صحيفة المثقف

مناجاة عاشق (مقامة)

امين صباح كبةظلمةٌ اعتجرتني، وفي بحار البلوى أغرقتني، وعن التفكّر شغلتني؛ وهموم برّحتني وما برحتني، ومن النوم حرمتني؛ وذنوب قيّدتني، وبسلاسلها طوقتني؛ (أنفاسي متحرقةٌ بالحسرات، ودموعي مترقرقةٌ بين النعرات والزفرات)؛ قال: يا من سرح الدمع على خديه، ويا من شكى لغير خالقه مايعتليه، يا من انشغل عن رب الناس، بحال بين طمأنينة ووسواس، أيها الجاهل العالم، والعليل السالم ؛إقرع سن الندم، وناجهِ في غياهب الظلم، علّه يبرئك من السقم .

فأصغيت لحديثه وقلت: اللهم

يامن سعت جوارحي إلى أوطان تعبّده طائعة، ويامن تهوي إليه قلوب التائبين مرتجفة خاشعة، يا أقدم الأقدمين، ويا آخر الآخرين، ويا غاية آمال العارفين، ويا غياث المستغيثين ؛يامن خلق كل شيء من عدمٍ وعدمه، ويا من خلق الإنسان من نطفة وركّبه وعلّمه؛ يا جامع الشتات، ويا محيي الأموات، يا من أنيرت بذكره الظلمات، يا محرك السكنات، ويا مسكن الحركات؛ يا موجودا في كل زمان، ويا صاحبا لكل إنسان، يا عالما بدبيب الخوف في ليل الحيارى، ويا من ننتشي بخمرة حبه سكارى، يا مسلط الأقدار ويا مجري البحار، يا خالق الهواء العجاج، ويامخرج الماء الثجاج، يامن أنشئ الخلق إنشاءً، وابتدأه إبتداءً، يادائم البقاء، ويا سامع الدعاء، يا مالك النواصي، من طائع وعاصي، يا معدن الجلال، والعز والجمال، يا عظيم يا متعال، ويا رائي اللحوظ، ويا سامع اللفوظ، ويا مقسم الحظوظ، يا خالق النيرين، ويا مفصّل الدائبَين؛

إن لم تكن موجودا فمن الذي يدركني عندالنوازل ؛ فألوذ بذكره في وحدتي، وأستنجده في شدتي، وأتطأطأ عند معصيته منحنيا، وأنكس رأسي خجلا منه منثنيا، ومن الذي نذكره عند النقس والأذان، ونصوم لطاعته رمضان، أرى مدة العمل قد انقضت، وغاية العمر قد انتهت، فاغفرلي ولأخواني، و كف عنا أكف السوء؛ وابعد عنا ما يضوينا، وأنر بمعفرتك دياجينا ، فجمعنا بمعصيتك شتات، وقلوبنا غُلفٌ وأموات، تأسرنا الهمجية والعادات، نتباهى بقطع الصلات، وننشغل بلهونا عن أداء الصلاة، نصفق للغريب، ونبيع ضمائرنا بأرخص نصيب، نرفض من ينبهنا من غفلتنا، ونأبى أن نستيقظ من نومتنا، تاريخنا ملطّخ بالعار، وأرضنا ليست بذات قرار، فعجّل اللهم فرج أمتنا، وافقها من هذه السكرة؛ (فالسر فيها ظاهر باد، وكل ما أجده مردد ومعاد، وكل من أراه حولي هو لي ضد ومعاد) ؛فاجمع اللهم هذا الشمل المبدد، واكفنا مؤونة هذا اللفظ المردد، وقنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

قال الغريب:يا صاحب المقامات؛ أراك منقبضا لاتنبس، وراكدا لا تهب، وكاتما لاتبوح، أعلم أن حبها قد أطاح بك، وحطم عرشك، لذا تعلم يابني أن تطلق النار على من باغتتك طلقته، علّك تروم محبته، واعلم أن في كل شيئ صدعا وهكذا يمر الضوء.

فقلت :طفت بقلبها ولبيت ؛حين طفت حولها وسكنت في قلبي كانت الحمامة المقدسة تطوف أيضا.

قال وهو يبتسم ويلوّح بكفه مبتعدا: في زمن الطغاة وحروبهم، والعصاة وذنوبهم، قد يأتي الحب كلاجئ، وإنني جئتك رغبة في شعلة تضرم منك، علّ من حولك يقبس من جذوتها فيهتدي إلى الطريق.

ولما أوحشني سكون فراقه قلت: ياجامع الناس ليوم لاريب فيه؛ يا راد يوسف ليعقوب؛ ويا كاشف ضر أيوب؛ أجمعني بقدرتك مع إيلاف، ونجنا مما نحذر ونخاف ؛وأنشدت:

يا رب إنك ذو منٍ ومغفرة

بيّت بعافية ليل المحبينا

الذاكرين الهوى من بعدما رقدوا

الساقطين على الأيدي المكبينا

يا رب لا تسلبّني حبها أبدا

ويرحم الله عبدا قال آمينا.

ولما فتشت عنها في شوارع ذكرياتي، وجدتها مع خيط الفجر الأول حاملة صورا عليها علامة الحداد، واقفة بالقرب من ضفة نهر من دموعها؛عندما استفسرت عن الصور وأصحابها قالت وقد قبست جذوة من نار عينيها الوهاجتين لتشعل الشموع :أولادنا.

 

أمين صباح كُبّة

إيلافيات

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم