صحيفة المثقف

وادي الذئاب

في زاوية نائية ورائعة من الأرض محاطة بالروابي والجبال المكللة بالأشجار والورود تعيش منذ ما لا ندري من القرون المنصرمة قبيلة ابتليت بداء شمل كل أفرادها عبر الزمن الا وهو العمى. فكانوا يستقبلون الشمس ويحسون دفأها هونا ً في الشتاء ويتلظون بسعيرها صيفا . هم يضطربون في واديهم يأكلون ما يجدون على الأرض من النعم وربما تسلق شجعانهم بعض الأشجار غير السامقة لنيل أطايبها نادراً. الام ترعى أطفالها حتى يتمكنوا من السير والبحث عن طعامهم بأنفسهم ثم تتخلى عنهم كقطط ضالة - فهي لا ترى وجوههم الصغيرة ولا حركات أكفهم التي تتشبث بها عند الرضاعة - فلا ينمو في جسدها الفرح بهم ولا تزرع محبتهم في قلبها الذي يخفق ببلاهة واطّراد بل هو واجب ثقيل عليها أن تنجزه . يتزاوجون وينجبون في نزوات حيوانية لا تربطها الا السليقة ولا ينتظمها لا سكن ولا رحمة . ظل أحدهم يتجنب الآخرين وربما ظنهم أعداء فبادرهم بعراك مميت . ملامحهم لا تعرف الابتسامة فهم لم يروها لذا القسوة تغلف قسماتهم ولا من مشاركة وتآلف تجمعهم لطعام أو شراب لذا لا يتداولون الكلام ولا يعرفونه وعند النوم يبحث كل منهم عن زاوية غير محددة يظنها آمنة ليرتمي في أحضانها، وبعد أن يسترخي الجسد المتعب تبدو على ثغورهم شبه ابتسامة بلهاء .

حتى أفكارهم ينقصها النور والوضوح وطبعا التركيز والمناظرة والتفكير. ومن الغريب النادر أن يهب شخص منهم في عمر الشباب محاولا أن يستكشف ما حوله فيسير قدماً ويظل يسير الى نهاية الوادي من جهته فلما يجد الأرض ترتفع به شيئاً فشيئا يحجم خوفاُ فيعود القهقرى الى بطن الوادي السحيق ولم يعرف بمحاولته هذه الا هو . ويظن آنذاك في شبه تأكيد انها نهاية العالم وإن الناس كلهم مثله ومثل من يحيطون به . لم يدركوا أبداً أبعاد العالم وإنه خارج واديهم يعج بالحياة والنماء والأمل والنظام في العمل والإزدهار في العلم والمعرفة والحب، لذا لم يسعوا للمنافسة ولم تأكل أكبادهم الغيرة ولا حتى حب التقليد . لم يدركوا التطور ولم يختبروا التجربة وعمق التفكير الرزين في الأرض والسماء والأشياء، ولم يتعلموا أن يحبوا للآخرين ما يحبونه لأنفسهم، ولم يدروا إن هناك سماء زرقاء عريضة حانية فوق رؤوسهم، ولم يفرحوا بالمطر وما فهموه ولا عرفوا أنهم بسببه بعد الله يأكلون وفي نعمه يرفلون . ولله الحمد إنهم لم يدركوا السلاح الضاري والا لظل بعضهم يقاتل بعضاً حتى الموت جميعاً، فالمحبة التي تجلب السلام جانبتهم لعماهم ففي هذه الوادي لا أخ يعرف أخاه ليحقن دمه ولا أم ولا أب يتعرفان على من أنجبوا ليتجنبوا ذبحهم في رائعة النهار ولا لغدرهم في زوايا ذلك الوادي الذي نبذته الرحمة وغادرته الإنسانية فهو أشبه بوادي الذئاب .

 

سمية العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم