صحيفة المثقف

الاحتلالُ الأَمريكيّ للعِراقِ.. تَحريّْرٌ أَمّْ تَدّْميّْر؟ (2)

محمد جواد سنبهفي الحلقة الأُولى من هذا المقال قَدَّمتُ فيه، التهيئة الأمريكية المُسبقة لاحتلال العراق، تحت ذريعة تعاون نظام صدام مع تنظيم القاعدة، ونزع اسلحة الدمار الشامل من يدّْ النظام البائد.

لكن كانت الحقيقة غير ذلك تماماً، فأَمريكا خطَّطت مُسبقاً لاحتلال العراق وتدميره، بشكل متعمّد ومقصود، بناءً لمتطلبات مصالحها الاستراتيجية، في المنطقة والعالم. وعلى هذا الأساس، يجبُ مقاضاة أمريكا وتحالفها دولياً، على هذه الجريمة البشعة، التي تفوق في دمارها، قصف مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتيّن، بالقنابل الذرية. ويمكن اجمال ابرز الجرائم التي ارتكبتها امريكا وحلفائها في العراق.

1. تَدمير البُنى التَّحتية للعراق بنسبة كبيرة جداً.

2. نَهب ثروات البلد من قبل قوّات الاحتلال الامريكي.

3. شجع الاحتلال الامريكي، الجهلة من العراقيين (الحواسم)، على سرقة ممتلكات الدَّولة، وحرق وتدمير الكثير جداً من الدوائر الحكوميَّة، التي تحتوي على سجلات، تَحفَظ حقوق ابناء الشَّعب العراقي، وجرّاء ذلك؛ ضاعت حقوق الكثير جداُ من المواطنين العراقيين.

4. نَهَبَ الامريكان، كمٌّ هائلٌ من النفائس الأَثريَّة العراقيَّة، التي يعود تاريخ بعضها لأَربعة الآف سنة مَضَتّْ. كما تمَّ احراق عدد كبير من المكتبات، ومن اهمها مكتبة بيت الحكمة ببغداد، التي تضم خزاناتها، اقدم المخطوطات التاريخية. كما قامت قوات الاحتلال، بسرقة الأرشيف الخاص بيهود العراق.

5. سَلَّم الامريكان حُكم العراق، لمجموعات اغلبها كان متعاوناً معها سلفاً، وربطهم بإِمرة (بول برايمر)، وإِشراف المُنَسِّق الأَمريكي (زلماي خليل زاده)، وكانت الادارة الأمريكية قدّ تفاهمت معهم، في مؤتمر لندن المشؤوم، الذي انعقد في فندق (ميتروبوليتان)، للفترة من 14 – 17 كانون الأول 2002.

6. بموجب البرامج السياسية الأمريكية المدروسة، التي أَعدَّتها أمريكا مسبقاً وبشكل دقيق، والتي نتج من تطبيفها في العراق بعد الاحتلال، قيام نظام سياسي طائفي هشّ، وطبقة سياسية فاسدة وغير كفوءة، وصلت الى الحكم، عن طريق قوانين انتخابية، ظاهرها عادل وباطنها جائر.

7. جعلت امريكا من العراق، ساحة لتجمع الارهابيين من جميع اطراف العالم، وهذا ما صرح به علناً الرئيس الامريكي جورج بوش الابن.

و النتيجة النهائية من المؤامرة التي بدأها الانكليز، باسقاط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي يُجمع عليه العراقيون، بأنه الزعيم الوطني الوحيد، الذي حكم العراق للفترة من 1958 – 1963، ومن المؤامرة الأمريكية لاحتلال العراق، في 9 نيسان 2003، تتلخص في نقطتين هما:-

الأولى : وضع ثروات العراق النفطية، تحت سيطرة الرأسمالية العالمية، بقيادة أمريكا. وجعله سوقاً استهلاكية للانتاج الأمريكي والأوربي.

الثانية: الاستفادة القصوى من الموقع الجيوسياسي للعراق، للوقوف بوجه تمدد المحور (الروسي الايراني)، الذي بدأ دوره ينشط بشكل واضح، بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانيّة في عام 1988.

أَقول :--

1. ينبغي أن تنبري رئاسة الادعاء العام العراقي، مع النُّخب العراقية الوطنية الغيورة، من ذوي الاختصاص القانوني، ونقابة المحامين العراقيين، والكفاءآت القانونية في منظمات المجتمع المدني غير المُسيَّسة، بتأسيس منظمة حقوقية عراقية، تقوم باعداد لائحة اتهام قضائية، تدرج فيها الخسائر التي لحقت بالعراقيين، افراداً وجماعات. تجرَّم فيها الاحتلال الامريكي للعراق، وتطالب المنظمات العالمية المدافعة عن الحقوق، وفي مقدمها محكمة العدل الدوليّة، لتعويض العراق عن كل ما لحق به من دمار وخسائر، وعلى المستويين العام والخاص، جرّاء الاحتلال الامريكي للعراق.

و يجب ان يتذكر الجميع، أن هناك جرائم الحَقت الضَّرر بدول معيَّنة (منها أمريكا)، وقدّ تمَّ مقاضاة الفاعلين دولياً، وفرضت على الدول التي حركتهم، تعويضات مالية، بسبب الاضرار التي سببها المعتدون. وعلى سبيل المثال لا الحصر، حادثة (لوكربي عام 1988)، حيث جَرّمَ مجلس الأمن الدولي، نظام القذافي وتمت ادانته قضائياً، واجبروه على دفع تعويضات مالية، لذوي الضحايا وصلت الى 2.8 مليار دولار.

و حدث الأمر نفسه، عند احتلال نظام صدام المقبور للكويت عام 1990، ففرضت العقوبات الاقتصادية، والتعويضات الماليّة على العراق. هذه القرائن وغيرها تُمهّْد الطريق، امام المخلصين من ابناء العراق، للبدء باطلاق مشروع قانوني، يطالب بتعويض خسائر العراق، جزّاء الاحتلال الامريكي لأَراضيه. وأُكرر أَنَّ الاحتلال الأمريكي للعراق، لم يكن تحت أي غطاء قانوني دولي أَبداً.

2. على الاعلام العراقي الوطني، ان يُسلّط الأَضواء بكل جرأة ومصداقية، لاظهار الحقائق المتعلقة بالاضرار، التي لَحقَت بممتلكات الشعب العراقي، نتيجة للاحتلال الأمريكي للعراق.

3. على القوى الوطنية الجماهيرية، أَنّْ تُشَكّل عامل ضغط شعبي، من خلال حشّد الجماهير العراقية للتظاهر السلمي، للمطالبة بحقها الطبيعي، وما لَحِقَ بالشعب العراقي عموماً، من اضرار كبيرة جداً، على مستوى الفرد ومؤسسات الدَّولة، نتيجة الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق.

لقد نجحت أمريكا في اشاعة ثقافة احتقار الوطن، وتدمير قِيَم المواطنة الصالحة، داخل نفسية الكثير جداً من العراقيين، بسبب برنامجها السياسي التخريبي، الذي طبقته في العراق، والذي سبب حالة من الاحباط النفسي، واليأس المعنوي، عند تلك الشرائح الاجتماعية.

من المؤلم حقاً، ان يطلق الساسة السلطويون، على يوم 9 نيسان من كل عام، عنوان يوم تحرير العراق. ان هذا اليوم المشؤوم، يعتبر فاجعة للعراق وشعبه لسببين؛

الأَول:

هروب الرئيس القائد الضرورة (صدام) المقبور من بغداد، واختبائه كالجرذ المذعور في جحر من جحور منطقة العوجة، بعدما ملأ الدنيا صراخاً، بالشعارات الوطنية المزيفة، وترك العراقيين ليواجهوا مصيرهم البائس.

الثاني:

ان يوم 9 نيسان 2003، يشابه يوم 11 آذار 1917، عندما دخلت القوات البريطانية بغداد، بقيادة الجنرال (مود)، وفرضت بريطانيا احتلالها للعراق. إِنَّ الفارق الوحيد بين اليومين، هو اختلاف تسمية المحتل، من البريطاني الى الأمريكي.

فعلى جميع العراقيين يجب أَنّْ يعرفوا، بأَنَّ العراق سيبقى بلداً متخلفاً، ينتهبه السرّاق والفاسدون، الذين قذفت بهم امواج الاحتلال الامريكي للعراق، ليصبحوا قيّمين على مصالح الوطن والشعب، زوراً وبهتاناً، ما لم ينهض ابناء العراق الشرفاء، نهضة رجل واحد، لتغيير بوصلة الواقع العراقي البائس، وتوجيهها باتجاه المسار الصحيح. والله تعالى وليُّ التوفيق.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه - كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم