صحيفة المثقف

الأسئلة المختبئة وراء أجوبة واضحة.. قراءة في مجموعة الشاعر حميد الحريزي: "لا يعني"

سلام كاظم فرجكنت أود أن أكتفي بدور المعرف بالأبعاد الشعرية في قصائد تنتمي لما يعرف بقصائد الومضة كتبها الشاعر حميد الحريزي تحت عنوان (لا يعني.....).. لكن القصائد أخذتني من حيث أدري ولا أدري إلى عمق الهم السياسي والاجتماعي فقد كانت عبارة عن صرخات الإشتراكي في مواجهة جيوش الإمبريالية المنجبة للجهل والتخلف والخراب... الإشتراكي الذي لم يعترف بعد بهزيمته رغم ان الصرخة تؤشر الى نوع من الهزيمة امام تلك الجيوش.. وأمام إرهاصات القهر القادم يتراجع الشعر (وبقصدية) لصالح التقرير ويتراجع الرومانس لصالح الدعوة للثورة..وإذا كانت أساطير الميثولوجيا قد أنتجت بعدا تربويا ما, في مراحل متقدمة من تأريخ البشرية فإن الأبعاد التربوية (للميثولوجيا الماركسية!!) المنتجة في القرنين التاسع عشر والعشرين ما زالت تملك إرهاصا تربويا وثوريا وهذا ما أشتغل عليه الحريزي شعريا وكإنه يستجيب لمآثر اللينينية في عز إنتصاراتها وعند إولى أيامها العشر التي هزت العالم..(إن كنت تكتب الشعر.. لايعني إنك تحسن تسطير الكلمات..ان تكتب الشعر يعني إنك ثائر سلاحه الجمال... (الحريزي..)..

جدل الثورة والجمال. وجدل السلاح والشعر مازال فاعلا في كل قصائد الومضة التي أبدعتها أنامل حميد الحريزي.. ولأن مقارباتنا الثورية ما زالت تجد مرجعيتها عند ضفاف الثورة البلشفية لا بد من الرجوع إلى التطور التأريخي للشعر الروسي وتوصيات جدانوف منظر الأدب الستاليني الذي قدّم المضمون على الشكل.. وقدّم الشعار على الشعرية.. لكن الحريزي وهو ينتبه لهذا المأزق الثوري المحطم للشعرية يفتأ يذكرنا كشاعر وكثوري بموضوعة الجمال.. (حين تمرح أكوام القمامة في شوارعنا ليل نهار.. لايعني اننا نعشق المزابل..بل لإنها تملك حرية التجمع والتجوال كما تشاء !!).. الجمال وكسر الجمال والشعرية وكسر الشعرية إشتغل عليها الحريزي شعريا ومن خلال قصيدة الومضة (الصارخة )وجدته يقول لنا ان الثورة قادمة وإن على أجنحة جيوش من الذباب.. هو جرس إنذار وناقوس تحذير للشعب وللحكام.. للتجربة الديمقراطية وللتجربة في بناء وطن على أنقاض وطن...

ثنائية الجواب الذي يسبق السؤال وما أسميته بـ(الأسئلة المختبئة خلف أجوبة واضحة..) وجعلته عنوانا لمقالتي عن المجموعة تقنية مبتكرة تحسب للأستاذ الحريزي في تقديم نمط جديد من الكتابة قد تنتمي للشعر وقد تظل تراوح في منطقة السرد المتذبذب بين الشعر والشعار السياسي ويمكننا ان نعتبره نوعا من الأبيجرام السياسي او التوقيعات الفاعلة المؤججة للثورة على كل سلبيات الواقع العربي والعراقي الراهن..ولا تعدم المجموعة من ومضات شعرية تحفل بالرومانسية او الغنائية التي يمكن ان تمنح المجموعة وبثقة هوية الشعر.. في الأبيجرام الرابع يقول الشاعر:ـ (حينما أغلق الباب خلفِك

لا يعني أني أغلق عليك باب العودة...

بل إني أغلق باب عيوني... كي لا ترى الدموع..!)

لكن الشعار يعود وبقوة في التوقيع السادس..حيث يقول.. (حين تنتصر للحق...

لايعني إنك تضحي..

فمن ينتصر للحرية يولد .. من جديد !!)

وفي هجاء الطغاة يقول :

(يحين يؤشر الحاكم

لا يعني إنه يدلك على الطريق..

حين يؤشر الحاكم يعني

إصدار أمر بإقتيادك

إلى إحدى الزنازين !!)

وفي مقطع يقول : وربما أصدر أمرا للكاتم أن يكتمك !!! او يكتم صوتك..ربما..

هذا الوضوح يذكرنا بوضوح ما يكوفسكي أبان الثورة البلشفية وبوضوح كل شعراء الثورات وليس غريبا على الحريزي فهو قبل ان يكون شاعرا كان مناضلا صلبا وقائدا ثوريا يعيش في قلب الحدث وعند ضفاف انهار الفلاحين الذين احبهم واحبوه وترعرع بين قضبان سجون القمع حاملا مشعل الثورة الحمراء منذ اكثرمن ثلث قرن ولم تفتر همته ولم يلق برايته الحمراء ولا استبدلها بالبيضاء رغم ان كل المؤشرات تدل على ان رفع الراية البيضاء في مجتمع منهك بالخطاب الطائفي والعشائري والمناطقي والعنصري المتخلف أمر واردٌ فلم يبق حلم جميل فاعل ومنتج للثورة ولا للشعر.. لكن الحريزي يكابر وما زال يكابر فتحية له..

وبعد ان المجموعة تضم اكثر من تسعين قصيدة ومضة ومن الصعب الإحاطة بكل تفاصيلها وبيان كل الانطباعات عنها فمعذرة لكم وله.. لكن قراءة المجموعة تحمل متعة العودة الى منابع الفن الثوري الماركسي اللينيني الذي أغسقت مفاعيله كما يبدو !!!!!

 

سلام كاظم فرج...

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم