صحيفة المثقف

حكومة خدمات زيرو ستار

حيدر جاسم المشكورأول ما يطرحه السائح الأجنبي في أي بلد كان السؤال المعتاد عن الدليل السياحي وأماكن الاستراحة من فنادق فايف ستار ومنتجعات ومصايف وشاليهات ذات إطلالة مميزة.

ونحن في بلد الرافدين الذي حباه الله بأنعم شتى منها المياه والسواد الأعظم من الزراعة، وكرمه بمهد الرسالات السماوية ومحط أوليائه الصالحين.

اذ تعاقدت عليه الحكومات تلو الحكومات على ان تستنفذ كل خزائنه، وتستلب كل خيراته، فكان مطمع كل فاسد ومرمى كل حاقد وحاسد.

وكنت ولم أزل اشكك بصحة مقولة سعد زغلول:" فساد الحكام من فساد المحكومين" لأنها خلاف ما عرفناه من علم الاجتماع:"غيّر ظروف المرء تتغير أخلاقه".. حتى إحلال سيادة الديمقراطية العبثية في البلد.. الديمقراطية المقنعة، التي لا يعرف لها وجه من قفا، فبقدر ما سمحت للمواطن من إبداء رأيه وقول ما يريد قوله، سمحت كذلك للسياسي بالانتهازية واستغلال المنصب والتلاعب بمصير الأمة.. وان كانت الديمقراطية مطلب جماهيري ملح، لكن يشترط إلا تكون مغلوطة المفاهيم، مثلما وصفها ألكسي دو توكفيل:" لا ديمقراطية بلا حساب، وألا انكفأ الأخيار وتمادى الاشرار"؛ وهذا ما حدث بالفعل.

فالديمقراطية خدمت المسؤول أكثر مما خدمت المواطن الرازح تحت مظلة الآمال وهو ينتظر التغيير.. دجاجة تبيض ذهبا، وليلة وردية، وأجواء تفتح الرغبة للشعر والشاعرية.. ولا أجانب الصواب إذا قلت: ان ليلة القدر بعلو شأنها لا تصلح شرف سياسي فاسد، وتبرّأ ذمة مسؤول سارق.

فمنذ ان اجتمع التشظي السياسي العراقي على تغيير العلم العراقي بعد ان تخوفوا من رفع كلمة الله اكبر وابقوا على لوني الاحمر والاسود الصفة المضطردة في البلاد الظلام يريق الدماء وبالعكس، فلم يتفقوا الا على إلغاء النجوم من العلم، ومنذ تلك اللحظة ونحن في تخوف دائم من تخبط سياسي ساع في إرجاع البلد القهقرى.

فعلى سبيل المثال لا الحصر جمهورية الصين الشعبية البالغ تعدادها مليار واربعمائة مليون نسمة مازال الطب والتعليم مجانا، مقارنة بالعراق البالغ تعداده 35 مليون نسمة تقريباً.. فبدأوا بإلغاء مجانية الطب وخضعت جميع الجوانب الصحية للتسعيرة بمصادقة ومباركة مجلس رئاسة الوزراء.. ومن جانب اخر دعا احد المسؤولين الى إلغاء مجانية التعليم فهو مكلف ومهدد لاقتصاد البلد ـ حسب قوله ـ وسرعان ما سينظر به ويطبق على ارض الواقع؛ ما زال البلد تحت حاضنة السراق، بعد ان تفاقمت الديون واستشرى فساد السوق في سوء البضاعة وغلاء الأسعار.. وخضع كل شيء للخصخصة الماء والكهرباء؛ والنفايات على درج المناقشة.. واعتماد موازنة 2018 على الرسوم والضرائب والجباية، ابتداء بمعامل الكاشي والاشتايكر ومعامل الطابوق، مرورا بالمهن الأخرى، وانتهاء بإزهاق المواطن وتشريده او اضطراره للجوء الى أعمال منافية للأخلاق والأعراف السائدة.

بينما هناك ثمة حلول خاصة ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية جديدة، منها تقليص عدد المسؤولين وحماياتهم وإلغاء مخصصات الطوارئ الى حين.. والعمل الجاد في تقليل نسبة التمثيل البرلماني الى اقل عدد ممكن؛ ما يساعد في رفد الاقتصاد العراقي الذي أوشك على الإفلاس.

وقبل الختام انوه الى ان الخدمات الاساسية المقدمة للمواطن من قبل اغلب دوائر الدولة هي اذا لم تكن تحت الصفر فهي بالتأكيد لا تعدو هذا الرقم، فمعاملة الجواز او بطاقة الهوية الوطنية العمل بها تحت يافطة اصبر والصبر طيب.. اما معاملة التقاعد، فمت يا حمار.. وهلم جرا

وأتساءل وكلي الم: يا ترى ما هو انطباع السائح الأجنبي عن البلد، فالشوارع تعانق الازبال، وتنهال لعنة الظلام على المدن، والأنهر توشك على الجفاف، والسواد الأعظم في حداد، فالأرض ماحل جدباء، لا زرع ولا ماء.. فأية إطلالة مميزة تعلق في ذهنه قبل كاميرته غير صورة لبؤس الديمقراطية وشعب البؤساء.. غير ما يمكن استنتاجه وبلا جهد جهيد او إطالة تفكير وتكلف غير أنها حكومة خدمات زيرو ستار.

 

حيدر جاسم المشكور/ العراق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم