صحيفة المثقف

19 جوان 56 و19 جوان 65

علجية عيشيذكرنا تاريخ 19 جوان بأحداث تاريخية هامة لا يمكن للشعب الجزائري أن يتجاهلها أو ينساها ويطوي صفحتها، فهذا التاريخ يذكرنا بإعدام أول شهيد بالمقصلة وهو أحمد زبانة، كما لا يمكننا تفويت هذا التاريخ بذكرى التصحيح الثوري الذي أقدم عليه الرئيس الراحل هواري بومدين في 19 جوان 65 لإنهاء سياسة بن بلة الدكتاتورية

حينما أطلق الكوموندو علي خوجة النار على حافلة تنقل سواح أوربيين في العملية الفدائية التي نفذها في باليسترو يوم 25 فيفري 1956، رفع روبير لاكوست من حدة سياسته القمعية تجاه الثورة، فأقدم يوم 19 جوان 1956 على إعدام زبانة بن محمد وفراج عبد القادر بسجن بارباروس، عقابا له كشاب وككشاف على المواجهات التي شارك فيها بين جيش التحرير الوطني والجيش الفرنسي، كان آخرها معركة بوجليدة، ولما كان له من دور في غرس الروح الوطنية في الوسط الشباني، وغرس أفكار الحركة الوطنية، من أجل فضح جرائم الاستعمار الفرنسي، وقد سيق أحمد زبانة إلى المقصلة وهو يردد : "إنني مسرور جدا أن أكون أول جزائري يصعد المقصلة، بوجودنا أو بغيرنا تعيش الجزائر حرة مستقلة”، ثم كلف محاميه بتبليغ رسالة إلى أمه، ولم تمض ساعة فقط بعد تنفيذ الإعدام على أحمد زبانة، حتى قرر عبان رمضان وأوعمران الانتقال إلى العمل الفعلي، فكتب عبان رمضان رفقة العربي بن مهيدي منشورا ورد فيه: " كل إعدام في حق مناضل سيؤدي إلى عمليات انتقام، كل مجاهد يقتل، سيؤدي حتما إلى قتل مائة فرنسي دون أي تمييز"، كان عبان غاضبا، وقال لأوعمران: " على الحكومة الفرنسية أن تغير من مواقفها تجاهنا، يجب أن تعاملنا كمحاربين".

في هذه الفترة كانت حكومة غي مولي قد شرعت في اتصالات مع خيدر وأمحمد يزيد في القاهرة وهو ما أثار تعجب أوعمران فقال له عبان : " هناك سياستان، واحدة في الجزائر وأخرى في فرنسا، وهنا اتفق القادة الستة على عقد مؤتمر الصومام وهم: ( كريم بلقاسم، عبان رمضان، بن يوسف بن خدة، سعد دحلب والعربي بن مهيدي ) وكانت وجهات النظر بين عبان وبن مهيدي متقاربة قبل المؤتمر فكلاهما مثقفا ويريد أن تكون للثورة أبعادا إيديولوجية، واتفق المشاركون في المؤتمر على أهم نقطتين في المؤتمر وهي "أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري"، وأكدوا على الشروط الأساسية للاستقلال والاعتراف بالأمة الجزائرية، والتأكيد على إطلاق المساجين السياسيين والإعتراف بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي ووحيد للشعب الجزائري واستقلالية الثورة الجزائرية..الخ، غير أن أحمد بن بلة لم يعترف بالمؤتمر لأنه أدرك فعلا أن الثورة في الداخل فصلت نهائيا في مسألة "الزعامة" والصراع على السلطة بفضل اختيار مبدأ القيادة الجماعية عملا بمبادئ أول نوفمبر 54، وهو الذي أراد تسيير الثورة من الخارج.

   من هنا جاءت فكرة الإطاحة ببن بلة، عندما اعترف أحمد بن بلة بالكثير من أخطائه وأنه سلم الحكم لأناس لا علاقة لهم بالثورة، أين تقرر تنحيته، حيث تم اعتقاله في بيته، واعتقل معه الحاج بن علا رئيس المجلس الوطني، ومحمد الصغير النقاش وزير الصحة آنذاك، وعبد الرحمن شريف مستشاره الأمني والذي يعتبر رجل مصر في الجزائر، ليتم نقله على متن طائرة خاصة الى دويرة، ولم يستطع أحد من أصدقائه من رؤساء الدول أن يقنع هواري بومدين في العفو عنه وإطلاق سراحه حتى جمال عبد الناصر نفسه، وذلك حفاظا على علاقتهم بالدولة الجزائرية، وأجمع من عايشوا الرجل أن الإطاحة به مكنت من إعادة قطار الثورة الى خطها الصحيح، ولهذه الأسباب أطلق على الانقلاب بـ: " حركة التصحيح الثوري" وأصدروا بيانا في 19 جوان 1965 يؤكدون فيه، أن ما حدث كان محاولة صادقة للقضاء على الحكم الدكتاتوري، وأن الذين قاموا بهذه الحركة لم تكن لهم أطماعا سلطوية، وأن هدفهم الأساسي هو إرجاع الأمور الى نصابها، وبقي هناك الى غاية مجيء الشاذلي بن جديد.

تجدر الإشارة أن أحمد بن بلة التحق وهو صغير بفرقة المشاة بشمال أفريقيا التي ذهبت إلى الجبهة الإيطالية وشارك في معركة جبل " كاسينو" بإيطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية، أين أنقذ قائده الفرنسي من الموت وإنقاذ كتيبته بالكامل من التدمير والإبادة، وبعد المعركة قلده الجنرال ديغول نياشين وكان برتبة مقدم أول، وبعد تأسيس الجناح العسكري لحزب الشعب، عين بن بلة على رأسه بوهران، ولخبرته العسكرية تم تعيينه مسؤولا عن المنظمة الخاصة سنة 1949،و شارك في العملية المعروفة ببريد وهران، لتمويل نشاطات المنظمة السرية التي كانت تحضر لتفجير الثورة، قبل أن يلقي القبض عليه، ويلوذ بالفرار باتجاه مصر، حيث واصل نشاطه هناك إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية وكلف بمهمة التمويل والتسليح، تم اعتقاله من جديد إثر اختطاف الطائرة التي كانت تقله رفقة محمد بوضياف ومحمد خيدر وحسين آيت أحمد من المغرب إلى تونس يوم 22 أكتوبر 1956، ولم يفرج عنهم إلى بعد التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم