صحيفة المثقف

مفهوم الشخصية من التخييل إلى التأويل

عبد الرزاق سطيطويقوم الحكي عادةعلى مكونين أساسيين، وهما أحداث القصة وطريقة سردها؛ والحدث لايمكن أن يقع من غيروجودالفاعل الحقيقي الذي هوالشخصية،بسماتها وتفردها في علاقتها بالواقع، وبالعالم، وبنفسها. وخلف هذه الشخصيات يوجد راو، قد يكون شخصية مشاركة عبرالرؤية مع، وقد يكون راويا من خلف، عليما بمجريات الأحداث ممسكا بها من غيرأن يشارك فيها.

كما أن الشخصيات تنقسم بحسب دورها، ووظيفتها، وبحسب المدارس النقدية إلى رئيسية، وبطلة، وثانوية، وعابرة.منها الإيجابية والسلبية، والمساعدة، والمعرقلة والنموذجية، والمسطحة، والثابثة والمتحركة . وليس بالضرورة أن تكون الشخصية إنسانا من لحم ودم، فقد تكون غيرذلك كالفضاء أوالفكرة .

والشخصية النمطية هي الشخصية الجاهزة التي ليس لها تجربة نوعية متفردة، التي تختلف عن تجربة غيرها مثل شخصية الجلاد في رواية "شرق المتوسط" لعبدالرحمن منيف، فيما الشخصية النموذجية، هي تلك الشخصية التي لها تجربة غنية، ومتميزة مختلفة عن تجارب الشخصيات الأخرى مثل شخصية رجب في نفس الرواية. فجوهر العمل الروائي يقوم على خلق الشخصيات الروائية، التي تعدعنصرا مهما من عناصر بناء الرواية الحديثة. ذلك أن بناء الشخصية حسب رولان روب غرييه يرتبط ببناء الزمان والمكان. ولقد أولى النقد السوسيولوجي مكانة هامة للشخصية الروائية في علاقتها بالخطاب الروائي خاصة الشخصية الإشكالية أو البطل الإشكالي الذي يرفض واقعه، ومجتمعه في محاولة لتحقيق واقع أفضل، وهو الواقع المثالي الذي يحلم به البطل عبرالإنتقال من الكائن للممكن. مما يجعل هذا الأخير يعيش صراعا داخليا .فيما عرف المنهج النفسي بأنه ينظرإلى العمل الأدبي على أساس أنه انعكاس لعقد، ومكبوتات ولا شعور الأديب؛ ومن هذا المنطلق، ربط التحليل النفسي بين الشخصيات الموجودة في الرواية والقصة والمسرحية، وبين شخصية الأديب،حيث يطابق بين الشخصية ومبدعها متناسيا على أنها خلق فني يتمرد على مؤلفه راسما لذاته ولصفاته ولوظيفته، هذه الوظيفة التي شغلت فلادميربروب في مؤلفه : مورفولوجيا الحكاية" حيث ركز على الوظيفة التي تقوم بها الشخصيات داخل الحكاية.

وإذا كان رولان بارت يرى بأن الشخصيات كائنات من ورق. فإن فليب هامون اعتبرهاعلامات فارغة يعمل القارئ بحمولته المعرفية على ملئها عبر قراءة النص في كليته.ومن هنا تتعدد قراءة النصوص والشخصيات وتتنوع وتختلف باختلاف المناهج، وقدرة القارئ على التأويل، والإدراك والفهم .هذه القدرة المرتبطة بحمولته المعرفية، ومرجعيته الفكرية، وخبرته النقدية.فالقارئ المتلقي الماهربتعبيرتودوروف، يستطيع برصيده المعرفي، وبتصوراته ورؤاه أن يقدم لنا صورة مغايرة عما يراه الآخرون عن الشخصية الحكائية.وهذا ما لخصه بدقة وعبرعنه فليب هامون بقوله بأن الشخصية في الحكي هي تركيب جديد يقوم به القارئ أكثر مما هي تركيب يقوم به النص.

فالشخصية الروائية إذن حتى وإن كانت نتاج عمل تأليفي كما عرفها رولان بارت،تمتزج فيها كل الصفات الإنسانية، فإنها في نفس الوقت نتاج عمل تأويلي يقوم به القارئ.

 

عبد الرزاق اسطيطو

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم