صحيفة المثقف

الفن البنائي واشكالية فهمه

كاظم شمهودطرحت فكرة مدرسة الفن البنائي في روسيا منذ بداية القرن العشرين خاصة في النحت وتمثلت في استخدام مواد خام خالصة حيث استخدموا المعادن والزجاج والحديد والصلب، وخلقوا في بنائها علاقة داخلية ديناميكية بين الكتل المصمتة والخطوط والفراغات .. وكانت هناك رغبة في تخليص جميع التركيبات الفنية من الظواهر الطبيعية والرغبة في خلق حقيقة جديدة . وبالتالي فهو فنا ذا شكل خالص، وقد يكون هذا الفن يخاطبنا ليس بلغة الذهن الواعي ولكنه يستخدم نفس قوانين البناء والتي نجدها مشروعة عند الفنانين في كل زمان، غير ان الاهداف مختلفة .. ورغم جفاء غالبية الناس من تذوق هكذا لون من الفن ولكن تبقى من الاعمال الانسانية المعتبرة، وان لم تكن قد ارتبطت بالشكل الانساني الا ان هذا الفن قد اعتمد على التركيبات النابعة من الرغبات الوجدانية .. اما ان هذه الاعمال جميلة او لا، فهي موضع نقاش وتسائل؟ ويقودنا ذلك الى سؤال ما هو الفرق بين الفن والجمال؟ وهو موضوع فلسفي معقد وطويل، وقد بحثه من قبل الفلاسفة والمؤرخون. وقد قال النحات المعروف رودان (ان العناصر التكعيبية مثل الخط والكتلة تكمن وراء قوانين الحياة كلها والجمال كله) اما الشخص العادي المتذوق للفن فيكون ذلك صعبا عليه في فهم وهضم وتذوق هذا اللون من التشكيلات . ولكنه يمكن له ان يشخصها ويعرفها بانها اشكال هندسية فقط ..

النحت الحديث:

يقسم بعض المؤرخين النحت الى عدة انواع منها :

1- النحت المباشر وهو النحت الذي يقوم على الحفر على الحجر مباشرة او الخشب او الطرق على المعادن، وهو النحت الملائم والذي عاشه فنانوا الاغريق وعصر النهضة امثال مايكل انجلو .

2- النماذج النحتية البدائية مثل النحت الزنجي والمكسيكي وهنود المايا والاغريقي القديم وكذلك نماذج من الفن المسيحي الاول . ويشير بعض المحللين على ان حساسية الفنان البدائي الجمالية لا تختلف درجتها عن حساسية الفنان المعاصر .

3- عمل النحت بواسطة القوالب وتزعمه الفنان الفرنسي اوغسطين رودان 1840 - حيث يعتقد انه اول نحات في التاريخ فتح الباب على مصراعيه لهذا النوع من العمل . رغم ان مايكل انجوا احتقر فن الاستنساخ وعده ليس فنا، ولكن اليوم نتيجة للطلب المتزايد على الاعمال النحتية والاقبال على الاعمال الكبيرة اصبح من الظروري استخدام طريقة القوالب حيث توفر الوقت والاموال ويقلل من التعب والارهاق . وهي اليوم ظاهرة تجارية نعيشها في كل انحاء العالم .

4- الفن الحديث ودخول التكنولوجيا والميكانيك عليه، وقد يحدث احيانا ان يتشابك الفن البدائي والفن الحديث كما حصل في المدرسة التكعيبية .. والفن البنائي هو جزء من هذه النزعة نحو الحداثة واستخدام العمل الميكانيكي الهندسي المبني على مواد خام خالصة ..

95 الخورخي

رواد الفن البنائي:

يعتبر النحات الاسباني خوليو غونثالث 1876- الاب والممهد للنحت التجريدي المعاصر وهو الاول الذي فتح الباب للنحت الحديدي ذو الابعاد الهندسية بطريقة الطرق والصهر بالنار، وكان خوليو يشتغل مع ابيه حدادا وبالتالي كانت ميوله نحو النحت منذ كان شابا صغيرا فجاءت اعماله خالصة وصادقة . وقد شكل مدرسة واثر على معظم فناني العالم .. اما الفنان الانكليزي انتوني كارو 1924 Caro – فيعتبر احد تلاميذ هنري مور ومن المتأثرين به ولكن عندما سافر الى الولايات المتحدة انبهر باعمال فنانيها وموجة الحداثة والتجريد .. فابتعد عن الفن الشكلي واخذ يعمل بطريقة لحيم الحديد وبناء قطعه بشكل هندسي، وهو يعتمد بذلك على مواد خام غير منظمة او ما يصطلح عليها- سكراب – او بقايا وفضلات ورش الحدادة ويكون منها تشكيلات ولغة فنية جديدة . وعادة ما تكون هذه القطع مصبوغة بالوان صافية حارة. وقد شاهدت له معرضا ضخما في تاتي كالري في لندن قبل عدة سنوات وقد عرض فيه اعمال تتكون من قطع مختلفة من مادة الحديد مثل القطع التي تستخدم في البناء او سكك القطارات كما شاهدت له اعمال اخرى عبارة عن تكوينات نحتية تتكون من مواد خرق قماش وخشب وحديد وغيره .. ويذكرنا ذلك بحركة البوب آرت واستخدامها للمواد الرخيصة في تشكيلاتها الفنية والتي نشأت في البلد الذي حط فيه كارو .. وفي اسبانيا ظهر النحات خورخي اوتيثا 1908 – واتجه نحو التجريد في عقد الاربعينات واشتغل في فلسفة الفراغات والفجوات ودورها في جمالية اعمال النحت وشكلت اعماله حوارا بين المادة والكتلة والفراغ حيث استخدم الاشكال الهندسية وعدها وسائل لغوية في التعبير عن مفاهيمه الجمالية . ورغم ان خورخي كان يساريا وهرب الى امريكا الجنوبية من حكم فرانكو الا ان اعماله لم تتأثر بالمدرسة الاشتراكية كما هي مثلا عند فناني المكسيك وامريكا الجنوبية .. وقد شاهدت له مقابلة تلفزيونية حوارية كان فيها يشتكي من تعامل المسؤلين معه وسرقة افكاره واشكاله وكان عصبيا في خطابه . وذكر انه الآن قد توقف وتخلى عن النحت وانه قدم كل ما عنده ولا حاجة للاستمرار ... وكانت حياة خورخي يسيطر عليها الحزن والقلق والاضطراب حيث انهى معظم عمره بالمنافي والبعد عن اهله ووطنه وبالتالي يبدو انه يأس من الحياة، مما ادى ذلك بالاخير الى انتحاره ..

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم