صحيفة المثقف

السقوط الى بئر الحقيقة

شعرت إن شيئا ما تخلخل وراءها ثم انهار تاركا الفراغ يعبث بظهرها والريح تصفعها. كان ذلك ظهر المقعد المتين الذي غدا بمثابة عرش لها طوال عدة عقود، والذي حاربت الدنيا منه مستقرا ومتموضعا. من عرشها المتين كافحت صعاب الأرض واسترضت غضب السماء بكل أدواتها يديها قدميها أسنانها لسانها الذي شحذته مثل سيف بتار. هي تنافح عمن حولها وكذا أصالة عن نفسها التي غدت ميزانا يفرق بين الحق والباطل دقيقا كما هي موازين الذهب عادة.

كان مما يهون عليها صعوبة الدرب ومطباته الكثار هو الظهر الذي غدا ركنا تلتقي عزائمها عنده وموئلا يمدها بالشجاعة لنيل الحقوق ويؤجج غضبها نارا... حمية وميلا للحق وانزعاجا لخرقه. فقد كتبت في مسلتها الخاصة كل ما لها وما عليها وأبرمت مع نفسها صفقة العمر.

كانت تظن هذا المقعد قاعدة لها لن يعتريه خور ولن تنال منه السنون العجاف، كانت تحسبه سقفا لم يُبن لينهد مثل كل السقوف ولو بعد حين من الدهر ولن يعتوره ضعف ولن تتمكن منه دابة الأرض كما تمكنت من منسأة سليمان عليه السلام. هذا ما بدا لها فاستقرت به حياتها واستقامت . غير إن الظن لا يغني عن الحق شيئا، لذا كان انهيارها الذي لم تذرف له دمعة ولم تهرق في حضرته نقطة دم، فلن يكفيها إن بكت هصير كل غيوم السماء الدنيا، فقد كان أعظم من مصيبة وأكبر من طوفان . ذلك الانهيار الذي جردها من الرغبة في الحياة وأسقط ايمانها بالآخرين كما لو كان اعصارا دمر مدنها واتلف فيها بذرة الخير التي أحاطتها بكفيها خوفا عليها من ريح الصباح ومن قطرة مطر. والتي رعتها كطفل ووقفت نفسها تمثالا للحراسة لئلا يقربها اليباس.

كان ذلك يوماً فاصلا في حياتها... كما لو انها فطمت عن الرضاعة يوم درت إن الظهر يتملل خلفها مزمعا الرحيل الى أحضان غير حياضها وخيمة غير خيمتها وأرض لم تطأها قدماها ولم تشهد عيناها ولادة زهورها وأشواكها ولم تتعرف الى منحدراتها وسفوحها. شعرت إن كيانها يتزلزل وإن حجتها باطلة ونهارها الملعون له طعم الرماد ولونه هذه الحقيقة التي عرّتها كلمة فقط - حتى إنها لم تصل لمصاف الجملة - منها أيقنت إنها كانت تغرق وتغرق في حلم مستطيل - شخصي و وهمي - من العذاب... كابوس لا صحو منه ولا يقظة على الإطلاق لأنه منفلت من عقال الزمن.

 

سمية العبيدي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم