صحيفة المثقف

حديث الظلّ

محمد صالح الغريسيفي ليلة شتويّة

عربدت فيها رياح الشمال

وتمرّدت زوابع الرّعود

تسحّ بأمطار كأنّها الحبال،

ركنت إلى زاوية في غرفتي

أتدفّأ بما تيسّر لي من الذّكريات

أحتسي الأرق كؤوسا لا تنضب  

أقلّب في قاموس أحاسيسي المتصارعة

عن ابتسامة هاربة من مشنقة الواقع البغيض

أرسمها على ظلّ وجهي

المنعكس على الجدار

متحدّيا ضوء المصباح المتقطّع

على إيقاع الطبيعة المعربدة في الخارج.

يا أنت يا ظلّي

يا أناي الآخر

أراك تتمدّد مع الضّوء وتتقلّص

تسكن تارة وتارة ترقص

أغبطك على صمتك

جمالك في سكونك

وأجمل ما فيك أنّك لا تسأل.

ترافقني حيثما أذهب..

فلا أعرف بوجودك الوحدة.

عند حلول الظّلام نصبح واحدا

أبحث عنك فأجدك فيّ

أناديك فلا تجيب

أتطلّع إليك فلا أراك

أتلمّسك فأتحسّس أوجاعي

فتدوّي في أرجاء ذاتي

هذه الكلمات:

"أتألّم، إذا أنا موجود"

يقولون: نرجسي من ينظر إلى وجهه في المرآة،

ونرجسيّ من يراقب ظلّه.

فهل تراني كذلك أيّها الظلّ العجيب؟

قال الظلّ: أبدا.. بل أنا النّرجسيّ..

لأنّي لا أرى لي وجودا إلاّ بوجودك..

أرى فيك صورتي الحقيقّية بألوان الطّيف

أرى مباهج الحياة بعينيك،

وأسمع سيمفونيّة الوجود العظمى بأذنيك

أحسدك لأنّك تبكي وتتألّم

و تضحك وتتكلّم

وتسمع وتترنّم

لذا تراني ألازمك

لأنّي أرى فيك ذاتي،

فأتمنّى لو أكون أنا الأصل وأنت الظلّ

فإن كنت أتبعك، فلأنّي أراقب نفسي فيك،

أزهو إلى حدّ الغرور

بما تقول وما تفعل

وحين يحلّ الظّلام، أتقمّصك

وأتدفّأ بما تيسّر لك من الذّكريات

وأحتسي معك الأرق كؤوسا لا تنضب  

وأقلّب في قاموس أحاسيسك المتصارعة

عن ابتسامة هاربة من مشنقة الواقع البغيض،

أبحث عنّي فأجدني فيك

أناديك فتجيب

أتطلّع إليك فأراك

أتلمّسك فأحسّ بأوجاعك

فألبس ثوب الحياة،

و تدوّي في أرجاء ذاتي

هذه الكلمات:

" أتألّم، إذا أنا موجود"،

فلا تحزن صديقي وابتسم،

واجر في الأرض

فعلى ظهرها ما يستحقّ الحياة

واعلم أنّك إن متّ،

فمعناها أننّي فارقت الحياة.

 .

محمد الصالح الغريسي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم