صحيفة المثقف

جيجل المختلة أم جيجل المحتلة

فاطمة الزهراء بولعراستحت هذا العنوان *جيجل المختلة* يكتب من حين لآخر الكاتب الشاب فارس كبيش على صفحته في الفايسبوك منشورات في الصميم عن جيجل أو بالأحرى عن سلوك مسئوليها وأحيانا ساكنيها، ورغم أنه غالبا يقول الحقيقة إلا أنني كثيرا ما كنت أعترض في نفسي على هذا العنوان، ليس مزايدة في حب جيجل على أحد، لكن كان يؤلمني ان تكون جيجل مختلة فهل هي كذلك حقا ؟ أم أن الأمر أكبر من الاختلال؟

كبرنا ونحن نعتقد ما اعتقد من قبلنا بقولهم *مّا جيجلي ولا نوصّيك* وهو مثل يدلّ على ذكاء الجواجلة وشدّة حرصهم ونباهتهم، لكن يبدو أنه علينا أن نغير اعتقادنا فالجيجلي الآن تغير كما تغير كل شئ في هذا البلد الآمن بإذن الله، وأنه من الصّدق أن نعترف أنه ومهما كنا نعتبرأنفسنا أذكياء و افتخرنا بذلك، فإن لنا سقطات وسلوكات يأنف منها كل ذي حس ويلوم من يقوم بها كل ذي ضمير ، حفاظا على سمعتنا وسمعة مدينتنا وبلدنا، لستُ ناصحة ولا لائمة لأحد لكني كتبتُ هذا المقال كملاحظة لما يحدث في جيجل وخاصة في المجال الثقافي الذي من المفروض أن يكون أقل اختلالا، ويلمع صورة الولاية وصورة أهلها التي لازالوا جميعا يحرصون أو يتمنون على الأقل أن تكون براقة ولامعة.والأهم لائقة وتناسب تاريخها الضارب في عمق والأصالة والقيم النبيلة التي عرف بها أهلها منذ القدم.

فليس أجمل من أن تنظم في جيجل ملتقيات أدبية مغاربية وليس أجمل من أن تكون عاصمة ثقافية ولو لأيام تحت شعار جميل : الشعر والوعي الوطني هذا الحدث الجميل طالعتنا به رابطة كتاب وادباء جيجل بتنسيق مع مديرية الثقافة في العاشر من أفريل الحالي فأثلج صدورنا واتنظرتُه شخصيا بفارغ الصبر، لكن وككل الأشياء الجميلة التي لا تكتمل أخذتُ من هذا الملتقى صفعة منذ اليوم الأول بل منذ الدقائق الأولى من دخولي قاعة الشهيد حمليل عيسى والذي افتتح فيها هذا الملتقى الهام، خاصة وأن موقعها لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مسكني، وبغض النظر عن ملاحظاتي الأخرى وأغلبها تنظيمي ومن الصعب التحكم فيها فإن المدهش في الأمر أن المعنيين صبوا جام خطئهم على شخصي ربما عن غير قصد، لكن ذلك ليس مهما بقدر ما هو مهم ألا يحدث مرة أخرى لأى شخص. لأن المفروض ان الملتقيات تحرص على استقطاب الناس وليس على تنفيرهم أما الملتقيات الأدبية فمن المفروض أن تجمع أكبر عدد من الأدباء ليتعارفوا ويفكروا من الأجل الأفضل والأحسن، وكذا الكثير من المهتمين والمتذوقين خاصة أن نظرية النخبة قليلة لم تعد تنطلي على أحد .

أتفهم كثيرا الجهود التي بُذلت من أجل الملتقى في ظروف صعبة دائما بحكم أزمتنا المتوارثة مع الأدب لكني أجزم أن الأسماء التي جمعها هذا اللقاء من داخل الوطن ومن خارجه كانت تحديا حقيقيا. و أعرف أن ذلك لم يكن سهلا أبدا.

دخلتُ القاعة وكلي انشراح وفرح وجلستُ في الصف الأول بتوجيه من أحد المنظمين الذي قال : الكراسي الحمراء لأن هناك أخرى زرقاء ، لم يكن يهمني الصف الأول أو غيره ، كان يهمني أن أستفيد من محاضرات لأسماء معروفة وأستمتع بجمال الشعر الذي سيصدح بها الشعراء لكني فوجئت بأحد الشباب يدخل ويطلب مني أن اغير مقعدي وأذهب إلى الخلف، لكني رفضت فاعتذر الفتى وأكد أنه مجرد رسول، كان ممكنا أن يقف الأمر عند هذا الحد وأنساه لولا أن السيد رئيس الرابطة أتى بنفسه ليجدد الطلب بأن أجلس في الخلف لكني أجبته بأنني لن أغادر مكاني إلا لبيتي فقال اذهبي لبيتك وأضاف محدّثا عن تعبه وسهره من أجل الملتقى. كدت أعود إلى بيتي لولا أنني تذكرت أنني أجلس في مكان ليس ملكا لأحد مكان دفع أجدادي وآبائي فيه دماؤهم والدليل على ذلك اسم الشهيد الي تحمله هذه القاعة.

الغريب في الأمر أني لم أكن وحدي في هذا المكان بل كان هناك من يجلس على يميني وعلى يساري دون أن يُطلب منهم تغيير المكان، وعندما واجهت رئيس الرابطة بسؤالي قال أنه من أجل أن نملأ *الأماكن الشاغرة* وكان عذرا اقبح من ذنب ، أنا لم آت من أجل أن أملا المكان الشاغر لكي تزين صوره الصحف والمواقع ولا من أجل الوالي أو الوزير الذي تدعي أنه يريد ذلك أنا جئت من أجل الأدب الذي أحبه والشعر الذي أعجب به وجيجل التي تمنيتها ولازلتُ راقية بأدبها وسلوك أهلها، أنا جئت وأنا فخورة بأن تستقبل جيجل الأسماء الهامة في بيت الأدب تضيفها إلى الأسماء المعروفة فيها ،لكني فوجئت بالمعنيين يريدون إقصائي وربما إهانتي لسبب تافه وغير مقنع وظهر لي هذا التصرف كمن يطرد أبناءه من البيت إذا استقبل ضيوفا يراهم مهمين، لست أكتب من أجل أن أنتقص من أي كان ولكني أقدم مجرد ملاحظة في زمن يعجز الكثيرون عن تقديمها حياء أو لغرض في نفس يعقوب و ابن يعقوب وكل أهله ، ولأني لن أكون أنا إن لم أقدم شهادة ولو على نفسي عندما أخطئ وما أكثر ما فعلت. ولن أكون شيطانا أخرس أمام أي كان ومهما كان شأنه وخاصة في امر يخص كرامتي كمواطنة جيجلية ليس إلا.لأنني عودت نفسي على احترام الآخرين بغض النظر عن مكانتهم ومناصبهم ففي نظري يستحق الناس ذلك لإنسانيتهم قبل أي شئ آخر.

إن الموقف الذي تعرضتُ إليه سواء كان عن قصد أو غير قصد لا يشرف الرابطة التي أكن لأعضائها الاحترام ولا يشرف الثقافة في جيجل ولا في غيرها وكنت أتمنى أن أضيف أشياء أخرى لكني سأتركها لوقت آخر وسأتحدث لاحقا بأمانة عن إيجابياته أيضا لأن نفسي الآن لا تطاوعني لفعل ذلك،.

أما في اليوم الثاني للملتقى فقد فاجأنا خبر سقوط الطائرة العسكرية ووفاة راكبيها المئتين وسبعة وخمسين، فكان هذا سببا أخر في أن لا أعود إليه مساء فقد كانت بدايته مؤلمة ونهايته حزينة ، وعندما بعثوا لي ب*شهادة التكريم* التي أصبحت عملية روتينية ولا تمت للتكريم بصلة شعرت بألم أكبر فأنا لا أريد شهادة تكريم بل معاملة لائقة ليس إلا، معاملة تليق بي كمواطنة مهتمة بالأدب الذي اعتقدت أنني أخدمه بحضوري وليس بملء الأماكن الشاغرة.

لن أقولَ مع فارس كبيش جيجل المختلة سأقول صادقة أتمنى أن نصحّح تصرفاتنا المختلة فنحن مبهورون بغيرنا أكثر مما يجب ولا نزال نُستَلب من زيد وعمرو مع أن عندنا من هو أحسن أحمد ومحمد، وحدنا نُهان في بلدنا ونُهان في غير بلدنا، وحدنا نحتقر من نعرفهم ونحترم من لا يستحق الاحترام أحيانا وحاشا ان أكون اقصد احدا .

علينا أن نفهم جيدا أن قيمتنا هي التي نعطيها لأنفسنا ولن تأتينا مَنّا من أحد، وكذلك قيمة مسقط رأسنا.

أما قيمة بلدنا فهي تلك الصورة التي تقدمها له في شخصنا فما بالنا نخبط خبط عشواء ونفكر بأرجلنا بينما نمشي على رؤوسنا؟ لقد حدث ما حدث وانتهى الأمر، وكل ما أود قوله الآن أن اللقاء كانت بدايته ألم ونهايته أحزان وطنية .

وكاسك يا وطن.نشربه ذات يوم احتفالا برحيل الاحتلال عن أرضنا أعني الاختلال.

 

فاطمةالزهراء بولعراس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم