صحيفة المثقف

فصل جديد من نزيف الدم والحرائق والجفاف والصراع

جعفر المهاجرفي مدينة الصدر البائسة يتفجر كدس عتاد وضع في حسينية وجدت للصلاة وعبادة الله فيقضي على عشرات الفقراء ويترك في المنطقة دمارا هائلا . ويفترش سكان الدور المحترقة الأرض ويلتحفون السماء دون أن تمتد لهم يد العون وتخفف عن كاهلهم آثار المحنة. وأقصى ماقامت به حكومتنا العتيدة هو تشكيل لجنة تحقيق سيختفي خبرها حتما مثلما ضاع خبر مئات اللجان التحقيقية. حتى صار العراق مضربا للأمثال في كثرة لجانه التحقيقية التي سرعان مايختفي خبرها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت فيه. وهذه سمة من سمات الأنظمة الفاشلة التي تعجز عن حماية شعبها من المجرمين الذين لايقيمون وزنا للحياة البشرية.وهم لايختلفون عن الدواعش في سلوكهم الدموي وإن إختلفت مسمياتهم.وكان من واجب رئيس الوزراء أن يكون شجاعا ،ويحضر المكان ، ويطالب الجهات الأمنية بفتح تحقيق فوري حتى لاتتكرر هذه الحوادث المأساوية في مكان آخر.

ودجلة الخير ينزف دما ودموعا بعد أن دست الحكومات العراقية المتعاقبة رؤوسها في التراب لأعوام طويلة غير مبالية لأجراس الخطر التي ظلت تدق وتدق دون طائل إلى أن وقعت الكارثة، وانخفضت مياه دجلة إلى النصف بعد حجزها لتخزن في سد أليسو التركي. فراحت الحكومة تبكي على الأطلال، وطلب وزير مواردها المائية من الشعب بوضع خزانات إضافية في بيوتهم إستعدادا للجفاف المتوقع.

فالسلطان العثماني أردوغان لم يكتف بقتل الحياة في العراق لكنه يتمادى أكثر ويهدد يوميا في خطاباته الإنتخابية باحتلال مدن عراقية أخرى إضافة لقواعده التي أنشأها داخل وطننا الجريح والبالغة إحدى عشرة قاعدة عسكرية في عمق يتجاوز 40 كيلو مترا مربعا. وهو الذي سمح لمخابراته بدخول آلاف الإرهابيين إلى داخل العراق ليقتلوا ويحرقوا ويدمروا. وظلت المصالح التركية في الحفظ والصون لدى الحكومة العراقية.والدبلوماسية   تغط في نوم عميق.

وبدأت شراذم الإرهاب تلملم خلاياها النائمة لبدء فصل دموي جديد يزهق أرواح عشرات الأبرياء في سوق أو زقاق أو مسجد أو ملعب أو حديقة عامة لتثبت وجودها. وحريق ضخم يلتهم مخازن الرصافة وفيها عدد من الأجهزة الألكترونية المهمة وصناديق الإقتراع العائدة لمفوضية الإنتخابات بأيد داخلية آثمة تبغي حرق الوطن، وإشعال نار حرب طائفية مدمرة فيه. والغائبة الحاضرة (كهرباء) نقلت مرة أخرى إلى غرفة الإنعاش بعد أن صرف عليها أكثر من 50 مليار دولار لتعود للحياة .      

وفي خضم هذه الأخطار الرهيبة التي تهدد كيان العراق، وفي ظل   عملية إنتخابية عرجاء شوهاء بنيت على حافة جرف هار من الغش والتزوير والكذب وسوء التقدير وشارك فيها أقل من 30% من الشعب العراقي. قامت بها مفوضية غير مستقلة أفرزها نظام المحاصصة المقيت وأقرت بلسان رئيسها بأن مئات الآلاف من الأوراق الإنتخابية دخلت الصناديق دون علمها نتيجة لضعف الحكومة التي لم يكن بمقدورها حماية المراكز الانتخابية وسد الطريق أمام المزورين ورؤوس الفساد الذين يهمهم جدا أن تدور فاجعة الضياع ،

ورغم كل هذا يبقى هاجس الكتل السياسية الأول هو الفوز بالهبرة الدسمة من لحم العراق النازف والتي يسمونها (الكتلة الأكبر) وتستحق أن نسميها (النكبة الأكبر.) نتيجة لهذه الفوضى العارمة، والمآسي الكبرى التي تعصف بالعراق والتي سببها الرئيس هو تصدر المشهد سياسيين فاشلين لايرون أبعد من أصابعهم وهمهم الوحيد الحفاظ على نزعاتهم الفردية الأنانية. وكأن قدر العراق أصبح بأيديهم ليعيش في دوامة الأزمات إلى مالانهايه. وكأن المواطن العراقي أصبح سيزيف العصر الجديد.

ومن الغرابة بمكان إن هذه الأحداث الجسام لاتحرك شعرة في رؤوس صلدة كالصخر صهرتها حمى الرغبات من أجل الفوز بالسلطة مهما كان الثمن .

لقد أوقع السياسيون الوطن في إمتحان عسير لايعرف مداه إلا الله واليوم تشهد الساحة العراقية صراعا محموما وهستيريا   بين رئيس مجلس النواب الخاسر صاحب مئات الخطابات والزيارات المكوكية الخاوية إلى دول الجوار وغيرها والمفوضية المشوهة التي ولدت من رحم هذا المجلس. والخاسرون يطالبون بإعادة الإنتخابات والرابحون يرفضون ويبدو إن الدوامة ستستغرق وقتا طويلا. وقد قدرت الأموال التي صرفت على هذه الإنتخابات المهزلة 300 مليون دولار على أقل تقدير . وبعض الجهات السياسية أنفقت أكثر من 50 مليون دولار للدعاية الإنتخابية. وتوجد لهذه الأحزاب المتصارعة ميليشيات تمتلك أسلحة من كافة الأنواع ورئيس الحكومة يعلن في كل مرة   بأن السلاح يجب أن يكون في حوزة الدولة وأجهزتها الأمنية ولكن في الإعلام فقط.

ويتساءل المواطن العراقي كم من الجهد والمال سيبذل لو أعيدت الإنتخابات العتيدة ؟ وهل بقيت أدنى ثقة في نفس المواطن العراقي بهؤلاء السياسيين الذين باتوا يخوضون في بركهم الموحلة، ودعاياتهم الكريهة ليعلنوا صورهم وجدارياتهم الملونة   مرة أخرى لتزيد من تشويه شوارع المدن العراقية بعيدا عن أية مسؤولية أخلاقية ووطنية؟ ومن المسؤول عن إحتراق هذه الأموال الضخمة لتنتج للعراقيين ولادة مشوهة صارت موضع تندر الكثير من دول العالم؟ والعراق يستجدي القروض الخارجية التي بلغت في عام 2018أكثر من 130 مليار دولار. وهل التخلص من الفساد والمحاصصة والأسلحة المنتشرة في العراق التي تقع بأيد غير أمينة على دماء الأبرياء ؟ ومعالجة مشاكل الوطن الكبرى يتم بإعادة الإنتخابات ؟ ومن يضمن سلامتها وإقناع الناس بالذهاب إلى مراكزها مرة أخرى والحكومة تبدو كريشة في مهب الريح .ورئيسها عاجز تماما عن حل مشكلة واحدة من عشرات المشاكل الكبرى التي تعصف بالعراق.؟ وكل يوم يمر على الوطن هو أسوا من الذي سبقه؟

وإذا كانت الحكومة في وضعها الحالي تقف عاجزة عن حل مشاكل الوطن فماذا يكون حالها إذا تحولت إلى حكومة (تصريف أعمال .)؟        

لقد إختلف السياسيون على تغيير مادة واحدة من الدستور فكيف يتفقون على معالجة جراح الوطن العميقة بروح وطنية سليمة وبنكران ذات من أجل أن يقف على رجليه ويتماثل للشفاء ،؟   وكيف تكف القوى الخارجية عن طعنه من الخلف طالما إن الحارس في غفلة من أمره . ويشغل باله بريق المال وشهوة السلطه؟

إن كل تصرفات السياسيين طيلة الخمسة عشر عاما الماضية لاتبشر بخير. ولا يمكن لهذا النمط من السياسيين بناء دولة ثابتة الأسس ، قوية الأركان . وكل الدلائل تؤكد إن الأيام القادمة ستشهد أحداثا خطيرة في العراق .وحكام أمريكا الذين يحتفظون بأكثر من عشرة آلاف جندي يراقبون المشهد عن كثب وإن لم يصرحوا بذلك. وقد بدأت نغمة (حكومة الطوارئ) أو (إنقاذ وطني) تتردد على بعض الألسنة التي تتلقى تعليماتها من البيت الأبيض الأمريكي.

لقد تحولت الصراعات التي اشتد أوارها بمرور الزمن داخل الوطن إلى كابوس على رؤوس الناس،وأضعفت هيبة الدولة العراقية داخليا وخارجيا. وحول المتصارعون الوطن إلى ساحة مفتوحة لسفك الدم، والسرقات الهائلة، والخدمات السيئة، والحرائق الرهيبة التي لم يشهد له العراق مثيلا طوال

تأريخه الحديث تكاثرت من جرائها الجراح في خاصرة الوطن.

إن الأمل الوحيد المتبقي للعراقيين هو تحرك القضاء دون تردد بعد فرز الأصوات من جديد بالطريقة اليدوية وتقديم المزورين والعابثين بأمن الوطن للمحاكم المختصة لينالوا جزاءهم العادل .

لاأدون هذا الكلام نكاية بأحد ، ولا طمعا في غاية مشبوهة ولكن كمواطن عراقي تجاوز السبعين من عمره يحب وطنه ويخاف عليه من حادثات الأيام ولا يستطيع السكوت بعد أن تحولت ساحات الوطن إلى مرجل تغلي فيها الأحداث وتنذر بالإنفجار حيث لم يعد بعد اليوم في القوس منزع. فهل من مجيب.؟

 

جعفر المهاجر      

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم