صحيفة المثقف

سياسة الإسكان في الجزائر

علجية عيشتعليمة رئيس الجمهورية في توزيع 50 ألف سكن في ليلة واحدة وإن كان أمر وجب أن نشيد به، لأنه حل أزمة كبيرة جدا، لكنه في الوقت نفسه يطرح تساؤلات عدّة، إن كان توزيع هذا الكم الهائل من السكنات في ليلة واحدة يعد بالمعجزة أم أن الأمر لا يخرج عن حدود التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة، لضمان عهدة خامسة؟ خاصة وأن الجميع يعلم أن هذه المشاريع السكنية بعضها يعود إلى البرنامج الخماسي الأول (2005-2009) وجاء البرنامج الخماسي الجديد 2010-2014 وانطلقت الأشغال به، رغم أن البرنامج الأول لم يكتمل ولم يغلق بعد، وقد عرفت هذه المشاريع السكنية تأخرا كبيرا في الإنجاز لأسباب عديدة منها ندرة مواد البناء (الاسمنت، الحديد، غياب دفاتر الأعباء أو عدم الاتفاق على أحد بنودها، إضراب العمال في ورشات البناء، والتغيير في الشركات المكلفة بالإنجاز سواء الوطنية أو الأجنبية، أو مشاكل تتعلق بالسيولة المالية أي التمويل، دون الحديث عن تأخر أشغال التهيئة الخارجية الـ: VRD، وأسباب أخرى مجهولة، قد تعود إلى صراع حول الصفقات العمومية، ما يجعل المشروع يتوقف أو يُجَمَّد إن صح القول.

ليس من الجحود طبعا أن يتنكر أحدنا لوجود هذه المشاريع، لأنها حقيقة ملموسة في الميدان، لكن المشكلة في منهجية العمل، أو غياب سياسة واضحة في قطاع الإسكان، وهنا يمكن الحديث وبدون حرج عن المحسوبية في توزيع المشاريع على المرقين والمقاولين، والتلاعب في المناقصات الوطنية والدولية لإنجازها، فبالرغم من المشاكل التي تعيشها المدن الجزائرية سواء من حيث توزيع الماء الشروب والغاز الطبيعي والكهرباء وقنوات الصرف الصحي و التي ما تزال قائمة إلى الآن، إذا قلنا ان بعض المواطنين ما زالوا يفتقرون إلى الغاز الطبيعي إلى يومنا هذا، فقطاع السكن يعد أهم المشكلات التي يتخبط فيها المواطن الجزائري، خاصة الاجتماعي منه، لأنه موجه للفئات الهشة وذات الدخل الضعيف، لكن التلاعب في ملفات طالبي السكن عقد المشكلة أكثر، رافقتها خروج المقصيين إلى الشارع وقطعهم الطريق احتجاجا على غياب العدالة في توزيع هذه السكنات، وإعداد قوائم المستفيدين، حيث تتم العمليات في الظلام، حتى نسمع أو نقرأ أن دخلاء على المدينة استفادوا على سكنات على حساب ابناء المدينة الحقيقيين ( المنسيين)، الذين عانوا الأزمة لمدة 30 سنة أو أكثر، فعلى سبيل المثال فالمستفيدين على السكنات بقسنطينة (كنموذج) هذه السنة تعود ملفاتهم إلى منتصف الثمانينات، وآخرون إلى بداية التسعينات، وسلمت لهم الاستفادات في 2011 من طرف السلطات الولائية، وهذا يدل على التماطل في إنجاز المشاريع وفي دراسة الملفات وفي توزيع السكنات، وفجأة يستفيق المواطن على خيبة الأمل، لأن المحسوبية والرشوة كان لها دور كبيرا في حرمانهم من حقهم في السكن رغم أنه حق دستوري.

ولا نفوت الإشارة هنا بأن البنية الحضرية في البلاد ما تزال تتخبط في العديد من المشاكل والأزمات الخانقة، ومن بينها أزمة السكن التي تعد مشكلة حضرية لأنها تتعلق بحياة المدينة بالدرجة الأولى، لأن المسألة لا تتعلق بالتحسين الحضري للمدن فقط، وإنما بارتفاع معدلات النمو الديمغرافي، بالإضافة إلى حركة انتقال السكان من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى لأسباب أمنية عاشتها الجزائر في فترة ما، والتي أدت إلى ظهور الأحياء القصديرية والبناءات الفوضوية، أنتجت مشاكل صحية، الدولة في غنى عنها، حيث أصبح السكن عبارة عن ظاهرة سوسيو اقتصادية، بعدما اتسمت الحظيرة الوطنية بالفوضى وسوء التسيير، الأمر الذي جعل الدولة الجزائرية تتدخل في كل مرة لاحتواء الظاهرة أو التقليص من انتشارها، خاصة ما تعلق بالنمو العشوائي وهذا راجع إلى عدم الجدية في تطبيق القوانين والتشريعات المنظمة للعمران، وقد عقدت في هذا الشأن ملتقيات ولقاءات بين المسؤولين على قطاع السكن والتعمير وفي كل مرة يضعون استراتيجية وطنية ومخطط وطني، ومع تعيين وزير جديد يتغير كل شيئ، ومع تعيين والي جديد تتغير السياسة المعمول بها في مجال الإسكان، لأن لكل مسؤول نظرته الخاصة دون مراعاة خصوصية المنطقة والمجتمع، ويبقى المواطن هو الضحية الأول من فشل السياسات وتغييرها.

و قد تكون المشكلة أوسع بكثير حيث لها أبعاد اجتماعية بالدرجة الأولى، إن دعم الدولة للمواطن البسيط دفع الطامعين إلى استغلال الفرصة للحصول على سكنات، فكم من الشقق التي ما تزال شاغرة، ولم يستغلها أصحابها؟، وكم عدد الشقق المؤجرة والتي بيعت، وهذا يؤكد أن أصحابها تحصلوا على شقق إضافية، إن هذا السؤال وجب أن يطرح اليوم بحدة، بل وجب على المسؤولين، بدءًا من الوزير إلى الوالي إلى مسؤولي القطاع أن يشكلوا لجنة تحقيق لكشف هؤلاء، ويقودنا الحديث عن "المجال"، فهذا الأخير كما يقول الخبراء وحده لا يكفي، إذا لم يكن منظما بطريقة عقلانية، لأنه يتعلق بالاندماج الإجتماعي، وهنا وجب الحديث عن المرافق التي ترتبط بالسكن، ومدى توفيرها للمواطن، ويحق لنا أن نتساءل إذا كانت الـ: 50 ألف وحدة سكنية التي وزعت في ليلة واحدة تدخل ضمن مشروع الرئيس لإنجاز مليوني سكن أم أنها حصص مستقلة أي خارج المشروع.

والسؤال الذي يطرح نفسه، طالما السلطات العمومية تسهر على راحة المواطن لماذا تركته يعاني ولم تحرص على إتمام البرامج، وتفعل الرقابة على الورشات؟ أم أن العملية كانت محسوبة، لكي يدخل الرئيس الانتخابات الرئاسية بهذه الإنجازات؟ وهي بلا شك الورقة التي ستدخل بها أحزاب السلطة الحملة الانتخابية في 2019، والدليل أن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس دشن تجمعه الجهوي بالحديث عن إنجازات الرئيس في مجال الإسكان، حتى يخيل للمواطن البسيط أن هذا الإنجاز يعد "معجزة "، قد تكون معجزة فعلا، لو أن هذه السكنات أنجزت في ظرف وجيز، ووزعت في مدينة واحدة، لكنها وزعت على 48 ولاية، وقد نقف على العدد الحقيقي لو قسمنا 50 ألف سكن على 48 ولاية، ويبقى السؤال التالي: هل فعلا رئيس الجمهورية أعطى تعليمة بتوزيع 50 ألف سكان في ليلة واحدة أم أنها خطة المحيطين به لتدشين حملة انتخابية مسبقة لصالح الرئيس؟، وهم بذلك يمارسون سياسة استغباء الشعب، خاصة المهمشون الذين يصنفون كمواطنين من الدرجة الثانية، هذه الكلمات ليست تحاملا على أيٍّ كان، ولا هي طرق لباب المعارضة، ولبا هي كلمات تحريضية لبعض الفوضى، وإنما هي حرقة قلب ينزف دما على وضع البلاد وكيف تعبث الأيادي اللامسؤولة بمشاريع التنمية وتقتل روح الوطنية في قلب المواطن المهمش المهضوم الحقوق.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم