صحيفة المثقف

لماذا تُهمش آيات السلام والتسامح والإنسانية التي يزخر بها كتاب الله؟

حميد طولستإذا نظرنا إلى الدين الإسلامي كما أنزله الله سبحانه وتعالى نجد أنه دين تلوح من آياته النيرة تباشير الحبّ والمودّة والرحمة والتآخي والمتسامح والإنسانية والأخلاق السامية الخالدة والذوق المتحضر السامي، والكلام الطيب والأسلوب المدني المتحضر العالي، الذي يدفع بالبشر للتعارف وقبول الآخر، في لطف ولين ورحابة وسعة صدر، وغيرها من السلوكيات التي جعل سبحانه وتعالى التحلي بفضائلها والتمسك بمحامدها، مبدأ جوهرياً من المبادئ الأساسية لإصلاح النفس وتصحيح مساراتها وتحصينها من سوء الخلق، وإبعادها عن سيئ العادات، وتعويدها على الصدق والأمانة والتعاون وباقي الصفات الحسنة والسلوكيات الحميدة التي بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستكمال منظومتها، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وكل ما يدخل ضمن خانة المعاملات الطيبة الحسنة، التي هي أصل الدين الذي يخلق السلم بين خلق الله، والذي يخالف كليا الأنساق الدينية الأخرى التي يروج لها تجار الدين ومرتزقته، بنية وقلب الوقائع وتغيير حقيقة وتلفيقها ونشر الأراجيف والأباطيل بين الناس قصد تزييف المبادئ الكونية والمثل العليا للدين الإسلامي المشبوبة بالرحمة والتآخي الإنساني، وتحويلها إلى غلظة وشدة وويل ولعنة وتحريض لإيهام وتضليل الناس وخداعهم، ولتجعل منهم مجتمعات وشعوبا – خاصة تلك المرتهنة في وعيها للمقدس الديني - متقاتلة يضرب بعضها رقاب بعض، باسم الدين المشوه الذي يعدم باسمه رجاله كل مظاهر الفردية وكل الحرية الشخصية، ويحكمون قبضاتهم الحديدية على عقائد الناس وأخلاقهم وسلوكاتهم، وقوانينهم ونظمهم، وكل مجالات حياتهم، من لباس وسياسة واقتصاد وثقافة وفكر وأدب وعلوم، وبدون أسانيد شرعية أو حجج منطقية، غير الاعتماد على أحاديث القتل والتنكيل المفتراة على الرسول صلى الله عليه وسلام، والمتداولة في خطاباتهم الدينية والإعلامية المتطرفة التي يُقولون فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أمثال :جئتكم بالذبح، ويصف نفسه بالضحوك القتال، ويبيد فيها قرى بأكملها، ويخبر المؤمنين بأن رزقه جعل تحت ظل رمحه، وأنّ الجنة تحت ظلال السيوف، وأنّ الجهاد هو ذروة سنام الإسلام وهو ماض إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يحدث نفسه بالغزو فقد مات ميتة جاهلية، وغيرها من الأحاديث الّتي يروج لها المتشددون الإسلاميون الداعية للتطرف والمشجعة عليه، لشيطنة هذا الدين العظيم، بغية إرعاب الناس لضمان ولائهم، وإخضاعهم لمآربهم المادية والمعنوية والمجتمعية، في مقابل آيات السلام والتسامح والإنسانية البديعة، التي تنشر أخلاق الواجب والإرادة والعمل والفضيلة، وتظهر الحق والحقيقة التي يتعمد رجال الدين تهميشها، خشية تنوير الناس بما تتضمنه من فوارق واضحة لا لبس فيها ولا شبهة بين الإسلام المتسامح وإسلام الحركات الإسلاموية المتسلطة، وتخليصهم من وصاية وسلطة كهنوت المشعوذين الذين يجبرون الناس بقوة السيف وقهر الإكراه على اعتناق ما يرون أنه الذين الحق وبالشكل الذي يرتضونه، كما كان عليه الحال في الغرب إبان سيطرة الكنيسة التي كان كهنتها يرعبون الناس، ويشدّدون عليهم الخناق لضمان ولائهم وخضوعهم، قبل أن يتحرروا من وصاية العقلية المرضية لرجال الكنيسة الذين كانوا يعتاشون على الدين، والذين كان يطلق عليهم رجال الدين، الذين لم يثبت في التاريخ قط أن ارتقى مجتمع عرف ازدياد عددهم، لأنهم لا هم للكثير منهم غير الوقوف عقبة بوجه أي مشروع مجتمعي تنويري وضد العقول الواعية من أبناء أي مجتمع، ولذلك ليس بغريب أن تكثر أعدادهم وتبرز أدوارهم في المجتمعات التي يقل فيها الوعي ويعم الجهل..

 

حميد طولست

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم