صحيفة المثقف

من حكومات الصراع الشيعي السنّي الى حكومات الصراع الشيعي الشيعي

قاسم حسين صالحلنأتي من الآخر.

الشائع ان (سائرون) سيشكل مع (النصر) الكتلة النيابية الأكبر التي ستقوم بتشكيل الحكومة القادمة .. وهذا لن يحصل من وجهة نظرنا القائمة على تحليل الصراع من منظور علم النفس السياسي وتحليل شخصية القادة السياسيين العراقيين .. التي تنبؤنا بان الذي سيحصل هو تحالف بين (النصر) و(دولة القانون) و(الفتح) وحزب او كتلة كردية واخرى عربية سنيّة ليشكلوا الكتلة النيابية الاكبر التي ستقوم بتشكيل الحكومة لتبقى رئاسة الوزراء بيد حزب الدعوة او من يوافق عليه .. وستجبر (سائرون) دستوريا .. قانونيا على القبول بالأمر الواقع لتشكل مع (الوطنية) الكتلة الأكبر في المعارضة.

معطيات نتائج الانتخابات

كنا اشرنا الى ان العامل السيكولوجي المتمثل بايصال العراقيين عبر خمس عشرة سنة من حكم احزاب الأسلام السياسي الى حالة العجز من اصلاح الحال وما يصاحبه من الشعور باليأس والتذمر والملل والاغتراب .. كان له الدور الأول في عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات بحسب دراسة استطلاعية نشرت في 14 ايار الجاري.وقد اعطت نتائج العزوف والمشاركة ايضا درسا بليغا للعراقيين .. خلاصته: ان صوت المواطن قادر على قلب العملية السياسية لصالحه .. وأن جزع الناس من حكم يعيش على خلق الأزمات وحكّام اعتبروا العراق غنيمة لهم، سيتطور مستقبلا الى خلق وعي عام رافض للطائفية والمحاصصة السياسية عبر صناديق الانتخابات، ويمهد لمجيء حكومة وطنية تعتمد الكفاءة والخبرة والنزاهة .. وهذا هو التغيير الحقيقي في هذه الانتخابات، فضلا عن انها وجهت صفعة قوية لقوى سياسية طائفية وابعدت عن البرلمان وجوها فاسدة واخرى خاملة (تعدّ اياما وتقبض راتبا!).

توجهات سائرون

فاجئت (سائرون) ليس بفوزها الكبير بل بتصدرها المرتبة الأولى في هذه الانتخابات.ودفعته نشوة الفوز الى انه سيعمد الى تشكيل حكومة، مرشّحا لرئاستها السيد محافظ ميسان، معلنا ان لديه برنامجا يستهدف تحقيق اصلاح شامل للحكومة والبرلمان بحسب القيادي فيه السيد جعفر الموسوي.وكشف السيد مقتدى الصدر في تغريدة له (بمفردات مجازية)عن مكونات الحكومة القادمة لاقت ترحيبا من السعودية عبر عنه وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان بتغريدة مشابهة بقوله: فعلا انتم (سائرون ) (بحكمة ) و(وطنيه ) و(تضامن) واتخذتم (القرار) (للتغيير) نحو عراق يرفع بيارق (النصر ).

في السياق ذاته اعلن المتحدث باسم السيد مقتدى الصدر (صلاح العبيدي) إن "تحالف سائرون يشرع بفتح الباب أمام جميع الكتل السياسية لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة".ويعوز هذا التصريح استثناء ليكون صادقا هو ان السيد مقتدى الصدر لن يتحالف مع السيد نوري المالكي رئيس كتلة دولة القانون.ونضيف الى ما تعرفه من الأسباب عاملا سيكولوجيا هو ان شخصية السيد مقتدى من النوع الحدي القطعي المفعمة الآن بزهو الانتصار على خصم اوجعه واراد أن يذلّه، وان عليه ان يستثمر النصر بردّ الصاع صاعين، فيما يرى السيد المالكي في شخصيته بأنه القائد الذي حكم العراق ثمان سنوات وانه الأفضل بين السياسيين بدليل حصوله على أعلى عدد من الأصوات في الانتخابات الأخيرة(مع انها انخفضت من سبعمئة الف الى اقل من مئة الف) .. فضلا عن شعوره بالحيف الذي يدفعه الى الثأر من خصم يرى فيه انه دونه بكثير في السياسة.

التدخل الخارجي

تعدّ اميركا هي راعية العملية السياسية في العراق، فيما تعدّ ايران اللاعب الرئيس فيها.ما يعني ان تشكيل الحكومة القادمة في العراق لن يحصل بأرادة عراقية صرفة بل بتفاهم بين هاتين الدولتين، وان كانا خصمين لدودين .. وبرغم انسحاب اميركا من الاتفاق النووي الايراني.

ان كلا الدولتين لن توافق على ان تكون رئاسة الوزراء لشخص من التيار الصدري.فأميركا ما تزال تتذكر ما فعله "جيش المهدي" بافراد قواتها التي احتلت العراق عام 2003، وان كانت ترى في (سائرون) اضعافا لدور ايران في العراق. وايران لها موقف عدائي من (آل الصدر) ويغيضها ما يحظى به الصدريون من شعبية بين العراقيين، فضلا عن زيارة السيد مقتدى الصدر الأخيرة الى السعودية التي اغاضتها أكثر.

وكانت امريكا هي التي جاءت بالسيد حيدر العبادي لانها اعتمدت زمن اوباما استراتيجية الصقور باستبعاد( نوري المالكي، اسامة النجيفي .. )والمجيء بالحمائم يتصدرهم السيد العبادي الذي وصفه اوباما( بالمخلص والملتزم بدولة عراقية تشمل الجميع ) .. وحظي الرجل بسمعة عربية ودولية بعد ان اعتمد سياسة داخلية غير طائفية دعمها دليل عملي لاحق بحصول قائمته (النصر) في أنتخابات 2018على المرتبة الأولى في نينوى، المدينة ذات الاغلبية السنّية المطلقة، ومنجم كبار ضباط الجيش العراقي.

حيدر العبادي

يعدّ السيد حيدر العبادي بيضة القبان في العملية السياسية واللاعب الرئيس في تحديد مسارها.فان تحالفت النصر مع سائرون فان مسار العملية السياسية سيتحول نحو سكة الاصلاح والاعمار، وان تحالفت مع دولة القانون فان مسارها سيبقى على سكة الفاسدين.

ويفيد تحليلنا المنشور في كتابنا الأخير (حيدر العبادي ودونالد ترامب .. تحليل شخصية) ان شخصية السيد العبادي حذرة وتحوطية تخشى اتخاذ قرارات جريئة حتى لو كان يدرك تماما انها لصالح الشعب والوطن. يؤكد ذلك موقفه عام 2014، فمع انه اعلن بأنه سيضرب بيد من حديد على الفاسدين، وانه أول رئيس وزراء عراقي يحظى بتأييد شعبي واسع مصحوب بدعم صريح من المرجعية الدينية في النجف، فأنه لم يفي بوعده .. وخذل المرجعية والعراقيين وفرّط بفرصة كانت ستدخله التاريخ.ولأن تحالفه مع (سائرون) يعد قرارا جريئا .. فأنه لن يقدم عليه، لأن طبيعة شخصيته ستعدّه انتحارا بالتحليل السيكولوجي.

المصير الواحد

تفيد الأحداث التاريخية بأن سيكولوجيا (المصير الواحد) تكون اقوى تأثيرا من المصلحة الشخصية في تحديد موقف الفرد في اوقات الأزمات.فبرغم الحقد الذي يكنه المالكي للعبادي الذي يرى فيه انه غدر به واطاح بطموحاته التي صورت له انه زعيم من نوع فريد . وبرغم ان السيد العبادي شعر يوم اشتدت الخصومة بمخاوفه من المالكي، وصرّح علنا في كربلاء (يريدون يقتلوني .. ما يهمني)، فان المصير الواحد سيجعلهما يلتقيان في موقف واحد. فكلاهما يعلم ان (سائرون) اذا استلمت رئاسة الوزراء، فان السيد مقتدى الصدرسيعمد الى تشكيل محكمة لمحاسبة الفاسدين يكون فيها المالكي اول المتهمين، وسيحّذر العبادي بان الدور سيأتيه بعده .. وسيدرك كلاهما ان حزب الدعوة سيخسر السلطة والثروة والجاه والاعتبار وان قياداته ستتعرض للأنتقام.

في ضوء هذا التحليل السيكولوجي – السياسي، فان الصراع الشيعي الشيعي سينتهي الى ما ابتدأنا به في اعلاه، بان المهمة ستناط الى حزب الدعوة في تشكيل حكومة المستقبل، وستكون (سائرون) في المعارضة .. اذا ما صار شي! .. من قبيل غضب الشارع العراقي المعبأ بروح ثورة.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

امين عام تجمع عقول

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم