صحيفة المثقف

حدثتني فتاة اللوحة

سردار محمد سعيدفوق السريرالسندسي الناعم استلقت كظبي على عشب ربيعي،

متكئة على جانبها الأيمن وجسدها العاجي متدثرحتى بداية البطن بملاءة حمراء شفافة،

ما تعرّى من الجسد كغيمة بيضاء لايفارقها النورتمطر شوقاً ولهفة .

الخصر براه ثقل ردفيها، فقال قضيب البان: بالله كيف تحملهما ؟ قال لا هما يمسكاني لئلا أطير بنسيم الشوق .

ساجية الطرف أخطأته عيون الرغبة،

شعرألبس الليل ظلمته .

ترفع اليد اليسرى كأنها غصن كرمة نما يحمل عنقود عنب يتدلى باتجاه واد رحيقي بين سفحي النهدين،

واد كثغرمفتوح ينتظرسقوط حبة عنب ليلتهمها .

هذه تفاصيل لوحة استغرق في رسمها أعواماً، ولم يصل إلى مبتغاه .

عرضت عليه إحدى المعجبات بفنه أن تكون " موديلاً "،

هل من تشكيلي غبي لا يقبل عرضاً مثل هذا ؟

الذكوريون يتمنونه ويتبادرلذهنهم أنها محض عاهرة .

وإن هو صان نفسه وفكره عن تدنيسهما في مستنقع الذكورة، لكن فتاة جميلة تتعرى أمامه ليرسمها دون أن تأخذه الرجفة ويفقد السيطرة على مسك الأشياء بلين وأعصاب هادئة كفرشاة الرسم،أمر عجيب .

وقدلا يستطيع التخطيط فحدقة العين اليمنى تترجح مبتعدة ومقتربة من حدقة اليسرى، وواحدة تتسلق الهضاب والأخرى تتدحرج على السفوح نزولاً إلى الوادي العميق لتتوضأ بالعين الحمئة .

وقد لايستطيع السيطرة على الفوهات فينسكب (التربنتين) من زجاجته بإفراط إن لم تسقط فتنكسر.

قبلَ العرض لخجله أن يُطعن بذكورته،

بدأ العمل حتى قرب من إنجازها بعد وقت طويل .

قالت: دعني أرها ؟

ولما اطّلعت عليها قالت:

أعد رسم الثديين، لقد فقدا ليونتهما .

واستغرق أكثر من شهرين في رسمهما ثانية،

ولمّا رأتهما قالت:

أعد رسمهما فهما ليسا بهذا الحجم،إجعلهما أصغر،

وأستغرق العمل أشهراً حتى ظن أنهما صارا بالحجم الذي اقترحته عليه،

وكان يأمل رضاها،

وأيضاً لمّا نظرت اللوحة تفاجأ بعدم الرضا إذ بان على محيّاها،

سأل: ما الأمر ؟ قالت:

عليك إعادة رسمهما فلونهما داكن نسبة إلى لون جسدي،

فحفز مشاعره وفكره واستدعى ما يمتلك من خبرة ليفيض النور على النهدين وقضى أشهراً، يسكب التربنتاين قطرة إثر قطرة بهدوء على

(باليتة) الرسم فيذيب الألوان ويمزج ويعيد، ويعيد ويقارن مع لون الجسد،، أعاد المزج مئات المرات حتى توصل إلى لونه العاجي نفسه،

الله ما أحلى لون العاج،وما أعذب لثمه، وشمّه،

لكن حذار، فمجرد لمسه تفسد رقته .

فرح وانتشى،ونفث همّاً ثقيلاً،وراح يغير اللون في اللوحة واستغرق هذه المرة عاماً آخر،

ولما تصوّر أنه قد نال مبتغاه كاد أن يرقص لكنها عندما رأت التغيير في اللون قالت:

اللون مماثل وقد نجحت في اكتشافه لكنك غيّرت شيئاً مهماً

قال: وهو ؟

قالت: ألا ترى أن الحلمتين كحلمتي متزوجة ومرضعة أيضاً،بينما الجسد جسد عذراء وعليك تغييرهما بالشكل المناسب .

وأعاد من جديد العمل وكان حذراً لئلا تخمش أظفاره سطح اللوحة النقي فيقع في مطب آخر، واستغرق وقتاً طويلاً في العمل بجد،

يالله أهذه "موديل " !!! لا شيء يرضيها، كم من وقت مضى ولم أنجز هذه اللوحة .

قالت: ما الذي تُحدث به نفسك ؟ أتريد معرفة متى يمكنك انجاز رسم جسد انثى بالشكل الذي تريد وبالحجم الذي تتمنى وباللون الذي تحب وبالهيئة التي ترغب عليك أن تعرف أنك لن تنجزها لو عشت دهوراً وتوالت مليارات من السنين .

أليست هذي الملاءة قادرة على بعث الدفء فينا معاً، جو المرسم بارد؟ تعال هنا ارقد إلى جانب عروسك .

قال: أنت اللوحة الحيّة التي لا تُضَيّع .

وانتبه إلى نفسه برنين جرس الباب فقد استغرق متأملاً اللوحة ساعات .

دخل صديقه وقال:

إنها لوحة من قماش طُلي بالأصباغ الزيتية المعالجة بمذيبات،

إنها جماد ياصديقي ليس إلا.

 

سردار محمد سعيد

نقيب العشاق بين بيخال والبنج آب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم