صحيفة المثقف

العزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية .. تحليل سيكوبولتك

قاسم حسين صالحافادت النتائج الأولية بأن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية للعام 2018 كانت بحدود( 44% ) على صعيد العراق، ما يعني ان اقل من نصف العراقيين الذين يحق لهم الاقتراع والبالغ عددهم 24 مليونا ونصف شاركوا في الانتخابات بينهم القوات الامنية التي شاركت بكثافة، وكانت المحافظات الوسطى والجنوبية هي الأقل مشاركة بعد العاصمة بغداد التي بلغت نسبتها 33% ، مع انه تنافست فيها 320 حزبا وأئتلافا وقائمة انتخابية ضمت سبعة الاف و367 مرشحا.

ومن عادتي انني استطلع الرأي في مثل هكذا ظواهر اجتماعية وسياسية، وكان السؤال هو:

(نسب المشاركة في هذه الدورة (2018) هي الأوطأ .. الأضعف .. الأقل، مع ان فرز الأصوات كان الكترونيا.حدد سببا واحدا تعتقد انه الأهم في هذا العزوف الجماهيري. 12 /5 / 2018).

شارك في الاجابة على هذا الاستطلاع 2157 مستجيبا بينهم اكاديميون ومثقفون واعلاميون وجمهور من الفيسبوك وفي ادناه اهم النتائج.

مصادر الاسباب

تحددت مصادر اسباب عزوف العراقيين عن المشاركة في انتخابات 2018 بالآتي:

• نوعية الطبقة السياسية الحاكمة

• قانون الانتخابات

• الاحباط واليأس

• مفوضية الانتخاب

• المرجعية الدينية

• التزوير واللاجدوى

• الاعلام

• نوعية المرشحين

ففيما يخص الطبقة السياسية، فلقد وصفها المستجيبون بأن الغالبية المطلقة منها فاسدون، وانها فاشلة في تأمين حاجات المواطنين وتوفير الخدمات، وانها اهتمت بمصالحها الشخصية ومصالح احزابها وتركت الوطن خرابا، وان 15 سنة من الفساد المالي والاداري جعلت الناس تفقد الثقة فيها وترى انها ستوغل اكثر في الفساد، وان مقاطعة الانتخابات سيشكل مقدمة للأطاحة بها في ثورة شعبية.ويرتبط بهذا السبب موقف آخرين بأنه لا جدوى من المشاركة في الانتخابات لوجود عمليات تزوير لصالح احزاب السلطة.ويذهب آخرون الى علمهم المسبق بتزوير الانتخابات، وأنه تم اختيار الأسماء والقوائم الفائزة قبل أشهر ولا جدوى أصلا من كل العملية .. كما يعتقدون .. يوافقهم الرأي فريق آخر بأن القرار متخذ أصلا من خارج الحدود.

وفيما يخص قانون الانتخابات فقد وصف بأنه جرى تفصيله على مقاسات الكتل الكبيرة، وأن سانت ليغو المعدل صيغ ليخدم القوائم الأسلامية ولا يعطي مجالا للقوائم المدنية، وان الاصوات ستذهب الى رؤساء الكتل وبالتالي ستكون الهيمنه داخل البرلمان للاحزاب الحالية التي ستشكل الحكومة بطبيعة الحال بصفتهم الاغلبية، وان العزوف عن المشاركة في الانتخابات يشكل رفضا لقانون الانتخابات والطبقة السياسية الحاكمة. ويرتبط بهذا السبب التفسير الخاطئ لجمهور كبير بان العزوف وتدني نسبة المشاركة سيلغي النتائج ويجبر العملية السياسية على تشكيل حكومة طواريء، ولا يعلمون ان القانون يجيزها حتى لو كانت نسبة المشاركة 1%.

ويعزو عدد كبير من المستجبين سبب العزوف الى ان مفوضية الانتخابات غير مستقلة في حقيقتها وان خضوعها لسلطة وتأثير الأحزاب الحاكمة يجبرها على التلاعب بالنتائج ويعطي المشاركة في الانتخابات مشروعية قانونية، فيما المقاطعة تسحب منها هذه المشروعية.

ويرى آخرون ان السبب الرئيس لعزوف الجماهير يعود الى ان المرجعية الدينية تركت للشعب حرية الخروج للانتخابات من عدمه في تاكيدها على ان الانتخاب ليس واجبا على الناخب، ولو انها كانت قد الزمت الناس بفتوى او بدعوة موجبة لممارسة الانتخابات كما فعلت في دورات انتخابية سابقة، لكانت المشاركة بحجم كبير.ويفسر بعضهم موقف المرجعية هذا بأنه خوف او خشية من احزاب تمتلك السلطة والمال ، او ميليشيات شيعية تستسهل قتل الخصوم.

وعزا آخرون اسباب العزوف الى ضعف دور الأعلام الخاص بالقوى المدنية والعلمانية، فيما راى آخرون ان المرشحين والمرشحات ما كانوا بمستوى المسؤولية من حيث الكفاءة والخبرة ورزانة الشخصية، وان بينهم وبينهن من كان موضع شبهات اخلاقية .. فيما يرى آخرون أن للعزوف دلالة ايجابية اجبرت الاسلام السياسي على التوجه نحو المدنية، وارسلت رسالة الى صانع العملية السياسية بان العراقيين شعب حي ولن يموت رغم غدر بعض ابنائه.

تحليل سيكولوجي

يتحدد السبب الأهم من وجهة نظرنا .. بحالة سيكولوجية خالصة أشارت لها غالبية المستجيبين بمفردات (اليأس، الأحباط، الملل، الاغتراب ..) تنضوي جميعها تحت احدى نظريات العزوAttribution Theory .) انشغلت تجريبيا بتفسير (العملية التي يتحدد من خلالها ما اذا كان سلوك الفرد يحكمه الموقف الذي هو فيه ، أم الخصائص الثابتة التي يمتلكها الفرد) .. ومنها اشتقت نظرية اخرى هي (العجز المتعلم Learned Helplessness) .. التي ترى ان أسباب العجز تعود الى اعتقاد الفرد بلا جدوى الفعل، أي أن الفرد العاجز هو ذلك الذي آمن ويؤمن، او تعلم او اعتقد بعدم قدرته في السيطرة على المتغيرات المؤثرة في حياته بتخفيف معاناته والحصول على الرضا والسرور.أي ان العجز يظهر فقط في الحالات التي يؤمن فيها الفرد بأنه لا حول ولا قوة له ازاء مواقف الحياة ولا أمل له في حسمها .. وهذا هو الحال الذي ينطبق على الغالبية المطلقة من الذين عزفوا عن المشاركة في الانتخابات ، بعد ان تعلموا العجز خلال خمس عشرة سنة من المحاولات والاحتجاجات والخيبات المتتالية.

وما نخشاه مستقبلا ان يكون حال العراقيين حال من اجرىت عليهم التجربة ، اليكم خلاصتها:

في المرحلة الاولى، تم تعريض كلاب لصدمات كهربائية في مختبر تجريبي لا يمكنها التخلص منها .. فاستسلمت، نقلت بالمرحلة الثانية الى مختبر آخر، وتعرضت لنفس الصدمات فحدث انها لم تحرّك ساكنا بالرغم من وجود فتحة يمكنها الهروب منها.واستنتج (سليكمان- صاحب النظرية) بأن الدرس الذي تعلمته الكلاب (وينطبق على البشر ايضا) هو ان هذه الصدمات الكهربائية لا يمكن التخلص منها.وما نخشاه ان يكون العراقيون قد تعلموا العجز المتعلم عبر خمس عشرة سنة، وأنهم لن يتخلصوا من اسوأ وأفشل وأفسد حكّام في تاريخ العراق حتى لو توافرت لهم فرصة الخلاص منهم!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

أمين عام تجمع عقول

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم