) رواية تاريخية لتلك التحركات تحت عنوان (الثائر المهزوم) أدرجت فيها حوادثها من البدء إلى النهاية على أسلوب الرواية، التي مكنتني من إضفاء مسحة صياغية لتلك الأدوار التي ارتكبها الدجّال بوحمارة..

ب ) قصة تاريخية لولاء خالد، جرت حوادثها في أصقاع الريف... وهذه القصة تعتبر تاريخا لما أهمله التاريخ."(3) ويقول في فقرة موالية: "فقد دعاني ذلك إلى صوغ حوادث بوحمارة عامة، في قالب مسرحي، تدور مشاهدها حول ضعضعة المجتمع."(4) وهذه أول مرة نعثر فيها على مصطلح (قالب مسرحي) في هذه المسرحية، وفي مسرحيات هذه الفترة، التي تمكنا من الاطلاع عليها.

إن ما يثير الملاحظة في مسرحية (الثائر المهزوم) هو استعمال مصطلح (الدور) للدلالة على الفصل. فالمسرحية تتكون من ستة أدوار. تشتمل الخمسة الأولى منها على ثلاثة مشاهد، أما الدور الأخير، فهو الوحيد الذي يشتمل على خمسة مشاهد. وكل دور يقدم له المؤلف بالشخصيات التي ستظهر فيه، ويمهد له بملخص.كما يعرف في بداية المشهد بالمناظر التي تكونه.

ولعل ما يميز هذه المسرحية عن سابقاتها، هو أنها تزخر بالنصوص التاريخية التي تؤرخ للفترة مابين (1903 و1905). وهي على شكل مراسلات (كتب) موجهة من السلطانين المولى عبد العزيز، والمولى عبد الحفيظ إلى القواد الموجودين بشمال المغرب، أو إلى القبائل المتحالفة معهما، أو من الثائر (بوحمارة) إلى بعض القبائل لإغرائها من أجل التعاون والتنسيق معه. والمسرحية تحتوي كذلك على إهداء، ومقدمة، بالإضافة إلى نص تحت عنوان: قصة الولاء الخالد.. هزيمة بوحمارة في الريف.

وينفرد إهداء المسرحية، بكونه موجه للملك محمد الخامس بعد وفاته سنة 1961. فهو يبتدئ بجملة منفردة يقول فيها المؤلف: "إلى روح محمد الخامس المقدسة... إلى هذه الروح الطاهرة أهدي هذه الرواية.." وبعد هذا التخصيص ينتقل إلى إبراز الغاية من هذا العمل الذي توخى من ورائه "إبراز العبر"، وهذا ينسجم مع الآية الكريمة التي تتصدر الصفحة المقابلة للإهداء وهي { فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}. فالكاتب يبتغي من هذه القصة/ المسرحية، تقديم عبرة من التاريخ القريب (بداية القرن العشرين) لتكون موعظة و(درسا) لجيل الحاضر (نهاية الخمسينات). كما تكون العبرة أيضا من المقابلة بين "عصرين اثنين كونا طرفي القوس "عصر الحماية - المظلم الحالك - وعصر الحرية الذي أضاء بنوره الأرجاء.

وفي مسرحية (الثائر المهزوم)، تطالعنا مباشرة بعد صفحة العنوان الآية القرآني. {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.(5) والقصد من استحضار هذه الآية هو جعل سرد قصة (الثائر المهزوم) في قالب مسرحي باعثا على التفكر والاعتبار والموعظة. وقد جاءت قصص القرآن أساسا لهذه الغاية.

وفي معرض حديثه عن تشجيع الملك محمد الخامس، على الإقبال على العلوم الدينية والمعارف القديمة والحديثة، في إحدى خطبه بسهول تريفة بإقليم بركان، يستحضر الكاتب الآية: {إنما يخشى الله من عباده العلماء.} (6) ويرفق ذلك بالحديث النبوي الشريف{طلب العلم فريضة}. فحضور موضوع العلم والتعلم في خطابات العتبات، والنصوص المسرحية كان شيئا متداولا في مسرح التأسيس.    

2- البعد النقدي  

تكرر حديث الكتاب عن أعمالهم باعتبارها أعمالا تأسيسية رائدة، وفتحا جديدا في عالم المسرحية. وجرى حديثهم عن الكاتب بصفته صاحب رسالة يحمل مهمة التوجيه والتوعية، والإصلاح، والتغيير، والتثقيف... وقد أعلن أغلبهم عن غايته من عمله، التي لا تخرج عن الأهداف المذكورة آنفا..

3- الشعور الوطني

في مسرحية (الثائر المهزوم)، نجد أنفسنا في الفترة التاريخية لما قبل الحماية: في الفترة ما بين 1903 و1909، في ظل حكم المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ. يظهر الثائر الجيلالي الزرهوني الملقب ب(بوحمارة) في العقد الأول من القرن العشرين، شخصا عاديا يعمل في صفوف المخزن، شديد الطموح إلى الحكم والمناصب العليا. ومن أجل الوصول إلى غايته، عقد العزم على استخدام جميع الوسائل، من سحر، وادعاء، وكذب وتملق.. إلى غير ذلك من الوسائل.

  

الشيخ عبد القادر:   (يظهر عليه التأثر من ذكره فرنسا في معرض الذم )     ويقول:لا، يا شيخ إن فرنسا محبة للإسلام وعاملة على نشر الدين، ألا أنك قدمت إلى بلدة من مشمولات أعمالها، ونحن هنا في عبادة ربنا مع نعم كثيرة من عند فرنسا.(7)

ويقول أيضا:

الشيخ:     (لتلامذته)، ما أعظم كرم فرنسا وحبها لنا. (8)

                

وموازاة مع ذلك، يبعث الوالي العام إلى وزير الخارجية الفرنسي، يعدد له فيها الفوائد التي ستجنيها فرنسا من ثورة الجيلالي بوحمارة على السلطان المغربي. فقد استطاع قاضي الشباب أن يبعث الحماس الوطني في صفوف قبيلة بني ورياغل، بتذكيرهم بسنة أجدادهم في الجهاد منذ المولى إسماعيل الذي طهر المدن المغربية من الغزاة كما يؤكد هذا الحوار:

قاضي الشباب:     ... (يجمع قومه من شجعان الريف الذين تبعوا بوحمارة في منبسط بجبال بني مسارة، وقد تقاطروا في شعبها يقوم فيهم خطيبا قائلا):"قد أزلتم العار أيها الشجعان بثباتكم وقد استكملتم الآن دينكم، إذ نصرتم عرشكم، ودافعتم عن حوزة وطنكم فأحييتم سنة أجدادكم في الجهاد يوم دعاهم ملكهم، المولى إسماعيل، لتطهير مدن العرائش وأصيلا، وطنجة، من الكفرة الغازين، وكانوا يدعون في الدوائر الحكومية وعند الشعب بالمجاهدين. (9).

4- مظهر خطاب القناع الديني

يدفعنا الحديث عن الخطاب الديني في هذه المسرحية إلى البحث عن رؤية العالم التي تعبر عنها الطبقة، أو الفئة الاجتماعية أو الشخصيات، باعتبارها ذوات تعبر عن إديولوجية تجاه الواقع، ذلك أن ما "يبثه الروائي (أو المسرحي) ليس إلهاما ولا ذاتية خالصة، إنه إنتاج فردي اجتماعي معين..." (10) ومن هنا يستوقفنا السؤال النقدي الهام حول الرؤية التي تعكس هذه المواقف في مسرحيات التأسيس. أما بحثنا في رؤية العالم في مسرحيات التأسيس، فسنؤجله إلى حين دراسة الشخصيات المسرحية، والصراعات التي تخوضها مع القوى المختلفة، وعلاقة ذلك برؤية الكاتب.

ويظهر الخطاب الديني الموظف في هذه المسرحيات في أربعة مظاهر، سنوضحها فيما يلي:  

* مظهر خطاب القناع الديني

* مظهر خطاب المعتقدات والخوارق

* مظهر خطاب القضاء والقدر

* مظهر خطاب الإسلام السياسي

أهم مظهر من مظاهر توظيف الخطاب الديني، واتخاذ الدين قناعا ومطية للوصول إلى الأغراض الشخصية (كجمع المال والاستحواذ على المركز والسيادة). ويتجسد في تقمص الشخصية دور الشيخ الزاهد، المتصوف وصاحب الطريقة الورع، المنقطع عن الدنيا، والباحث عن النعيم الروحي المؤدي إلى الفوز بالجنة. وقد ارتدى هذا القناع كل من الشيخ عبد القادر بن عدة، والجيلالي بوحمارة في مسرحية (الثائر المهزوم).

فالشيخ عبد القادر بن عدة، يجمع في زاويته الكثير من المريدين والأتباع. وهو الذي يجتهد في الوصول إلى المراتب العليا، والمقامات السامية في الظاهر. أما في الباطن، فهو عميل المخابرات والاستعلامات الفرنسية، مقابل ما تغدق عليه من أموال. فهو ما يفتأ يسبح بحمد النعم، التي تصبغها عليه فرنسا أمام مريديه، وزواره، وضيوفه، ولا يتوانى في خدمتها في كل ما تدعوه إليه. وقد بلغ به الأمر أن قدم فرنسا في صورة الغيورة المنافحة عن الإسلام والمسلمين خصوصا أمام رسل فرنسا، ورجال الدولة فيها، والساعين إلى التقرب منها، والتعاون معها. ومن بينهم الجيلالي بوحمارة، الذي زاره في صورة شيخ صوفي وافد من فاس:

الشيخ عبد القادر:   (يظهر عليه التأثر من ذكره فرنسا في معرض الذم)     ويقول:لا، يا شيخ إن فرنسا محبة للإسلام وعاملة على نشر الدين... ونحن هنا في عبادة ربنا مع نعم كثيرة من عند فرنسا. (11)

ويستخدم الوالي العام نفسه الخطاب الديني، إلى جانب مبدإ فرّق تسد، أسلوبا يجعل الأطراف المتعاونين معه ينخدعون، ويخادعون أنفسهم، ومن يحيط بهم بأن فرنسا لا تعادي الدين ولا رجالاته. فها هو يبعث برسالة للشيخ عبد القادر يبدأها بالبسملة، ويثني على طريقته، ويصفه ب" صاحب الطلعة البهية والمحامد الربانية... القدوة الولي الصالح الرباني العارف بالله..."(12). ومن أجل تمهيد الطريق لربط علاقات مباشرة بالثائر الجيلالي بوحمارة، يعدد الوالي العام فضائل الشيخ على الثائر في تلقينه تعاليم الإسلام الصحيحة.

ولا يقل الجيلالي بوحمارة دهاء ومكرا في توظيف الخطاب الديني للوصول إلى الحكم والإمارة. فبعد خروجه من فاس مغضوبا عليه بسبب ادعائه السحر، وتطلعه إلى المناصب العليا، يقصد الشيخ عبد القادر بن عدة في غيلزان. وهناك يتقمص دور العبد المذنب، الزاهد الباحث عن مصفاة وعن الحقيقة الربانية. ويدعي أنه فرّ بدينه لنصرة الحق من بلد عاث حكامه فيه فسادا. وهكذا يتستر كل من الشيخ عبد القادر، والجيلالي بوحمارة، والوالي العام وراء الدين لتمرير الخطاب الحقيقي المتجسد في قضاء المآرب الشخصية، وخدعة الأعداء والخصوم.

5- خطاب البطل المزيف

يقسم ميشال كورفانMichel Corvin   البطل إلى صنفين (13): بطل من حيث القيمة، وبطل من حيث الوظيفة. فالأول يعود إلى كلمة (Heros) اليونانية، التي كانت تطلق على قائد الجيش المتميز بكفاءات عالية، ونصف الإله، والمحارب الذي أظهر قدرات خارقة في حرب طروادة، وصاحب الشهرة والصيت في الأساطير والملاحم القديمة... وأمثال هؤلاء يصنفون ضمن الأبطال التراجيديين الذين يسقطون نتيجة خطئ يرتكبونه، وبسقوطهم التراجيدي يتحقق التطهير.

أما الصنف الثاني، فقد ظهر مع انتهاء العهد الكلاسيكي، وتوقف التراجيديا عن الهيمنة على الدراما، وظهور نظرية المزج بين الأجناس الأدبية. ففي هذه الفترة برز البطل في الكوميديا على غرار التراجيديا، فأصبحت صفة البطل تطلق على كل شخصية تهيمن على الأحداث، وتحرك خيوط الحبكة، وتثير انتباه المتلقي.

ونجد هذا النوع من البطل في مسرحية (الثائر المهزوم). وقد تجسد في شخصية الثائر الجيلالي بوحمارة، الذي هيمن على كل الأحداث الدرامية في المسرحية، وشغل الحيز الهام في فضائها.

تتميز هذه المسرحية، بكونها استخدمت أكثر من وظيفة واحدة للخطاب. كما تميزت بالتزام نوع من الخطاب في كل محطة كان يقف بها البطل المزيف. فتغييره للمكان يستتبعه تغيير في الخطاب، ومن ثم تغيير في الموقف والصفة. ولهذا سنربط كل نوع من الخطاب بالمكان المرتاد، وبالصفة المتخذة من البطل المزيف. وبتتبعنا لمحطات البطل الكثيرة، ورحلاته، وتنقلاته، لاحظنا تناسقا بين عناصر المكان، والفعل، والصفة، والخطاب. فإذا ما تحول عنصر الفعل (الخروج)، تأثرت باقي العناصر. وهكذا تطرد التحولات في المكان، والصفات، والوظائف. وقد أطلقنا على محطات هذه الرحلة المثيرة، مصطلح المقامات. وهي سبع. وقد جاءت كما يلي:

- مقام الخروج

- مقام التصوف

- مقام التهيؤ

- مقام الطعن

- مقام البيعة

- مقام الحكم

- مقام الهزيمة

ومن أجل إرضاء فرنسا، يستخدم ابنه في إيصال الأخبار والمعلومات التي تستجد في البلد، أو تصله لمركز الاستعلامات. وهو لا يتورع في إظهار تفانيه في خدمة السلطات الفرنسية سرا وعلانية.

الشيخ عبد القادر:     ...لا يغيب عن بالي الإعانة المالية التي تقدمها إلينا      وأعتبر أن طريقتي هي امتداد لدولة فرنسا، وكل شيء يصل إلى استعلاماتها عن طريقنا في الوقت المناسب ...(14)

* مقام الخروج

ارتبط هذا المقام بالمحطة الأولى التي انطلق منها البطل في رحلته نحو الحكم. وقد كان المنطلق من مدينة فاس، حيث كان يسمى باسمه الحقيقي (السي جيلالي). بدأ حياته الوظيفية (مخازني) تحت تصرف القائد عبد الكريم الشركي. وسيعرف بتعاطيه الرشوة، والتصنت على مجالس القائد. ولكي يحوز وظيفة أرقى، ويحقق رغبته الشديدة في السلطة، كان يتودد بخطاب التوسل، والتذلل، والرجاء.

أما وسيلة إقناعه، فهي ادعاؤه امتلاك كتب الحكمة، والسحر، والمغيبات. وعندما تولى السيد المنبهي الوزارة، رغب البطل في أن يحظى بمنصب مهم في الدولة. لكن الوزير أنبه على طموحه، الذي تجاوز مقامه ونسبه الوضيع. ليخرج يائسا من فاس، قاطعا المفازات نحو غيليزان بالجزائر، حيث زاوية الشيخ عبد القادر بن عدة.

* مقام التصوف

تهيمن على خطاب البطل في هذا المقام الوظيفة الاتصالية. فيصبح اسمه الشيخ المغربي الصوفي. وفي الزاوية يظهر تمرده على حكام المغرب، ويتهمهم بالسطوة على الحكم، وبالتعاون مع فرنسا عدوة الإسلام. وحتى يظهر في صورة المتصوف، أخذ يستعمل المعجم المتداول بين المتصوفة، ويتظاهر بالزهد، ويدعي البحث عن الخلاص من الذنوب.      

ينجح البطل في خداع الشيخ ومريديه، ولاسيما عندما اتهم أهل المغرب بالانشغال بعلم القشور، وصنف الشيخ وأتباعه في خانة خاصة الخاصة، والعارفين بالله، والواصلين والممتحنين في ذات الله.

لقد كان خطاب البطل في تواصله مع الشيخ، ومريديه ذا وظيفة مرجعية مزدوجة، إذ استخدم علامات لغوية، وأخرى اشارية، (تمثيلية) كالبكاء، وإظهار الخشوع، وقيام الليل... وقد جمع في خطابه بين الخلاص الفردي، والطعن في الوزير المغربي. لكن ما عاق رسالته، هو أن الشيخ كان من المتعاونين مع فرنسا. ولم ينفعه اعتذاره للشيخ ولفرنسا، وانتهى الأمر بطرده من غيليزان، في اتجاه طنجة للمرة الثانية.

*مقام التهئ

في طنجة يجرب البطل الاتصال المباشر بالناس، وفي هذا المقام يغير اسمه ووظيفتة وخطابه. فيظهر بوجه المصلح المحرض على العصيان والتمرد. ويبدأ حملته بالطعن في الوزير والولاة، متوجها إلى الناس على شكل انفرادي، بغية الوصول إلى توسيع قاعدة الأتباع، والتهيء لمواجهة رجال الحكم في الدولة. ومن طنجة يخرج إلى فاس، بعد ما اطمأن إلى وسيلة الطعن وطريقة الخطاب.  

*مقام الطعن  

يستعمل البطل في هذه المرحلة، خطاب الدعوة إلى العصيان تحت ذريعة فساد الحاكمين. فيظهر بوجه الداعية الذي جرب نصح الولاة دون طائل، داعيا الناس إلى إصلاح الفساد. لكنه يصطدم بعالم يقارع الدعوة على العصيان بالامتثال لأولي الأمر. ثم يلتجئ إلى أسلوب الإغراء، واعدا العالم بأعلى المناصب إن هو ساعده في دعوته في تقويض الدولة. لكن العالم يرفض الإغراء، ويهدد البطل بإفشاء أمره للوزير إن لم يكف عن أمره. وخوفا من افتضاح أمره، يخرج هاربا إلى قبائل غياثة والتسول.

*مقام البيـعة

يخرج البطل مرة أخرى من فاس قاصدا موسم الولي (سيدي محمد الجناتي) الذي تحتفل به قبائل غياتة، والتسول، والبرانص. في المرحلة الأولى يدعي أنه من علماء فاس، جاء قاصدا متبركا، لما يعلمه عبر كتب العلم من ولاية صاحب الضريح المجاب الدعوة، المقبول الزيارة. وهو في هذا المقام يوظف علامات غير لغوية، كالحنين، والبكاء عند حديثه عن كرامات الولي.

وكان هدفه من هذا الخطاب التمهيدي، تهييئ الجماهير الزائرة للموسم لقبول دعوته. وكانت وظيفة الخطاب في هذه المرحلة أمرية، إذ اعتمد على الجانب العقدي، والتأثير النفسي، مستغلا المناسبة، واستعداد الناس لقبول الخطاب الإيحائي. فقد اعتقد بعض الناس أنه من أكبر العلماء. وظنه آخرون وليا من أولياء الله. وخاله غيرهم الخضر عليه السلام. وادّعى غيرهم الآخر أنه الولي سيدي محمد الجناتي نفسه. ولما وجد البطل الفرصة سانحة، لجأ إلى كتب الجفر والمغيبات، فقام بأعمال سحرية خدع بها الناس، فظنوه وليا مطلعا على الغيب. فعظموه وأصبحوا له صاغرين، طالبين خدمته، جادين في إرضائه.

لقد كان لأسلوب الاستخفاء، والتظاهر بالقدرة على الإتيان بالمعجزات والخوارق، التأثير القوي على القبائل في الموسم. ولما تيقن البطل من خضوعهم له، تابع أسلوب التدرج في قيادة القبائل المجاورة، فطلب منهم الطاعة العمياء. ولما رضخوا له، ادعى أنه هو المولى امحمد ابن المولى الحسن الأول. وفي هذه المرحلة، مزج بين الخطاب الديني والسياسي، مدعيّا نصرة الدين، ومحاربة فساد الحاكمين امتثالا لأمر الله، معتبرا أن سكان هذه الجبال هم أنصاره الذين اختارهم الله ليعضدوه في هذه المهمة.

وبعد هذه الخطوة، طلب من أشياعه مبايعته على أساس أنه السلطان الشرعي الذي اغتصب منه الحكم. فتظاهر بالزهد، والورع، والتقوى، وأن خروجه لم يكن إلاّ جهادا في سبيل نصرة دين الله، والقضاء على الفساد، مذكرا مناصريه بجزاء الشهداء في الدار الآخرة.        

وهكذا بايعه الكثير من القبائل، وبدأ في تأسيس دولته، فواجه قوات المولى عبد العزيز في عدة معارك، انتهت لصالحه. وازدادت بانتصاراته مكانته، وتقوت شوكته. وبدأ في مدّ نفوذه على قبائل الريف، فخضعت له بعضها، واتخذ من سلوان عاصمة له.

*مقام الحكم

في هذا المقام يصبح اسم البطل هو مولاي محمد الملقب ب(بوحمارة) لحرصه على ملازمة حمارته له، مذ جاء قادما من مدينة فاس. وقد شبه بعضهم حمارته بناقة النبي صالح. وبعد أن اتخذ من سلوان عاصمة له، أحاط نفسه بعدد من الوزراء وقواد الجيش. وتظهر قوته بعد توصله بالأسلحة والأموال من فرنسا، وتحصنه في قصبة منيعة، الأمر الذي جعل فرنسا تلجأ معه إلى خطاب الإغراء، والمهادنة، وتبادل المصالح. وقد فتح له هذا الأمر باب الطمع في تقويض دولة المولى عبد العزيز، والوصول إلى الحكم.  

ويتميز خطاب هذا المقام بالإحساس بالقوة، والاعتداد بالنفس، والشعور بالأمان. فهو حين يعقد مجلسا للوزراء، يستفهم المجلس عن حالة الأحوال السياسية، والعسكرية في مناطق نفوذه، فيخبر بأن الأمور لا تزيد إلا تحسنا، باستثناء بعض قبائل بني ورياغل التي استمرت في العصيان، والتمرد على قواده. لذلك يقرر غزوها وإخضاعها بالقوة. لكن هذه القبائل كانت قد أعدت عدتها لهذه المواجهة. فيلتقي الخصمان في معركة حاسمة، تنهزم فيها قوات البطل المزيف. وحين تصاب قواته بالنكبة، ويتخلى عنه كل وزرائه، وقواد جيشه، يستسلم معتصما بضريح الولي سيدي عمران.

*مقام الهزيمة

يسود في هذا المقام خطاب التضرع، والاستسلام، والهزيمة. فبعد تدخل قوات السلطان مولى عبد الحفيظ، تكون تلك بداية نهاية البطل المزيف. وأثناء محاصرته في الضريح، يظهر البطل ندما على ما اقترفه. ويعترف بخطئه في خيانته للوطن. ويستسلم صاغرا بعد أن بقي وحيدا كما بدأ دعوته وحيدا. فيلقى عليه القبض، ويقاد إلى فاس التي خرج منها أول مرة، في قفص على ظهر بعير. بذلك تنتهي قصة البطل المزيف الجيلالي بوحمارة. ومن الملاحظ أن مسرحية (الثائر المهزوم) هي المسرحية الوحيدة، التي استقت مادتها الدرامية من وقائع، وشخصيات تاريخية حقيقية. وهذا ما أعطاها بعدا واقعيا أكثر صدقا من الناحية الفنية.

6- الصراع والبناء الدرامي

لكي ينمو الفعل في الدراما، لا بد أن يقوم بين الشخصيات "صراع حول أمر ما، قد يكون مبدأ خلقيا أو قضية اجتماعية أو طموحا شخصيا".(14) فالصراع هو المحرك الأساس للفعل الدرامي. وهو من المقومات الضرورية للشخصية. "وبدون هذا الصراع الذي يؤكد وجود الشخصية ويميزها، تظل الشخصية (مسطحة)."(15) لأنها ستفتقر لأهم مقوم فيها. والكاتب المسرحي عندما يترك شخصياته تسير في اتجاهات متوازية، أي لا يصادمها مع بعضها، أو مع الواقع، أو الوسط، فإنه يعرض عمله للسكونية، وعدم الإثارة التي تنبعث من اصطدام الشخصية بالمؤثرات التي تحفزها على الفعل، ويضمن للدراما حيويتها وديناميتها.

  

7- الصراع السياسي

يظهر هذا النوع من الصراع في مسرحية (الثائر المهزوم). وهو نوع من الصراع الخارجي، ذي المنحى الأفقي الذي تواجه فيه الشخصية قوانين المجموعة المهيمنة، أو الكيان الاجتماعي المفروض. وهذا اللون من الصراع كان هو الملائم للمسرح المغربي في مرحلة التأسيس، نظرا لدلالته الاجتماعية، والنفسية، واعتبارا للظروف السياسية التي كان عليها المغرب.

وفي هذه المسرحية يأخذ الصراع أكثر من منحى ويساهم فيه أكثر من طرف. فالقوتان المتصارعتان ظاهريا، هما الجيلالي بوحمارة، والسلطان مولاي عبد العزيز. وبما أن طبيعة الصراع سياسية، أي حكم البلاد، فإن الجيلالي بوحمارة جرب كل الوسائل لتقويض كيان الدولة.

ومن بين الوسائل التي استخدمها في صراعه، إظهار الولاء لفرنسا، والتظاهر بالتصوف، والولاء لأتباع الطرقية. ونظرا لتفشي الجهل والأمية، وابتعاد الناس عن المنابع الأصلية، والفهم السليم للإسلام، فقد وجدت هذه الظاهرة أشياعا كثيرين، دفعت البلاد إلى حالة خطيرة، من الضعف انقسمت فيها إلى معسكرين، معسكر الطرقيين، ويرمي الشباب بالمروق من الدين ومعاداة أهل الخير والصلاح. ومعسكر الشباب، ويتهم الطرقيين بممالاة الاستعمار واستغلال الدين لبلوغ المآرب الشخصية.    

أما الطرف الثاني للصراع، هو المولى عبد العزيز، فلم يظهر على مسرح الأحداث إلا من خلال الجيوش التي تدخلت أخيرا، أثناء محاصرة الثائر، واقتياده أسيرا. أما الفاعل الحقيقي في الصراع، فهو قبائل بني ورياغل، التي ظلت صامدة في وجه أطماع الثائر، حتى هزمته في المعركة الفاصلة بينهما.    

لقد كانت هذه المسرحية شهادة تاريخية متميزة بواقعيتها، واعتنائها بإبراز دوافع القويتين المتصارعتين، ومحاولة لاستقصاء بعض جوانب الحقائق التاريخية، ولاسيما ما يتعلق بالنصوص، والمراسلات بين القوتين المتصارعتين وأتباعهما.  

8- المكان المغلق

من الملاحظ أن المكان المغلق هو المهيمن على مسرحيات التأسيس، باستثناء مسرحية (الثائر المهزوم) التي تتميز بتوفرها على أمكنة مفتوحة وأخرى مغلقة، وبتنوع حقولها. وظهر بصفته فضاء لسلسلة من الأحداث في مسرحية واحدة هي المسرحية الآنفة.

وتشكل زاوية الشيخ عبد القادر بن عدة بغيليزان مكانا طبيعيا وواقعيا. وللإشارة فإن جميع الأماكن في هذه المسرحية حقيقية وذات بعد تاريخي، قد ساهمت الزاوية في تقوية طموح الثائر بوحمارة إلى الحكم، ابتداء من قيامها بدور الوسيط بينه وبين الوالي الفرنسي. وبالإضافة إلى الدور السياسي الذي نهضت به، فقد شكلت نقطة تهدئة للأوضاع، وتلميع صورة فرنسا عند عامة الشعب. وقد كان تأثير الزاوية قويا في الأتباع، نظرا لما يتمتع به زعيمها من نفوذ ديني       وسياسي جعل العامة تخشى سخطه وغضبه، وتسعى إلى إرضائه والتقرب منه. وإلى جانب الزاوية، نجد ضريح سيدي محمد الجناتي، وضريح سيدي عمران. فالمكان الأول كان منطلق دعوة الجيلالي ومبايعته، والثاني شهد هزيمته استسلامه. ولعل ارتباط الجيلالي بوحمارة بهذه الأمكنة (الزاوية والضريحين)، يوضح الطريق الذي اختاره هذا الثائر للوصول إلى الحكم.

ويمكن تقسيم هذه الأفضية الواردة فيها إلى نوعين:

ا) أفضية عمرانية حضارية

ب) أفضية جغرافية طبيعية

        

9- الأفضية العمرانية الحضارية

وهي أفضية ذات إرث ثقافي، وحضاري كفاس، وطنجة، وغيليزان. وتحمل دلالات ثقافية، وسياسية، ومعرفية، وحضارية. كما أنها منفتحة على العالم الخارجي، و محطة أنظار القوات الاستعمارية الأوروبية (الفرنسية والإسبانية).

* الأفضية الجغرافية الطبيعية

وهي أفضية خارجية غير آهلة. مفتوحة على الطبيعة والعراء، كالطريق الممتد ما بين فاس ووجدة، وجبال الريف، حيث تقيم القبائل مؤتمراتها ولقاءاتها، والمساحات المحيطة بالضريح، حيث يقام الموسم السنوي، ومنبسط (النكور غيس)، حيث دارت المعارك الفاصلة بين قبائل الريف، و قوات الثائر الجيلالي بوحمارة. وهذه الأفضية تؤشر على الفراغ، والفقر، والجهل، والإهمال. وبالتالي ارتفاع قابلية التصديق بالكرامات، والخوارق، والتأثر بأي دعوة سياسية مقدمة في إطار ديني، والدفاع عنها بقوة السلاح. وبقدرما كانت المدن والحواضر منيعة على الثائر بوحمارة، في كسب المؤيدين، ونشر دعوته، كانت القبائل المتاخمة في الجبال، والأماكن النائية سهلة الانقياد له والاقتناع بدعوته. ومن ثم الانخراط معه في التمرد والثورة والعصيان.

إن تعدد الأفضية وتنوعها في مسرحية (الثائر المهزوم) يعكس غنى الأحداث، واحتدام الصراعات السياسية والعسكرية بين الثائر، وبين قواد السلطان المولى عبد العزيز، المدعمة بقبائل بني ورياغل. وهذه الأفضية بأبعادها السياسية، والدينية، والثقافية أبرزت صورا تاريخية، وواقعية، عن الحالة العامة التي كان عليها المغرب. وما هذه الصراعات التي عاشها في بداية القرن العشرين إلا إرهاصات على الضعف السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي الذي انتهى بقبول الحماية، بعد انتهاء ثورة الجيلالي بوحمارة بسنوات قليلة.

10 – صيغة التحديد الزمني التاريخي

استخدمت صيغة التحديد الزمني التاريخي في مسرحية (الثائر المهزوم). والسبب في نظرنا هو كون المسرحية استقت شخصياتها، وأحداثها من مصادر تاريخية حديثة مدونة. وقد احتفظ المؤلف بالمحطات الأساسية في سيرة الجيلالي الزرهوني، وصاغها في قالب درامي، تماهى فيه التاريخي بالمتخيل، محققا البعد الأدبي والدرامي للمسرحية.

لقد استغرق زمن الأحداث في هذه المسرحية تسع سنوات. وقد توزعت هذه الأعوام على الفصول الستة (الأدوار) التي كونت المسرحية، ابتداء من ظهور الجيلالي الزرهوني في الأيام الأولى للسلطان مولى عبد العزيز إلى غاية انهزامه، وموته يوم 13 شتمبر 1909.

وقد عمد المؤلف إلى التأريخ لبعض الأحداث بذكر تفاصيلها في الهامش، مرفقة بصور الظهائر والمراسلات مع إثبات مصادرها. وهذا ما عزّز البعد التاريخي والواقعي للمسرحية. ورغم اعتماد المؤلف تقنية السرد التاريخي، فقد جاءت أحداث المسرحية متلاحقة سريعة، انعكس ذلك ايجابيا على إيقاع المسرحية، مما يعطي الانطباع بالاستمرارية، والسرعة، والتطور، وخلق إحساسا بتتابع الأحداث السياسية الوطنية والعالمية، وتفاعلها تحت تأثير الأطماع الاستعمارية الأوروبية.

إلا أن المؤلف لم يحدد الوقت الخاص للأحداث، كما لم يشر إلى فصول السنة، لا في الإرشادات المسرحية، ولا أثناء الحوارات، باستثناء حالة واحدة أشار فيها إلى فصل الربيع، وهو الفصل الذي تجنبت فيه قبائل بني ورياغل الحرب مع الجيلالي بوحمارة، لأنها لم تكن قد جمعت محصولها الزراعي بعد.

و الجدير بالإشارة، إلى أن اهتمام المؤلف بالبعد التاريخي للحدث كان أكبر من اهتمامه بالبعد النفسي للشخصيات. لذلك فإن المتلقي لم يتعاطف مع هذه الشخصية الرئيسية، في أي من مواقفها وأحداثها. وهذا ما يبرر كون الكثير من الأحداث التراجيدية لم تترك أثرها النفسي في المتلقي، ولم تحرك عاطفة الخوف والشفقة لديه، ومن ثمة لم تحقق التطهير.

11- البناء السردي المركب المرتبط بالتاريخ

اعتمد هذا البناء في مسرحية (الثائر المهزوم)، لتركيزها على التاريخ مصدرا أساسا للأحداث الدرامية. ولقد سار الكاتب في سرد الأحداث التاريخية وفق جري الزمن في تسلسل متصل. إلا أنه استطاع أن يوفر للسرد التاريخي البعد الفني، بلجوئه إلى تقنيات طوعت الحقائق التاريخية، وأصبغت عليها فنية الكتابة الدرامية ومتعتها وشعريتها.

ومن تلك الأساليب التي وظفها الكاتب، اعتماد المشاهد القصيرة المتلاحقة. فكل مشهد يشكل بنية صغرى مرتبطة ببنية المشهد الموالي. وهذا ما أضفى حيوية على الحدث الدرامي العام؛ هذا بالإضافة إلى الحوارات القصيرة، الخالية من الوصف والاستطراد. وكان لانتقال الشخصية الرئيسة في أماكن مختلفة، ومتنوعة، من الفيافي إلى القصور، أثره الإيجابي في تنوع المواقف والشخصيات. فالانتقال بالمتلقي من فضاء مفتوح إلى فضاء مغلق، أو الانتقال من فضاء مغلق إلى فضاء مفتوح ، جنب المسرحية الوقوع في الرتابة والجمود.

ومن التقنيات التي انفردت بها هذه المسرحية، استخدام شخصية الجنية (الفتاة الروحانية) التي لازمت الجيلالي الثائر مند توجهه إلى غيليزان حتى انهزامه. وقد تدخلت هذه الشخصية في الكثير من الحوادث والمواقف الحاسمة، تارة لصالح الجيلالي وتارة ضده، لاسيما عندما كان يفصح عن رغبته في الزواج من بنات أعيان القبائل الخاضعة له. وكثيرا ما كانت تحذره من مخاطر المغامرات التي كان يقدم عليها في جرأة وإقدام دون احتساب للعواقب. وبالإضافة إلى أعمال السحر، وكتابة الجداول لإبهار عقول الأتباع، كان بوحمارة يدعي امتلاك قدرات خارقة، تمكنه من التحكم في الجن واستخدامها ضد أعدائه.

إن الحيوية التي تميزت بها شخصية الجيلالي الثائر، والأدوار التي تقمصها، والمواهب المتعددة التي أظهرها... فهو صوفي، وعالم، وساحر، وأمير، وولي صالح وسلطان، وزعيم، وثائر.. خلقت منه شخصية درامية متكاملة ومقنعة من حيث التأثير الدرامي، ومهيمنة ببعدها التاريخي. وهذا الأمر انعكس إيجابا على البناء السردي الدرامي، الذي تميز بالسرعة والتشويق.

إلا أن الأمر يختلف مع مسرحية (الثائر المهزوم) التي جاء فيها الحوار قصيرا، مكثفا، سريعا ينم عن حيوية وتدفق، ومعبرا عن المشاهد القصيرة الدافعة إلى تطوير الحدث، موزعا بدقة بين الشخصيات، مع لغة فصيحة قريبة من لغة المراسلات والصحافة، من حيث الوضوح وسهولة الفهم. فالحوار هنا يتسم بالدرامية بعيدا عن تصوير المشاعر والانفعالات، وهو يترافق مع الحدث، ويطور الحبكة وينمي البناء.

خاتمــة

وقد تحكم البعد الديني عند كتاب مرحلة التأسيس في رؤية شخصياتهم للعالم. فنحن أمام شخصيات تنتمي للطبقة المتوسطة والفقيرة، تؤمن بقضاء الله وقدره، وتخضع لمشيئته. وقد انعكست هذه الرؤيا على المفهوم التراجيدي الذي يحمله الخطاب الدرامي ضمن هذه المسرحيات. أما الصراع فاقتصر على نمطين: الأول صراع بين شعب مستعمَر وغاز محتل. الثاني صراع بين جيلين: جيل الشباب، مندفع نحو التجديد والتغيير، وجيل الشيوخ تقليدي ومحافظ متزمت.

 

د. معمر بختاوي

..........................

المصادر والمراجع. 

1- الحاج عمر عبد السلام البوعياشي: الثائر المهزوم، مطبعة كريماديس، تطوان، المغرب، يناير 1968.

2- الثائر المهزوم، ص 11.

3- الثائر المهزوم، ص 12.

4- الثائر المهزوم، ص 14.

5- سورة فاطر، الآية 28.

6- سورة فاطر، الآية 28.

7- المرجع السابق، ص 71 .

8_ نفسه، ص 106 .        

9- المرجع السابق، ص 160.

10- نبيل سليمان: وعي الذات والعالم،دراسات في الرواية العربية، دارالحوار للنشر والتوزيع، سورية، ط 1، 1985، ص 11.

11- الثائر المهزوم، مرجع سابق، ص 71.

12- - MICHEL CORVIN : Dictionnaire Encyclopidique du théatre . Bordas , Paris , 199 , p 45 .                

13- الثائر المهزوم، مرجع سابق، ص 105.

14- د.عبد القادر القط: من فنون الأدب المسرحية. دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1978، ص24.          

15- المرجع نفسه، ص 24.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم