صحيفة المثقف

مدخل في الشعر

الشعر عندي مخاض . ألم لذيذ ينتهي بالولادة (القصيدة – الحلم) لذا يظل آخر ما كتب الشاعر أعز انتاجه حتـّى يتمخـّض عن قصيدة أخرى . فكما يلد الرحم الاطفال، يلد العقل الافكار ويلد الكيان القصائد .

القصيدة ليست وليدة لحظة كما ندّعي بل هي وليدة حمل طويل لمشاعر وافكار وفلسفات تنمو معا وتمتزج بطرق شتى ثمّ تتدفق اخيرا مثلما تتدفق مياه الشلال بلا ضوابط غير تضاريس الارض التي نشأ منها وفيها   اذ ما رأى الشاعر موقفا .. منظرا .. لفتة .. نظرة .. حركة .. مغايرة لمألوفه وأحس ان في ذلك شعرا ... متى يشهد النور ... حتى هو لا يدري متى و كيف ؟؟ !! ولكنه يعرف ان بذرة ما قد استقرت في ضميره - كما تستقر حبة الرمل في جوف المحارة لتصير لؤلؤة ان شاء الله - وسيأتي يوم الحصاد اذ تولد القصيدة طال الزمن أو قصر .

لكل انسان اسلوب خاص به في التفكير والكلام والكتابة وكذلك الشعراء لكل اسلوبه لذا فافراز الافكار بطريقة الشاعر الخاصة بمادته اللغوية الخاصة التي وعى والتي تعلـّم لا بدّ ان يحصل مهما اختلفت اللغات واللهجات . فلكل فرد طريقـته في الكلام   بسيطا .. معقدا .. مباشرا .. ملتفا حول المعنى .. سطحيا .. متعمقا .. متحذلقا .. ويظل له تفرده .

وكذا الشعر، اذن هو اسلوب وطريقة تناول وطرح .

لماذا الآن اخيرا ولدت القصيدة ؟؟ .

القصيدة موجودة في وعي الشاعرأو لا وعيه أو في كليهما معا . موجودة بصورة غامضة هي كالاثير غير موضوعة في اوان (جمل – اقوال – ابيات) مثل ماء في صهريج موجود ثابت ساكن، ربما يتحرك في هدوء حركة وئيدة بين حين وآخر .

ما تحتاجه القصيدة لتولد هو فتح الصنبور فقط ثم وضع الآنية الخاصة لتتلقى هذا الصهير الذي تدفق اخيرا .

فتح الصنبور هذا ربّما يحتاج الى جهد ضئيل أو ضغط أو لمسة بسيطة من يد الشاعر . ربّما يحتاج فقط الى فراغ ذهن الشاعر أو توفر قلم وورقة بالصدفة أوعمدا قرب الشاعر . وقد تفتح هذا الصنبور ورقة تسقط من شجرة وقد تغلقه حشرة تطنُّ في المكان .

بعض الأحيان تمتلىء الروح وتتراكم المشاعر في أعماق الشاعرفيفيض بالشعر كما يفيض الماء من أعلى الصهريج اذا ما افعم.

الشاعر كثيرا ما يقول الشعر حتـّى وهو نائم في حلم أوفي حلم أبيض أو لحظة الاستيقاظ ويضيع جلـّه ما لم يسجل في الحال .

لحظة الاستيقاظ تعني الكثير، في لحظة استيقاظ عقل الشاعر كثيرا ما تتربّص في البوابة بضعة ابيات اوبعض مقاطع تكون نواة قصيدة جديدة .

يسألني بعض الناس من حولي لمَ أكتب الشعر؟. لأفرغ ما في جوفي من مشاعر وأفكار .هذا جواب خاطىء فأنا أكتبه لا لسبب بل اني لا استطيع منعه من التدفـّق خارجي كما لو كان رعاف، أوّيملك أحدنا ان يكتم تنهيدة يشعر بعدها بالراحة فالشعر عندي هو (التنهيدة) .

لذا أنا أكتب الشعر - طول عمري  - بلغتي البسيطة الواضحة بالفاظي التي درجت عليها هل يمكن لانسان ان يتنهّد بانفاس الآخرين . أو يتنفس برئات أجنبيّة .

فالشاعر يجمع في سلـّته مشاعر الناس ومخاوفهم وآمالهم مشفوعة بمشاعره ومخاوفه وآماله فهو يحسّها مكثفة ينبض بها كيانه نتيجة الوعي الجماعي .

يجمع الشاعر هذه الأحاسيس من كلا وجهي العملة ، فهو يحدس ما ترسمه الأقنعة ويحدس الحقيقة في (الاوجه – وما تحت الجلد) ويرى بوعيه ما لا يراه الآخرون ، مع انـّه قد يكون معتصما بصومعة ما (ولو من نسج خياله) .

الشاعر يجمع كلمات مَن حوله قبل ان تصل حناجرهم وينطقها عنهم ويقطف الاحاسيس من رياضهم حتـّى قبل ان تتفتـّح فهو يراها ملوّنة قبل ان ينشقّ الكأس عنها وهذا هو الارهاص .

*****

سميّة العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم