صحيفة المثقف

حلم يونغي

رسالة لم تنفذ بسبب مجهولية الاقامة

استاذتي المحترمة طاب يومك

عزيزتي تأبق من قلمي حروفي المونقة المعبرة، فذلك الجهد المبذول بين يديّ النهار وعيون الليل ضاع سدىً لما ادّعاه دعاة الأدب وجهابذة القول . كأنّ الله وقفهم على ألسنة العباد وعلى نزف القلوب وجعل ميزان البلاغة حكرا عليهم . هم يحتكمون الى الرجل الذي - مع الاعتذار له - ما ادعى قط انه يعرف كل كلام البشر وطرق تعبيرهم عن ذواتهم عبر المكان والزمان، شبابهم وشيوخهم في كل وقت وزمان . بل وضع الرجل ثبتا بما وجده في زمانه، غير ان ما وضع صُنّف في دواخلهم وعرفهم كأنّه كتاب مقدس - بعد كتاب الله وسنة نبيه - وعلى ذلك ساروا وتصرفوا . وآتي أنا تلميذتك النكرة غير الموصوفة بدفتري وأوراقي الهزيلة الى بابهم العالي، غير مسندة بجاه ولا توصية، تجاوزني زمني بعقود - وقد كنت أنشر شيئا من قصائدي بين حين وآخر كما تعلمين - فتشمخر أنوفهم وتقتحمني النظرات، دخيلة الى صرحهم الممرّد من قوارير ويقول قائل منهم بعد أن خط بقلمه الأحمر العريض تحت بضع كلمات مما أقول : لقد انتهكت كتاب رجلنا الذي لفه الموت منذ أكثر من الف عام . كان ما قالوه حقا وما قلت (في نظري) أكثر صوابا فلست أدين لأحد حي ولا ميت بما أقول . تعلمين ان القانون العام للنظم يحتم أن الترفيل في العجز فقط، أما ذوقي أنا فيقول ليكن الترفيل في الصدر والعجز معا فهذا قانون التوازن عندي، ولم أخرق بذلك أيَّما حكم سماوي . وهنا حلّ الاختلاف فالرفض . كانت هناك نقاط اخرى لاعتراضهم على ما أكتب غير اني فندّتُها جميعا الا هذا . بقي عظمة ناتئة في حنجرتي . تخزني كلما ابتلعت ريقي . وكان من وساوسي التي ركبت رأسي انّي عدت لما كتبت في أوراقي الصفراء عبر السنوات في مثل هذه الحالة، وجدتني كلما كتبت على مجزوء الكامل - وهو وزن أعشقه كثيرا - ورفلت أرفل الشطرين معا أغلب الأحيان، وربما لأنه سائغ لم يعترضني أحد . نمت على خيبتي . بعد يومين أو أكثر حلمت حلما في غاية الغرابة اذ رأيت (ثلة من الأطفال يرتدون ملابس نظيفة مهندمة وجميلة يسيرون على الطوار بانتظام وهدوء كانوا من كلا الجنسين وكانت ضفائر الصغيرات حسنة الجدل زينت بشرائط بيضاء كانوا يتجاذبون أطراف الأحاديث بأصوات خافتة حلوة تزيدهم طرافة وحسنا غير أن شيئا ما كان يعيبهم جميعا اذ كانت أرجلهم التي ارتدوا فيها أحذية جميلة ونظيفة فوق جوارب بيضاء كانت احدى القائمتين لجميعهم على الاطلاق تامة كاملة والاخرى مبتورة من فوق القدم بقليل) اقشعر جلدي لمرآهم واستيقظت متسائلة ما هذا الحلم الغريب وماذا يعني لا أدري ؟. وما مرت الا بضعة أيام واذا بالحلم نفسه بحذافيره وتفاصيله كبيرها وصغيرها يعرض كاملا على لوحة نومي العريضة (الأطفال أنفسهم بملابسهم وسيرهم وأحذيتهم بجواربها البيضاء الأنيقة وحسن انتظام مشيتهم غير أن البتر في أحد الطرفين أخلّ بالمشهد كله) غير انّي انتفضت من نومي هذه المرّة وفي ذهني التفسير كاملا واضحا كالشمس - كما بدا لمندليف جدوله الذري حسبما يُشاع - انه الترفيل الذي حرت فيه ولم أعرف كيف أرد من عاب عليّ ايرادي له في صدر البيت وعجزه فمع انتظام سير البيت بوجوده في العجز فقط فأجمل من ذلك وربما أصح أن يكون في كليهما مع الاعتذار للذي وضع القانون المتبع في هذه الحالة وفي حالات اخرى أيضا .

استاذتي العزيزة أحببت أن اشاركك بهذا من تلميذتك المخلصة ودمت .

 

سمية العبيدي

....................

معلومة / الترفيل / لمن لا يعرفه هو سبب خفيف يضاف في نهاية الضرب (العجز) في مجزوء الكامل كما انه يضاف في نهاية العروض (الصدر ) في مطلع القصيدة في البيت الأول فقط .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم