صحيفة المثقف

الوطن لمن؟

علجية عيشوأنا أبحث في صور وأسماء المستفيدين على السكن الاجتماعي بمدينتي جاءني هاتف يقول لقد سقطت أسماء عديدة، وبدأ السؤال يتلوه السؤال عن المقاييس التي وضعتها السلطات الولائية في توزيع السكنات الاجتماعية، هل كل المستفيدين هم "زْوَاوْلَة" مثلي؟ هل كل المستفيدين هم أبناء المدينة؟، أم أن القائمة تضم كالعادة أسماء للدخلاء؟ ووقفت على العديد من أسماء النساء هُنَّ غير متزوجات، كما أن اللجنة المكلفة بإعداد القائمة لم تذكر سِنُّ كل مستفيد، وهذا أمر عادي لأن صور المستفيدين المعلقة وحدها تحدد الكبير من الصغير، مع سقوط أول دمعة رحت أبحث بين جوانحي عن وطني، وما يحمله من معاني، أسئلة كثيرة تدور في ذهني عمّا تعنيه كلمة وطني؟ وكيف ننتمي إلى هذا الوطن؟، سؤال طرحتُهُ على نفسي، وربما طرحته نساء قبلي..

بحثت بين أوراقي عن الوطن، قلبت كل الصفحات، وأخذتني مركبة الزمن إلى صرخات نساء كنّ قد بحثن عن مفهوم الوطن، وهاهي الكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف تتساءل عمّا تعنيه كلمة الوطن؟ وكم هو نصيبها من إنجلترا، ما الذي يمكنه أن يقدمه القانون لها؟ ما الحماية المادية التي يمكن أن يوفرها هذه القانون أو هذا الوطن، وكان لها أن تختصر وتقول: إن الذين زعموا أنهم كافحوا وناضلوا من اجل أنه تعيش هي معززة مكرمة وحمايتها من كل شيئ يجلب لها الألم، أتراهم أخطأوا؟ أم أن الذين جاءوا بعدهم خانوا الأمانة وكانوا أنانيين وجبناء، لأنهم لم يكونوا في مستوى "الرّجال"، ربما ما قالته هذه الكاتبة الإنجليزية فكرتُ فيه قبل أن أقرأ ما كتبت، خاصة وأن فيرجينيا تحدثت عن "الدخلاء"، إن عاطفة ما تدفعها لتضمن للوطن أولا ما ترغبه للعالم أجمع من سلام وحرية، ثم تتساءل ما هو الانتماء للوطن؟، هو سؤال في الصميم..، ولعل البعض منّا طرح هذا السؤال على نفسه وهو يبحث عن مساحة صغيرة تشعره بالانتماء لهذا الوطن..

هل يكفي أن نكون حاملين "بطاقة هوية" أو "جواز سفر" لكي نثبت انتماؤنا لهذا الوطن؟، هل يكفي ذلك ونحن نعيش تحت سقف مهدد بالانهيار فوق رؤوسنا وفي أي لحظة؟، وكيف نُمْسِي أعضاء في هذا الوطن، وإن كانت أفكار فيرجينيا وولف كإنجليزية، فهي أفكار كل امرأة في العالم، مهما كانت جنسيتها ومهما كانت عقيدتها، طالما هذه المرأة تناضل وتكافح وتجاهد من أجل أن يكون لها وجود في هذا الذي نسميه "وطن"، وكيف تحقق "مواطنتها"، في ظل قوانين التملك وبأسلوب الغش والتحايل، واستغلال حب الآخر للوطن، وهنا نجدد السؤال حول قضية من له الحق في الانتماء للوطن وكيف؟ ومن هم المواطنون الحقيقيون الذين ينتمون لهذه المدينة أو لهذا الوطن؟، يقول محللون غربيون ومنهم كاثرين هول أستاذة التاريخ في جامعة لندن : إن الوطن لا يتشكل مرة واحدة كما أنه لا يخذ قالبا نهائيا إلى الأبد، بل على العكس، فإنه يعاد بناؤه وتصوره وترسيم حدوده على نحو مستمر، وهذا من أجل إعادة صياغة مفهوم "الوطن"، وتغيير مفهوم "المواطنة" وتشكيل طبقة جديدة في المجتمع، وبالتالي وضع مفاهيم جديدة من خلالها نفرق بين من هم المواطنون ومن هم الرعايا؟، ومن خلالها أيضا يمكن إعطاء الخيوط التي يمكن لخريطة الوطن أن ترسم بموجبها، وتحدد الفئات المتضمنة أو المستبعدة من المجتمع المتخيل لذلك الوطن.

الآن فقط فهمت مضمون الرسالة التي أرادت فيرجينيا وولف كـ: "امرأة"أن توجهها لنا، وللذين ينتمون إلى طبقة البؤساء لمعرفة ماهي الصلة التي تربطهم بهذا الوطن، وكأنني اسمعها تقول: أيها المواطنون الحقيقيون، أنتم دخلاء عن هذا الوطن، لأنكم لا تملكون المال لشراء كل شيئ، حتى الأمن والسلام، ماذا يعني أن أعيش في وطني وأنا غريبة عنه، ماذا يعني ان أعيش في وطني وأنا مهضومة الحقوق، وأنا أرى الدخلاء يحتلون السكنات، والوظائف، ويحصلون على كل الامتيازات على حساب الشهداء والمجاهدين ويلقون بأبنائهم في بحر الضياع، ويحولونهم من مواطنين حقيقيين إلى رعايا، فيشعرونهم بأنهم هم الدخلاء.. لك الله يا وطني، لقد رسمت فرجينيا لوحة للإنتماء وهي تردد : "نعيب الغدفان على شجرة الدردار، والأمواج التي ترتمي على أقدام الشواطئ والأصوات التي تترنم بأناشيد رياض الأطفال"، محزن جدا طبعا أن تكون غريبا في وطنكَ ..لك الله يا وطني.

 

علجية عيش

......................

ملاحظة: عبارة زواولة هي لهجة جزائرية بمعنى فقراء

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم