صحيفة المثقف

المَقَامَةُ الانْتِخَابِيَّةُ

محمد جواد سنبهفِي عَصرِ كُلِّ يومّْ . بَعدَ الرَّاحَةِ والنَّوْمّْ. أَذّْهَبُ لبَغْدَادَ أُمِّ النُّجومّْ. أَجلِسُ في مكانٍ مَعلومّْ. اسمهُ (مَقهَى أُمِ كُلّْثُومّْ). لأُروّحَ عَنّْ نَفسي كَدَرَ الهُمُومّْ. وأَنّْسَى واقِعَنا المشّْؤومّْ. ووَضّْعَنا المُعَقَّدِ المأْزومّْ. فلا أَخبَارٌ ولا هُمومّْ. ولا حَرّْبٌ ولا هُجومّْ. ولا مَمّْدوحٌ ولا مَذّْمومّْ. ولا ذِكّْرٌ لسياسيٍّ غَشُومّْ. أَو قَائِدٍ جاهلٍ مَسّْؤومّْ. لا شيءُ أَسمعُ عَنّْ الخُصوصِ والعُمُومّْ. سَلْوَتيْ بأَشّْجَى أَلحَانِ صَوّْتِ (أُمِّ كُلّْثُومّْ).

(2)

أَجلِسُ بَعضَ السُّويّْعاتّْ. أُقَلِّبُ معَ نَفْسي الحِكاياتّْ. حِكاياتُ شَبَابيّ ومَا فَاتّْ. أَيّامُ الحُّبِّ وزَّهوِ السَّنَواتّْ. الخَيّْرُ فيها عَمَّ كُلَّ الطَّبَقَاتّْ. وعَاشَ النَّاسُ بنِعَمٍ وبَركاتّْ. آمنينَ مِنّْ شَرِّ المُفخَخاتّْ. وغَدّْرِ الأَحزمَةِ النَّاسِفَاتّْ. الناسُ فَرحينَ بكُلِّ الأَوّْقاتّْ. الشوارعُ تَزهو بمُرورِ الفَتيَاتّْ. لا أَدريْ ... أَ بغدادَ حبيبَتي أَمّْ هُنَّ الحَبيبَاتّْ.

(3)

و أَنَا سَارحٌ في الخَيالّْ. أُقَلِّبُ صَفَحاتِ الجَّمَالّْ. لتلّْكَ الأَوّْقَاتِ والأَحوالّْ. وانتَقِلُ مِنّ حَالٍ إِلى حَالّْ. وإِذا بـ(مَسّْلوبٍ بنَ مَنّْهوبّْ). صَديقي الوَفيّ المحبُوبّْ. عَوّْني على صِعَابِ الخُطوبّْ. وأَنيْسي في الوَطنِ المَغّْلوبّْ.

وَطَني الّذي مَسَّهُ لُغُوبّْ. مالُهُ بيَدِ السَّارِقِ الَّلعوبّْ. وحالُهُ تَعيّْسٌ تَروبّْ. شِمالُهُ إِقليمٌ مَغّْصوبّْ. جُنوبُهُ تَخَلُّفٌ وعُيُوبّْ. صَابرٌ على الضَيّْمِ صَبّْرَ أَيُّوبّْ. صَارَ شَرقُهُ وغَربُهُ لسَماسِرَةِ الحُروبّْ. يَدَّعي مَنّْ يُداوي جُروحَهُ كلُّ أَفَّاكٍ كَذُوبّْ.

(4)

قالَ (مَسّْلوبُ بنَ مَنهوبّْ):

أَراكَ يَا ابنَ (سُنّْبَةَ) المِرقَالّْ(1). وكأَنَّكَ شارِدَ البَالّْ. هَلّْ تُحَضِّرُ لكتابَةِ مَقَالّْ؟. أو قِصَّةٍ تُبَيِّنُ فيها عُمومَ الحَالّْ؟.

قُلتُ: كلّا يا ابنَ (مَنّْهوبّْ).

أَصّْبَحْنا بِلا وطنٍ ولا مَالّْ. تَذَكّْرتُ أَيَّاماً طِوالّْ. كانَ بدِرهَمَيّْنِ زَوّْجُ النِّعالّْ. ظَفَائِرُهُ وشِسْعُهُ (2) مِنّْ جُلودِ الجِمَالّْ. لا فَقيرٌ فيها يَتَكَفَّفُ بالسُّؤالّْ. ويجّْمَعُ قُوتَهُ من النِّفَاياتِ والأَزبالّْ.

قالَ (مَسّْلوبُ بنَ مَنهوبّْ):

يا سَيّدَنا ذُو الجَلالّْ. أَيامٌ العَوّْدُ إِليها مُحَالّْ. كما أَيامُنا هذي في زَوالّْ. ولا نَعلَمُ ما سَيَكونُ المآلّْ. قُلتُ: صَدَقّْتَ يا ابنَ الحَلالّْ.

قَدّْ قُلْتَ وصَدَقّْتْ. ونَصَحّْتَ فأَبلَغّْتّْ. ونَطَقّْتَ حِكمَةً ونَبَّهتّْ.

قالَ (مَسلوبّْ): أَ تَعلَمُ يا ابنَ سُنبَةَ أَيّْنَ كُنّْتّْ؟.

قُلّْتُ يا (ابنَ مَنّْهُوبّْ) :

لَو كُنّْتُ أَعلَمُ الغَيّْبَ لما تَعِبّْتّْ. ولارتاحَتّْ نَفْسيْ وما نَصِبّْتّْ. ولاسْتَكّْثَرتُ الخَيّْرَ ومَا وَهِنّْتّْ.

(5)

قالَ (مَسّْلوبُ بنَ مَنهوبّْ):

كُنّْتُ عنّْدَ عَمَّتي (زَكِيَّةْ) ... أَ تَتَذّْكَرُها ؟. .. . كانَتْ جِيرانَكُمّْ فِي الكاظِمِيَّةْ.

قُلْتُ:

كَيّْفَ لا أَعرِفُ تِلكَ الثِرثَارَةَ الشَّقِيَّةْ !!! . فِي مَجَالِسِ النِّسوانِ تَهذِرُ بِلا رَوِّيَّةْ.

قَالَ (مَسّْلوبّْ):

إِنَّها صَارَتّْ عَرَّافَةً دَهِيَّةْ (2). تَكّْشِفُ الطَّالِعَ بمَهارَةٍ ذَكيَّةْ. رُوادُها أَهلُ المناصِبِ السَنِيَّةْ. أَعضاءٌ في كُتَلٍ نِيابِيَّةْ. ووزراءٌ بالحُكومَةِ المَركَزيَّةْ. ومِنَ الإِقليمِ شُخُوصٌ عَلِيَّةْ. يَسأَلونَها عَنِ المسائِلِ العَصِيَّةْ. فَتُرشِدُهُم لِحَلِّ كُلِّ قضِيَّةْ. وإِنّْ كانتْ مُعَقَّدَةً رَزِيَّةْ.

وَ هُمّْ .... يُصّْغونَ إِليّْها برَوِيَّةْ !!!. بنُفُوسٍ راضِيَةٍ مَرضِيَّةْ !!!. يا ابنَ (سُنْبَهْ) ... إِنَّ الحُظُوظَ عَطِيَّةْ !!!. هي الّتي تَجعَلُ العَالِمَ مَطِيَّةْ !!!. وهي التي تَجعَلُ الحِمَارَ داهيَةً عَصِيَّةْ !!!.

قُلّْتُ: نعم يا (مَسلوبّْ) ... ذا حالُ دُنيانَا الدَّنِيَّةْ. ولكنّْ يا (مَسلوبّ) لَمّْ تُخبرَني لُبَّ القَضِيَّةْ !!!؟. فما شُغْلُنا بعَمَّتِكَ (زَكِيَّةْ)؟؟.

(6)

قالَ (مَسّْلوبُ بنَ مَنهوبّْ):

إِنّي زُرتُها واستَحّْلَفْتُها بأُمّْي (نَشّْمِيَّةْ). أَنّْ تُبَصِّرَ فِي طَالِعي برَويَّةْ. فأُمّْنِيَتي الفَوّْزُ بوَظيّفَةٍ عَلِيَّةْ. بدَوّْلَةِ العَدّْلِ والدِّيمُقراطيَّةْ. فأَحّْظَى بسِعَةِ الحَالِ مَزيَّةْ. فالهَدايا والعَطايا للموظَّفيْنَ جِرايَةٍ سَخيّْةْ.

قلّْتُ يا (مَسّْلوبّْ) :

وماذا فَعَلَتّْ لكَ عَمَّتُكَ (زَكِيَّةْ) ؟؟.

قَالَ:

جَلَسَتّْ وفَرَشَتّْ قِطّْعَةَ قِماشٍ تُهاميّْ. ونَثَرَتّْ حُصَيّْاةً وخِرَزاً كالآليّْ. مَعَها عُظيّْمَاتُ تَيّْسٍ شَاميّْ. نَظَرَتّْ وهي تُقَلِّبُ عَيّنيّها بقلّْبٍ حَامِيّْ. عَبَّسَتّْ بوَجّْهي وقالَتّْ: اسمَعّْ مَقَاليّْ.

قُلتُ لها:

يا عمَّتاهُ باستِفّْهامّْ. باللهِ عَليّْكِ هَلّا أَفّْصَحّْتِ بالتَّمَامّْ؟؟.

فإِنّي أَرى بوَجّْهكِ سِيْماءَ الاهتِمامّْ. وسَعادَةَ المسّْرورِ بالاختِتَامّْ !!!.

فيَا تُرَى هَلّْ سَتَتَحَقَقُ الأَحلامّْ؟؟.

قَالَتّْ عَمَّتي (زَكِيَّةّْ):

ليّْتُكَ رأَيّْتَ مَا أَرى. انكَشَفَ عَنّْي حِجَابُ الوَرَى. ورأَيّْتُكَ رئيسَاً للعِراقِ في الذُّرَى. تَحكُمُ كُلَّ مَدائِنِهِ والقُرَى. بِيَّدِكَ الأُمورِ مُستَوّْثِقَةِ العُرَى. مُستَتِبَّةٌ بلادُكَ والخيرُ فيها قَدّْ جَرَى.

(7)

قُلتُ:

وَيّْ ... عَمَّتَاهُ ... كيّْفَ أُسَيّرُ أُمُورَ البِلادّْ؟؟.

و كيّْفَ أَقّْضِي بَيّْنَ العِبَادّْ؟؟.

لِوَحّْديّْ .... دُونَ مُعيّْنٍ جَوَادّْ؟؟.

لا بُدَّ لِيّْ مِنّْ مُستَشَارٍ ذي وِدَادّْ. يكونُ ليّْ عَوّْناً وعِمَادّْ. يُسَاعِدُنِي ويَشُّدُ أَزّْري بسَدَادّْ. لِننّْتَصِرَ على مُؤامَراتِ الأَوّْغَادّْ. ونَبسِطُ الأَمّْنَ في المُحافَظاتِ وبَغدَادّْ. ونُنّْعِشُ الاقْتِصَادَ مِنَ الكَسَادّْ. ونَفّْتَحُ المَجَاريَ مِنّْ كُلِّ انّْسِدَادّْ. ونَرفَعُ الأَزّْبَالَ مِنَ الأَحيَاءّْ. ونُؤَمِّنُ لِكُلِّ العِراقِ الكَّهربَاءّْ. ونُزَوّدُ جَميْعَ المنَاطِقِ بالمَاءّْ. وسَيَسّْعَدُ مَعاً الأَغنيَاءُ والفُقَرَاءّْ. هَذا مَشّْروعِيْ لِلعِرَاقيّينَ النُّجَبَاءّْ.

قَالَتّْ عَمَّتي (زَكِيَّةّْ):

آتِ مَنّْ تَخْتَارُهُ مِنَ الرُّوّْاد. لأَعمَلَ لَهُ حِجَابَ السَّدَادّْ. وحِرّْزَ دَفّْعِ مَكارِهِ الحُسّْادّْ.

(8)

وبعدَ هذا الإِسّْهابِ الشَّديْدّْ. قَالَ لي (مَسْلوبُ بنَ مَنهوبٍّ) العَنيْدّْ:

فَدَيّْتُكَ يَا ابنَ (سُنّْبَهْ) ... كُنّْ لِيّْ عَضِيّْدّْ. فَكُلٌّ مِنّْا سَيَكونُ بالحُكّْمِ سَعيّدّْ. واتّْرُكّْ يا ابنَ (سُنّْبَهْ)، المَقَاهيَ وكُنّْ رَشيّدّْ.

قلتُ: يا (مَسّْلوبَ) وما المَطّْلوبّْ؟؟.

قالَ (مَسّْلوبُ):

أُريْدُكَ مَعي مُسّْتَشَارَ الإِعّْمَارّْ. ووزيّْرَ شُؤونِ الأَمّْنِ والاسّْتِقّْرارّْ. فعِنّْدَكَ الحِكّْمَةِ وبَداعَةِ الأَفّْكارّْ. وسَنَرّْفَعُ عَنّْ الشَّعبِ كُلَّ الأَضّْرارّْ. وسَنُحّْييْ الأَرّْضَ المَوَاتَ، بالزّرّْعِ والأَثّْمَارّْ. وسيَعِمُّ العِراقَ كُلُّ خَيّْرٍ وعَمَارّْ.

(9)

لمّا سَمِعّْتُ مقولَةَ مَسّْلوبّْ. ضَحِكّْتُ ضِحّْكَ مُستَظّْرِفٍ طَروبّْ. قَالَ (مَسّْلوبّْ):

لِمَ الضِحّْكُ يا سَيدَنا المَحبُوبّْ؟؟.

هل أَتيّتُ بحَديْثٍ مَكذوبّْ؟؟.

قُلتُ : كلّا ... حَاشَاكَ يَا مَسّْلوبّْ. لَقَدّْ صَدَقَتّْ عَمَّتُكَ الَّلعُوبّْ. عِراقُنَا يُحكَمُ بالحَظِّ الغَلوْبّْ. لا السَّياسَةُ فيّْهِ عِلّْمٌ وضُرُوْبّْ. والعُقولُ فيّْهِ تَتَلاشَى وتَذُوبّْ. والحِكمَةُ فيّْهِ تُلقَى بالدُّروْبّْ. ويَفُوْزُ بالحُكّْمِ كُلُّ مَحظُوظٍ نَهوْبّْ.

سَلامَاً ... يا عِراقَنَا المَرّْعُوبّْ.

سَلامَاً ... أَموالُكَ مَلأَتّْ الجُيُوبّْ.

سَلامَاً ... فِيّْكَ تَسَاوَى التُّفَّاحُ والخَرّْنُوبّْ.

فَعُذّْراً يَا (مَسّْلوْبّْ). لا أَكونُ خَائِنَاً ولا خَبُوبّْ(3). وابتَعِدّْ عَنّْي ... وإِلّا ضَربتُكَ بِنِعَالٍ جَدُوْبّْ.

قالَ (مَسّْلوْبّْ):

عَفّْواً أَيُّها السَيّدُ اليَعّْسُوبّْ. سَأَسّْكُتُ عَنّْ هَذا اللُّغُوبّْ. لَمّْ أَدّْرِ بأَنّْي لَكَ تَعُوْبّْ. سَلاماً سَلاماً سَيّدُنَا المَهْيُوْبّْ.

قُلّْتُ: سَلاماً سَلاماً يا ابنَ مَنّْهوبّْ.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه - كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

...................

(1): (أَرْقَلَ في سيرِه : أسْرَع).

(2): (دَهِيٌ : ذو دَهاءٍ).

(3): (خَبٌّ: رَجُلٌ غشَّاش)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم