صحيفة المثقف

قراءة أنطباعية.. رواية: وأدتُ حبكَ مثالا

رفيف الفارسمن الصعب جدا ان ينقاد المثقف والواعي والمفكر لحكم المجتمع متناسيا كل المبادئ التي سَوّد الورق واحرق سنين العمر لاجلها.

ما شدني بصورة رئيسية في قرائتي لرواية (وأدتُ حبكَ) للاستاذة الروائية صبيحة شبر، الموضوعية التي اتسمت بها الرواية والتوازن في طرح الصراع النفسي بين الابطال والمجتمع دون ادانة مباشرة، دون فرض الرأي على القارئ، مما ترك الحرية لنا لتكوين رأينا الخاص ومساندة احد البطلين او كلاهما وفق ما يراه مناسبا لوعيه وذائقته.

مداخلة...

لقد وعدت استاذتي الغالية صبيحة شبر بكتابة موضوعا حول روايتها الجديدة وقد شد ازري اكثر تشجيعها لي في هذا الامر.

ولكني وقفت امام مفترق طرق وانا لست بناقدة انما عاشقة للقراءة، وقفت امام خيارين بين حبي للرواية واستمتاعي بقرائتها وانا اتخيل شخوصها وتعبيرات وجهوههم مفكرة فيما لو كان لدينا ممثلين مهرة واخراج متمكن لكان هذا العمل الدرامي من اروع ما كتب للدرامة العراقية، وبين اختيار الكلمات الكبيرة والمصطلحات النقدية التي يختص بها اساتذة النقد الادبي، ففضلت ان اكون انا على كل حال دون ان ارتدي جلابيب اكبر من حجمي وان اكتفي بالعرض لجمالية العمل بموضوعية تليق بالرواية وكاتبتها.

عودة بعد المداخلة...

كان من الصعب ان اترك صفحات الرواية دون ان اعرف ما سيؤول اليه التناقض الفكري والنفسي لبطل الرواية والذي يمثل غالبية الشباب العراقي، وكنت اتمنى ان تنتصر المبادئ على الكسل الفكري الذي ركن اليه البطل متعكزا كعادة الجميع على ظرف الاضطهاد والمجتمع، لكن قهر الفكر الرجولي هو الذي انتصر في داخله على كل القيم والمبادئ والمناداة بالحرية.

شعرت مرارا بالحاجة الى صفعه، وكأني بذلك اصفع كل مدعي وكل من اضاف الى المجتمع عاهة ووأد بها براءة الانسانية.

العنوان واضح لا يقبل الشك فبين الكرامة والانتصار للحق لا بد ان نقتل بعض المشاعر وان كانت اسماها، فإن لم ينتصر الانسان لكرامته اولا وحقه في اختيار حياته لن يكون هناك قيمة لاي شيء اخر... سيعيش الانسان المقهور حالة ضياع وتشتت، وهذه الحالة النفسية المؤلمة والحرجة هي حالة اغلب الشباب العراقي نساءً ورجالاً والذي عانى ضغطا آيدولوجيا تعسفيا من المجتمع والموروث الثقافي من جهة ومن المنضومات التحزبية من جهة ومن الفرق الدينية المتطرفة من جهة اخرى ومن الرغبة في مواكبة العالم وفكريا واجتماعيا والالتحاق بمصاف الدول المتقدمة من جهة اخرى... نتيجة لكل هذه الضغوط الصعبة والعنيفة تكون جيل او اجيال من التناقضات الفكرية والتوهان النفسي بين احقية الفرد في اشباع رغباته النفسية والانسانية وبين الادعاء بما لا يحمله من افكار، ارضاءً لمجتمع قسريّ التحكم.

ان المجتمع الذي يتربى افراده على احتقار الذات وانتهاك الكرامة بصورة غير محسوسة ويومية من قبل التسلطات الدينية بالدرجة الاولى والتحزبية والعادات والتقاليد البالية بالدرجات الاخرى، لن يكون لافراده الارادة للحياة او الابداع او الابتكار.

اخيراً...

هناك بارقة أمل على يد المرأة التي تناضل من اجل حريتها الفكرية والروحية وحرية وكرامة الاجيال التي من الممكن ان يتم انقاذها بالعلم والتمرد على القيم البالية والتطور الفكري والارادة الحرة الناضجة واحترام الذات وعدم الخضوع .

اخيراً ... ايضاً

رغم ان زمن الرواية، في سبعينات او ثمانينات القرن الماضي، الا ان الفكرة التي تحملها تنسحب على الزمن الحالي بكل عيوبه الفكرية وتناقضاته التي يتحمل تبعاتها الاجيال القادمة مكونة مجتمعا معاقا عاطفيا ونفسيا لا يُعتمد على افراده لخلق حياة صحية متطورة وناضجة.

كما ان الاسلوب الذي اعتمدته الكاتبة في سرد وقائع الرواية كان موفقا جدا في عرض الحدث وترسخ فكرة ان للحقيقة اكثر من وجه وللحدث اكثر من زاوية، وهذا الاسلوب ( تَغَير وجهات النظر ) يوفر ميزة مهمة في السرد الروائي للروايات القصيرة، ميزة ادراك كلي لما تريد الكاتبة ان توصله للقارئ. دون تعقيدات رمزية او التباسات فكرية غامضة.

انا شخصيا استمتعت كثيرا بقراءة رواية (وأدتُ حبكَ ) لحبكتها الدرامية وموضوعيتها العادلة واحداثها الممتعة، اتمنى لكم نفس المتعة.

شكرا لاستاذتنا الرائعة صبيحة شبر لهذا العمل القييم والجميل والمفيد.

رفيف الفارس

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم