صحيفة المثقف

دور النخب العربية في تصحيح صورة العرب والإسلام أمام الآخر

علجية عيش"لا عجب لأمة الشرق وقد تجاهلت نواميس الكون وطرحت قوانين السماء أن تسقط هيبتها من عيون الأمم، وأن تصبح كسقط المتاع يباع ويشترى بأرخص الأثمان"

تتكرر الصورة التي رسمتها إنجلترا عن العرب حين جاءت إلى الشرق بالصورة التي تصنعها الآن أمريكا حول العرب، وهي صورة مشوهة للعالم العربي وللإسلام ونعته بالإرهاب، وربما تحولت آلة التشويه إلى وسيلة لتحقيق هدف ما، ولكن المثقفون العرب لم يتحركوا في تحسين صورتهم أمام العالم، لا من الناحية السياسية، ولا من الاقتصادية ولا من الناحية الثقافية، عكس ما تقوم به الشعوب الأخرى كاليهود الذين يخصصون الأموال الضخمة لتحسين صورة اليهودي في أدب شكسبير، الحقيقة أوقفني موقف أحد الناشطين الحقوقيين وهو يتحدث عن واقع المسلمين اليوم، عندما قال: ما معنى القول أن الدين الإسلامي دين نظافة في حين يرى الأجنبي القمامة منتشرة في الشارع العربي، وأرجع السبب إلى وجود فجوة بين للتطبيق والأصل، وقد صنعت هذه الفجوة تشويها للصورة العربية والإسلامية، ليت الأمر وقف عند حدود النظافة، بل تعدى حدود معاملة المسلم مع أخيه المسلم، قبل أن نقول معاملة المسلم مع غير المسلم، ورغم أنه هو صانع الإرهاب، لم يكن الغرب مخطئا عندما وصف الإسلام بأنه دين عنف، وأن المسلمون إرهابيون، لأن المسلمون هم من أساءوا إلى دينهم بالدرجة الأولى ولا لوم على الآخر غير المسلم.

فالحروب الأهلية رسمت صورة حقيقية للمسلمين وهم يتقاتلون، بحيث تعود جذورها إلى عقود مضت، انتهت بسقوط الخلافة الإسلامية، واستمرت في عصرنا الحالي، اختلفت فيها الأساليب فقط، فما معنى القول أن الدين الإسلامي يحرم الكذب والسرقة والغش، و الزنا، والرشوة، وشهادة الزور، في حين يرى الأجنبي هذه الفواحش منتشرة في البلاد الإسلامية، فليس الإسلام شعائر وعبادات فقط، بل المعاملة الحسنة للأخر هي بمثابة الأساس الذي يرتكز عليه المسلم في تعامله مع غير المسلم في إطار التعايش السلمي، كنتُ قد قرأت عن مؤتمر "نقد الذات" الذي انعقد في نوفمبر 2001 بجامعة القاهرة، أدارته الدكتورة نادية مصطفى مديرة مركز البحوث والدراسات السياسية ومشرفة على برنامج حوار الحضارات، وكان عبارة عن منطلق لحوار واعي مع الآخر، لكن الانطلاقة الحقيقية للحوار، كانت مع بداية الحوار العربي الألماني، الذي كان التجربة الأولى للحوار مع الآخر، كان ذلك في مؤتمر " تواصل لا صراع" عقد في مقر الجامعة العربية في فيفري 2002 نوقشت فيه قضية الإعلام في العالم العربي وفي الغرب، وكيف يقوم كل منهما بنقل الثقافة العربية والغربية، وتصحيح نظرة الغرب للإسلام والمقولة الرائجة بأن القرآن مُحَمَّلٌ بالآيات التي تحض على استخدام العنف والقوة ضد غير المسلمين، ومفاهيم أخرى مثل القهر والتغلب ومفهوم السلطان، ومفاهيم أخرى لا تدع مجالا لحرية الرأي أو الرأي الآخر.

و الحديث يقودنا إلى ما تمخضت عنه المؤتمرات والقِمَم التي تعقدها المنظمات والجامعة العربية، وفشلها في الحوار مع الآخر، بحيث لم تحل المشكلة العربية، بعض المحللين يرون أن نجاح أي حوار لابد أن يسبقه اتفاق على منظومة قيم value system في التعامل مع قضايا العصر، لاسيما قضية الدين والهوية والمواطنة، تبقى إشكالية "الممارسة" فهذه تحتاج إلى قابلية النخب الحاكمة وحتى للنخب المثقفة في ترك الحرية للآخر، المشكلة إذن هي مشكلة انحراف عن الدين، أي أنها مشكلة أخلاقية كما هي مشكلة عقلية، ما دفع بالإمام الغزالي لإحياء علوم الدين والنهوض بالأمة، وهو ما يؤكد على وجود أزمة في الفكر والعقل معا، واكتفى علماء الإسلام وخطبائه في المساجد بمناقشة القضايا السطحية مثل الإستنجاء ( اكرمكم الله) باليمنى أم باليسرى عند قضاء الحاجة؟، وهل دخول المسجد باليمنى أم باليسرى؟، وقبض اليدين أثناء الصلاة أم إسدالهما؟ وكذلك الشأن في قضية الملبس التي لا تختلف كثيرا عند المسلم المتدين والمسيحي المتدين واليهودي المتدين.

و بدلا علاج هذه المشكلات، أعطي للدّين طابعا سياسيا، للإشارة وكما جاء في بعض الدراسات أن فكرة تسييس الدين بدأت على يد الإسكندر الأكبر عندما جاء إلى مصر ونصب نفسه إلها، وتبعه نابليون، وتسييس الدين صورة من صور الاستغلال للوصول إلى هدف سياسي، وهو ما نراه اليوم في بعض الأحزاب الإسلامية التي جعلت من الخطاب الديني مطية لبلوغ أهدافها السياسية، بل أساءت استعماله، ونفس الشيئ بالنسبة للحكومات العربية، تقول بعض الدراسات أن هذه الحكومات فقدت رصيدها عند شعوبها، من خلال الثورات الشعبية والمطالبة بإسقاط النظام والمطالبة أيضا بالحكم الذاتي، وزادت التدخلات الأجنبية من يأس الشعوب، مما ترك فراغا في الشارع السياسي، وعزوف الناخبين عن التصويت في الإنتخابات، نتيجة فقر وضعف الخطاب الديني والسياسي معا، بل تحولت بعض الخطابات التي يمكن وصفها بالتحريضية إلى ثورات، طبق لفيها الشعار القائل: " ولن يفل الحديد إلا الحديد".

ولذلك لا يمكن للخطاب الديني أن يبتعد عن جوهره ومضمونه وهذه مسؤولية العلماء والدعاة المسلمين والأئمة، على أن يكون لهذا الخطاب صفات الشمولية والواقعية والصدق وأن يكون معايشا للأمة وقضايا العصر، لا خطاب تهديد ووعيد، وأن لا يبقى جامدا، بل يتحرك مع المتغيرات والمستجدات، بعيدا عن إملاءات الحاكم أو الوزير تعليماته وتوجهاته الإيديولوجية وانتماءاته السياسية، قد يقول قائل أن تحسين صورة العرب والإسلام دور تلعبه الجالية المسلمة في الخارج وكذلك السفارات، وأن وراءهم مهمة ثقيلة تنوء بحملها الجبال الراسيات، فالمسلم أينتما ذهب وحيثما حلَّ له وظيفة "الدعاية" للدين الذي يحمله، وإن عجز عن تحقيق ذلك يكفي أن يكون سلوكه سويٌّ في الدولة التي يقيم فيها، وخاصة في دولة غير مسلمة، لأنه يمثل الإسلام طيلة إقامته في تلك الدولة، فلا يسرق مثلا، ولا يشرب خمرا، ولا يقوم بأعمال عنف، إلا في حالات استثنائية كالدفاع عن عقيدته إذا تعرضت للمسّ والإهانة، ماعدا ذلك فهو اي المسلم المغترب أول من يسيئ إلى دينه، وقد وجد الكيان الصهيوني المنفذ سهلا في محاربة الإسلام، حيث تنشط العديد من الجمعيات لتحقيق هذا الغرض وهو القضاء على الإسلام، ومنها جمعية "كريف" اليهودية التي تسعى إلى تحجيم الدور السياسي للجالية العربية والمسلمة عبر التخويف الدائم منها، والهجوم الشرس المنظم على اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا ( uoif )، والذي طالب مركز سيمون روزنتال الصهيوني في 02 نوفمبر 2004 بحله بدعوى أنه يجمع تبرعات لإغاثة المنكوبين الفلسطينيين، مما أعجز المسلمين في أوروبا من إيصال صوتهم، أمام مطالب مكافحة "الإسلاموفوبيا" في العالم، وقد برز هذا المطلب بشدة مع صدور قانون مكافحة العداء للسامية، وكما يقال: " لا عجب لأمة الشرق وقد تجاهلت نواميس الكون وطرحت قوانين السماء أن تسقط هيبتها من عيون الأمم، وأن تصبح كسقط المتاع يباع ويشترى بأرخص الأثمان"

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم